Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 91-91)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يعنـي بذلك جلّ ثناؤه : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي جحدوا نبوّة مـحمد صلى الله عليه وسلم ، ولـم يصدّقوا به ، وبـما جاء به من عند الله من أهل كل ملة يهودها ونصاراها ومـجوسها وغيرهم . { وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ } يعنـي : وماتوا علـى ذلك من جحود نبوّته ، وجحود ما جاء به . { فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مّلْء ٱلأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ ٱفْتَدَىٰ بِهِ } يقول : فلن يقبل مـمن كان بهذه الصفة فـي الآخرة جزاء ولا رشوة علـى ترك عقوبته علـى كفره ، ولا جعل علـى العفو عنه ، ولو كان له من الذهب قدر ما يـملأ الأرض من مشرقها إلـى مغربها ، فَرَشَا وجزى علـى ترك عقوبته وفـي العفو عنه علـى كفره عوضاً مـما الله مـحلّ به من عذابه ، لأن الرشوة إنـما يقبلها من كان ذا حاجة إلـى ما رُشي ، فأما من له الدنـيا والآخرة ، فكيف يقبل الفدية ، وهو خلاق كل فدية افتدى بها مفتد عن نفسه أو غيره ؟ وقد بـينا أن معنى الفدية العوض والـجزاء من الـمفتدى منه بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع . ثم أخبر عزّ وجلّ عما لهم عنده ، فقال : { أُوْلَـٰئِكَ } يعنـي : هؤلاء الذين كفروا وماتوا وهم كفـار ، { لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } يقول : لهم عند الله فـي الآخرة عذاب موجع ، { وَمَا لَهُم مّن نَّـٰصِرِينَ } يعنـي : وما لهم من قريب ولا حميـم ولا صديق ينصره ، فـيستنقذه من الله ومن عذابه ، كما كانوا ينصرونه فـي الدنـيا علـى من حاول أذاه ومكروهه . وقد : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : ثنا أنس بن مالك ، أن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : " يُجاءُ بـالكافر يَوْمَ القِـيامَةِ فـيُقالُ لَهُ : أرأيْتَ لَوْ كانَ لَكَ مِلْءُ الأرْضِ ذَهَبـاً ، أكُنْتَ مُفْتَدِياً بِهِ ؟ فَـيَقُولُ نَعَمْ ، قال : فَـيُقالُ لَقَدْ سُئِلْتَ ما هُوَ أيْسَرُ مِنْ ذَلِكَ " ، فذلك قوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مّلْء ٱلأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ ٱفْتَدَىٰ بِهِ } . حدثنـي مـحمد بن سنان ، قال : ثنا أبو بكر الـحنفـي ، قال : ثنا عبـاد ، عن الـحسن ، قوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مّلْء ٱلأَرْضِ ذَهَبًا } قال : هو كل كافر . ونصب قوله « ذهبـاً » علـى الـخروج من الـمقدار الذي قبله والتفسير منه ، وهو قوله : « ملء الأرض » ، كقول القائل : عندي قدر زقًّ سمناً وقدر رطل عسلاً ، فـالعسل مبـين به ما ذكر من الـمقدار ، وهو نكرة منصوبة علـى التفسير للـمقدار والـخروج منه . وأما نـحويو البصرة ، فإنهم زعموا أنه نصب الذهب لاشتغال الـملء بـالأرض ، ومـجيء الذهب بعدهما ، فصار نصبها نظير نصب الـحال ، وذلك أن الـحال يجيء بعد فعل قد شغل بفـاعله فـينصب ، كما ينصب الـمفعول الذي يأتـي بعد الفعل الذي قد شغل بفـاعله ، قالوا : ونظير قوله : { مِّلْءُ ٱلأَرْضِ ذَهَبًا } فـي نصب الذهب فـي الكلام : لـي مثلك رجلاً ، بـمعنى : لـي مثلك من الرجال . وزعموا أن نصب الرجل لاشتغال الإضافة بـالاسم ، فنصب كما ينصب الـمفعول به لاشتغال الفعل بـالفـاعل ، وأدخـلت الواو فـي قوله : { وَلَوِ ٱفْتَدَىٰ بِهِ } لـمـحذوف من الكلام بعده دلّ علـيه دخول الواو ، كالواو فـي قوله : { وَلِيَكُونَ مِنَ ٱلْمُوقِنِينَ } [ الأنعام : 75 ] . وتأويـل الكلام : ولـيكون من الـموقنـين ، أريناه ملكوت السموات والأرض ، فكذلك ذلك فـي قوله : { وَلَوِ ٱفْتَدَىٰ بِهِ } ، ولو لـم يكن فـي الكلام واو ، لكان الكلام صحيحاً ، ولـم يكن هنالك متروك وكان : فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبـاً لو افتدى به .