Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 50-51)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يعنـي بذلك جلّ ثناؤه : وبأنـي قد جئتكم بآية من ربكم ، وجئتكم مصدّقاً لـما بـين يديّ من التوراة ، ولذلك نصب « مصدّقاً » علـى الـحال من جئتكم . والذي يدلّ علـى أنه نصب علـى قوله وجئتكم دون العطف علـى قوله : « وجيهاً » ، قوله : { لِّمَا بَيْنَ يَدَىَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ } ولو كان عطفـاً علـى قوله : « وجيهاً » ، لكان الكلام : ومصدّقاً لـما بـين يديه من التوراة ، ولـيحلّ لكم بعض الذي حرّم علـيكم . وإنـما قـيـل : { وَمُصَدّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَىَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ } لأن عيسى صلوات الله علـيه كان مؤمناً بـالتوراة مقرّاً بها ، وأنها من عند الله ، وكذلك الأنبـياء كلهم يصدّقون بكل ما كان قبلهم من كتب الله ورسله ، وإن اختلف بعض شرائع أحكامهم لـمخالفة الله بـينهم فـي ذلك ، مع أن عيسى كان فـيـما بلغنا عاملاً بـالتوراة ، لـم يخالف شيئاً من أحكامها إلا ما خفف الله عن أهلها فـي الإنـجيـل مـما كان مشدّداً علـيهم فـيها . كما : حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الكريـم ، قال : ثنـي عبد الصمد بن معقل ، أنه سمع وهب بن منبه يقول : إن عيسى كان علـى شريعة موسى عليه وسلم ، وكان يسبت ويستقبل بـيت الـمقدس ، فقال لبنـي إسرائيـل : إنـي لـم أدعكم إلـى خلاف حرف مـما فـي التوراة إلا لأحلّ لكم بعض الذي حرّم علـيكم ، وأضع عنكم من الآصار . حدثنـي بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { وَمُصَدّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَىَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ } كان الذي جاء به عيسى ألـين مـما جاء به موسى ، وكان قد حرّم علـيهم فـيـما جاء به موسى لـحوم الإبل والثروب ، وأشياء من الطير والـحيتان . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا ابن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن الربـيع ، فـي قوله : { وَمُصَدّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَىَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِى حُرِّمَ عَلَيْكُمْ } قال : كان الذي جاء به عيسى ألـين من الذي جاء به موسى ، قال : وكان حرّم علـيهم فـيـما جاء به موسى من التوراة لـحوم الإبل والثروب فأحلها لهم علـى لسان عيسى ، وحرّمت علـيهم الشحوم ، وأحلت لهم فـيـما جاء به عيسى ، وفـي أشياء من السمك ، وفـي أشياء من الطير مـما لا صِيصِيَةَ له ، وفـي أشياء حرّمها علـيهم ، وشدّدها علـيهم ، فجاءهم عيسى بـالتـخفـيف منه فـي الإنـجيـل ، فكان الذي جاء به عيسى ألـين من الذي جاء به موسى ، صلوات الله علـيه . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : { وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِى حُرِّمَ عَلَيْكُمْ } قال : لـحوم الإبل والشحوم لـما بعث عيسى أحلها لهم ، وبعث إلـى الـيهود فـاختلفوا وتفرّقوا . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، عن مـحمد بن جعفر بن الزبـير : { وَمُصَدّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَىَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ } أي لـما سبقنـي منها ، { وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِى حُرِّمَ عَلَيْكُمْ } أي أخبركم أنه كان حراماً علـيكم ، فتركتـموه ، ثم أحله لكم تـخفـيفـاً عنكم ، فتصيبون يسره وتـخرجون من تِبَـاعته . حدثنـي مـحمد بن سنان ، قال : ثنا أبو بكر الـحنفـي ، عن عبـاد ، عن الـحسن : { وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذى حُرِّمَ عَلَيْكُمْ } قال : كان حرّم علـيهم أشياء ، فجاءهم عيسى لـيحلّ لهم الذي حرّم علـيهم ، يبتغي بذلك شكرهم . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { وَجِئْتُكُمْ بِأَيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ } . يعنـي بذلك : وجئتكم بحجة وعبرة من ربكم ، تعلـمون بها حقـيقة ما أقول لكم . كما : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبـي نـجيج ، عن مـجاهد : { وَجِئْتُكُمْ بِأَيَةٍ مّن رَّبِّكُمْ } قال : ما بـيّن لهم عيسى من الأشياء كلها ، وما أعطاه ربه . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد : { وَجِئْتُكُمْ بِأَيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ } : ما بـين لهم عيسى من الأشياء كلها . ويعنـي بقوله : { مِّن رَّبِّكُمْ } : من عند ربكم . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ إِنَّ ٱللَّهَ رَبِّى وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ هَـٰذَا صِرٰطٌ مُّسْتَقِيمٌ } . يعنـي بذلك : وجئتكم بآية من ربكم ، تعلـمون بها يقـيناً صدقـي فـيـما أقول ، فـاتقوا الله يا معشر بنـي إسرائيـل فـيـما أمركم به ، ونهاكم عنه فـي كتابه الذي أنزله علـى موسى فأوفوا بعهده الذي عاهدتـموه فـيه ، وأطيعون فـيـما دعوتكم إلـيه من تصديقـي فـيـما أرسلنـي به إلـيكم ، ربـي وربكم فـاعبدوه ، فإنه بذلك أرسلنـي إلـيكم ، وبإحلال بعض ما كان مـحرّما علـيكم فـي كتابكم ، وذلك هو الطريق القويـم ، والهدى الـمتـين الذي لا اعوجاج فـيه . كما : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، عن مـحمد بن جعفر بن الزبـير : { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ إِنَّ ٱللَّهَ رَبِّى وَرَبُّكُمْ } تبرياً من الذي يقولون فـيه ، يعنـي ما يقول فـيه النصارى واحتـجاجاً لربه علـيهم ، فـاعبدوه ، و { هَـٰذَا صِرٰطٌ مُّسْتَقِيمٌ } أي الذي هذا قد حملتكم علـيه وجئتكم به . واختلفت القراء فـي قراءة قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ رَبِّى وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ } فقرأته عامة قرّاء الأمصار : { إِنَّ ٱللَّهَ رَبِّى وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ } بكسر ألف « إنّ » علـى ابتداء الـخبر ، وقرأه بعضهم : « أنَّ اللَّهَ رَبِّـي وَرَبُّكُمْ » بفتـح ألف « أن » بتأويـل : وجئتكم بآية من ربكم أن الله ربـي وربكم ، علـى ردّ أن علـى الآية ، والإبدال منها . والصواب من القراءة عندنا ما علـيه قراء الأمصار ، وذلك كسر ألف « إن » علـى الابتداء ، لإجماع الـحجة من القراء علـى صحة ذلك ، وما اجتـمعت علـيه فحجة ، وما انفرد به الـمنفرد عنها فرأي ، ولا يعترض بـالرأي علـى الـحجة . وهذه الآية ، وإن كان ظاهرها خبراً ، ففـيه الـحجة البـالغة من الله لرسوله مـحمد صلى الله عليه وسلم علـى الوفد الذين حاجوه من أهل نـجران بإخبـار الله عزّ وجلّ ، عن أن عيسى كان بريئاً مـما نسبه إلـيه من نسبه ، إلى غير الذي وصف به نفسه ، من أنه لله عبد كسائر عبـيده من أهل الأرض إلا ما كان الله جل ثناؤه خصه به من النبوّة والـحجج التـي آتاه دلـيلاً علـى صدقه ، كما آتـى سائر الـمرسلـين غيره من الأعلام والأدلة علـى صدقهم ، والـحجة علـى نبوّتهم .