Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 50-50)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم : { يا أيُّها النَّبِـيُّ إنَّا أحْلَلْنا لَكَ أزْوَاجَكَ اللاَّتـي آتَـيْتَ أُجُورَهُنَّ } يعنـي : اللاتـي تزوّجتهنّ بصداق مسمى ، كما : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، قوله : { أزْوَاجَكَ اللاَّتـي آتَـيْتَ أُجُورَهُنَّ } قال : صدقاتهنّ . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { يا أيُّهَا النَّبِـيُّ إنَّا أحْلَلْنا لَكَ أزْوَاجَكَ اللاَّتـي آتَـيْتَ أُجُورَهُنَّ } قال : كان كل امرأة آتاها مهراً ، فقد أحلها الله له . حُدثت عن الـحسين ، قال : سمعت أبـا معاذ يقول : أخبرنا عبـيد ، قال : سمعت الضحاك يقول فـي قوله : { يا أيُّها النَّبِـيُّ إنَّا أحْلَلْنا لَكَ أزَوَاجَكَ اللاَّتـي آتَـيْتَ أُجُورَهُنَّ } … إلـى قوله : { خِالصَةً لَكَ مِنْ دُون الـمُؤْمِنِـينَ } فما كان من هذه التسمية ما شاء كثـيراً أو قلـيلاً . وقوله : { وَما مَلَكَتْ يَـمِينُكَ مـمَّا أفـاءَ اللَّهُ عَلَـيْكَ } يقول : وأحللنا لك إماءك اللواتـي سبـيتهنّ ، فملكتهنّ بـالسبـاء ، وصرن لك بفتـح الله علـيك من الفـيء { وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وبَناتِ خالاتِكَ اللاَّتـي هاجَرْنَ مَعَكَ } فأحلّ الله له صلى الله عليه وسلم من بنات عمه وعماته وخاله وخالاته ، الـمهاجرات معه منهنّ دون من لـم يهاجر منهنّ معه ، كما : حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عبد الله بن موسى ، عن إسرائيـل ، عن السدي ، عن أبـي صالـح ، عن أمّ هانىء ، قالت : خطبنـي النبـيّ صلى الله عليه وسلم ، فـاعتذرت له بعذري ، ثم أنزل الله علـيه : { إنَّا أحْلَلْنا لَكَ أزْوَاجَكَ اللاَّتـي آتَـيْتَ أُجُورَهُنَّ } … إلـى قوله { اللاَّتِـي هاجَرْنَ مَعَكَ } قالت : فلـم أحلّ له ، لـم أهاجر معه ، كنت من الطلقاء . وقد ذُكر أن ذلك فـي قراءة ابن مسعود : « وَبَناتِ خالاتِكَ وَاللاَّتِـي هاجَرْنَ مَعَكَ » بواو وذلك وإن كان كذلك فـي قراءته مـحتـمل أن يكون بـمعنى قراءتنا بغير الواو ، وذلك أن العرب تدخـل الواو فـي نعت من قد تقدم ذكره أحياناً ، كما قال الشاعر : @ فإِنَّ رُشيداً وَابنَ مَرْوَانَ لَـمْ يَكُنْ لِـيَفْعَلَ حتـى يَصْدُرَ الأَمْرُ مَصْدَرَا @@ ورشيد هو ابن مروان . وكان الضحاك بن مزاحم يتأوّل قراءة عبد الله هذه أنهنّ نوع غير بنات خالاته ، وأنهنّ كل مهاجرة هاجرت مع النبـيّ صلى الله عليه وسلم . ذكر الـخبر عنه بذلك : حُدثت عن الـحسين ، قال : سمعت أبـا معاذ يقول : أخبرنا عبـيد ، قال : سمعت الضحاك يقول فـي حرف ابن مسعود : « وَاللاَّتِـي هاجَرْنَ مَعَكَ » يعنـي بذلك : كلّ شيء هاجر معه لـيس من بنات العمّ والعمة ، ولا من بنات الـخال والـخالة . وقوله : { وَامْرأَةً مُؤْمِنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَها للنَّبِـيّ } يقول : وأحللنا له امرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبـي بغير صداق ، كما : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، قوله : { وَامْرأةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها للنَّبِـيّ } بغير صداق ، فلـم يكن يفعل ذلك ، وأحلّ له خاصة من دون الـمؤمنـين . وذُكر أن ذلك فـي قراءة عبد الله : « وَامْرأةً مُؤْمِنَةً وَهَبَتْ نَفْسَها للنَّبِـيّ » بغير إن ، ومعنى ذلك ومعنى قراءتنا وفـيها « إن » واحد ، وذلك كقول القائل فـي الكلام : لا بأس أن يطأ جارية مـملوكة إن ملكها ، وجارية مـملوكة ملكها . وقوله { إنْ أرَادَ النَّبِـيُّ أنْ يَسْتَنْكِحَها } يقول : إن أراد أن ينكحها ، فحلال له أن ينكحها إذا وهبت نفسها له بغير مهر { خالِصَةً لَكَ } يقول : لا يحلّ لأحد من أمَّتك أن يقرب امرأة وهبت نفسها له ، وإنـما ذلك لك يا مـحمد خالصة أخـلصت لك من دون سائر أمتك ، كما : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الـمُؤْمِنِـينَ } يقول : لـيس لامرأة أن تهب نفسها لرجل بغير أمر ولـيّ ولا مهر ، إلا للنبـيّ ، كانت له خالصة من دون الناس . ويزعمون أنها نزلت فـي ميـمونة بنت الـحارث أنها التـي وهبت نفسها للنبـيّ . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد فـي قوله : { يا أيُّها النَّبِـيُّ إنَّا أحْلَلْنا لَكَ أزْوَاجَكَ } … إلـى قوله { خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الـمُؤْمِنِـينَ } قال : كان كل امرأة آتاها مهرا فقد أحلها الله له إلـى أن وهب هؤلاء أنفسهنّ له ، فأحللن له دون الـمؤمنـين بغير مهر خالصة لك من دون الـمؤمنـين إلا امرأة لها زوج . حدثنـي يعقوب ، قال : ثنا ابن علـية ، عن صالـح بن مسلـم ، قال : سألت الشعبـي عن امرأة وهبت نفسها لرجل ، قال : لا يكون ، لا تـحلّ له ، إنـما كانت للنبـيّ صلى الله عليه وسلم . واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله : { إنْ وَهَبَتْ نَفْسَها } فقرأ ذلك عامة قرّاء الأمصار : { إنْ وَهَبَتْ } بكسر الألف علـى وجه الـجزاء ، بـمعنى : إن تهب . وذُكر عن الـحسن البصري أنه قرأ : « أنْ وَهَبَتْ » بفتـح الألف ، بـمعنى : وأحللنا له امرأة مؤمنة أن ينكحها ، لهبتها له نفسها . والقراءة التـي لا أستـجيز خلافها فـي كسر الألف لإجماع الـحجة من القرّاء علـيه . وأما قوله : { خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الـمُؤْمِنِـينَ } لـيس ذلك للـمؤمنـين . وذُكر أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن تنزل علـيه هذه الآية أن يتزوّج أيّ النساء شاء ، فقصره الله علـى هؤلاء ، فلـم يعدُهن ، وقصر سائر أمته علـى مثنى وثلاث ورُبـاع . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن عبد الأعلـى ، قال : ثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان ، قال : سمعت داود بن أبـي هند ، عن مـحمد بن أبـي موسى ، عن زياد رجل من الأنصار ، عن أبـيّ بن كعب ، أن التـي أحلّ الله للنبـيّ من النساء هؤلاء اللاتـي ذكر الله { يا أيُّها النَّبِـيُّ إنَّا أحْلَلْنا لَكَ أزْوَاجَكَ اللاَّتـي آتَـيْتَ أُجُورَهُنَّ } . … إلـى قوله : { فِـي أزْوَاجِهِمْ } وإنـما أحلّ الله للـمؤمنـين مثنى وثُلاث ورُبـاع . وحدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس قوله : { يا أيُّها النَّبِـيُّ إنَّا أحْلَلْنا لَكَ أزْوَاجَكَ } … إلـى آخر الآية ، قال : حرّم الله علـيه ما سوى ذلك من النساء وكان قبل ذلك ينكح فـي أيّ النساء شاء ، لـم يحرّم ذلك علـيه ، فكان نساؤه يجدن من ذلك وجداً شديداً أن ينكح فـي أيّ الناس أحبّ فلـما أنزل الله : إنـي قد حرّمت علـيك من الناس سوى ما قصصت علـيك ، أعجب ذلك نساءه . واختلف أهل العلـم فـي التـي وهبت نفسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الـمؤمنات ، وهل كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة كذلك ؟ فقال بعضهم : لـم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة إلا بعقد نكاح أو ملك يـمين ، فأما بـالهبة فلـم يكن عنده منهنّ أحد . ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا يونس بن بكير ، عن عنبسة بن الأزهر ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عبـاس ، قال : لـم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة وهبت نفسها . حدثنا ابن الـمثنى ، قال : ثنا مـحمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن الـحكم ، عن مـجاهد ، أنه قال فـي هذه الآية : { وَامْرأةً مُؤْمِنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَها للنَّبِـيّ } قال : أن تهب . وأما الذين قالوا : قد كان عنده منهن ، فإن بعضهم قال : كانت ميـمونة بنت الـحارث . وقال بعضهم : هي أمّ شريك . وقال بعضهم : زينب بنت خزيـمة . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الأعلـى ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، عن ابن عبـاس ، قال : { وَامْرأةً مُؤْمِنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَها للنَّبِـيّ } قال : هي ميـمونة بنت الـحارث . وقال بعضهم : زينب بنت خزيـمة أمّ الـمساكين امرأة من الأنصار . حدثنا ابن الـمثنى ، قال : ثنا مـحمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، قال : ثنـي الـحكم ، قال : كتب عبد الـملك إلـى أهل الـمدينة يسألهم ، قال : فكتب إلـيه علـيّ ، قال شعبة : وهو ظنـي علـيّ بن حسين ، قال : وقد أخبرنـي به أبـان بن تغلب ، عن الـحكم ، أنه علـيّ بن الـحسين ، الذي كتب إلـيه ، قال : هي امرأة من الأسد يقال لها أمّ شريك ، وهبت نفسها للنبـيّ . قال : ثنا شعبة ، قال : ثنـي عبد الله بن أبـي السفر ، عن الشعبـي ، أنها امرأة من الأنصار ، وهبت نفسها للنبـيّ ، وهي مـمن أرجأ . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثنـي سعيد ، عن هشام بن عروة ، عن أبـيه ، عن خولة بنت حكيـم بن الأوقص من بنـي سلـيـم ، كانت من اللاتـي وهبن أنفسهنّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : ثنـي سعيد بن أبـي الزناد ، عن هشام بن عروة ، عن أبـيه ، قال : كنا نتـحدّث أن أمّ شريك كانت وهبت نفسها للنبـيّ صلى الله عليه وسلم ، وكانت امرأة صالـحة . وقوله : { قَدْ عَلِـمْنا ما فَرَضْنا عَلَـيْهِمْ فِـي أزْوَاجِهِمْ } يقول تعالـى ذكره : قد علـمنا ما فرضنا علـى الـمؤمنـين فـي أزواجهم إذا أرادوا نكاحهنّ مـما لـم نفرضه علـيك ، وما خصصناهم به من الـحكم فـي ذلك دونك ، وهو أنا فرضنا علـيهم أنه لا يحلّ لهم عقد نكاح علـى حرّة مسلـمة إلا بولـيّ عَصَبة وشهود عدول ، ولا يحلّ لهم منهنّ أكثر من أربع . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي عبد الله بن أحمد بن شبوَّيَه ، قال : ثنا مطهر ، قال : ثنا علـيّ بن الـحسين ، قال : ثنـي أبـي ، عن مطر ، عن قتادة ، فـي قول الله : { قَدْ عَلِـمْنا ما فَرَضْنا عَلَـيْهِمْ فِـي أزْوَاجِهِمْ } قال : إن مـما فرض الله علـيهم أن لا نكاح إلا بولـيّ وشاهدين . حدثنا مـحمد بن بشار ، قال : ثنا أبو أحمد ، قال : ثنا سفـيان ، عن لـيث ، عن مـجاهد { قَدْ عَلِـمْنا ما فَرَضْنا عَلَـيْهِمْ فِـي أزْوَاجِهِمْ } قال : فـي الأربع . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله { قَدْ عَلِـمْنا ما فَرَضْنا عَلَـيْهِمْ فِـي أزْوَاجِهِمْ } قال : كان مـما فرض الله علـيهم أن لا تزوّج امرأة إلا بولـيّ وصداق عند شاهدي عدل ، ولا يحلّ لهم من النساء إلا أربع ، وما ملكت أيـمانهم . وقوله : { وَما مَلَكَتْ أيـمانُهُمْ } يقول تعالـى ذكره : قد علـمنا ما فرضنا علـى الـمؤمنـين فـي أزواجهم ، لأنه لا يحلّ لهم منهنّ أكثر من أربع ، وما ملكت أيـمانهم ، فإن جميعهن إذا كنّ مؤمنات أو كتابـيات ، لهم حلال بـالسبـاء والتسرّي وغير ذلك من أسبـاب الـملك . وقوله : { لِكَيْلا يَكُونَ عَلَـيْكَ حَرَجٌ وكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيـماً } يقول تعالـى ذكره : إنا أحللنا لك يا مـحمد أزواجك اللواتـي ذكرنا فـي هذه الآية ، وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبـيّ ، إن أراد النبـيّ أن يستنكحها ، لكيلا يكون علـيك إثم وضيق فـي نكاح من نكحت من هؤلاء الأصناف التـي أبحت لك نكاحهنّ من الـمسميَّات فـي هذه الآية ، وكان الله غفوراً لك ولأهل الإيـمان بك ، رحيـما بك وبهم أن يعاقبهم علـى سالف ذنب منهم سلف بعد توبتهم منه .