Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 51-51)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله : { تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوي إلَـيْكَ مَنْ تَشاءُ } فقال بعضهم : عنى بقوله : ترجي : تؤخِّر ، وبقوله : تؤْوي : تضمّ . ذكر من قال ذلك : حدثنـي علـيّ ، قال : ثنا أبو صالـح ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله : { تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ } يقول : تؤخر . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، قوله : { تُرْجي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ } قال : تعزل بغير طلاق من أزواجك من تشاء { وَتُؤْوِي إلَـيْكَ مَنْ تَشاءُ } قال : تردّها إلـيك . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إلَـيْكَ مَنْ تَشاءُ } قال : فجعله الله فـي حلّ من ذلك أن يدع من يشاء منهنّ ، ويأتـي من يشاء منهنّ بغير قسم ، وكان نبـيّ الله يقسم . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، قال : ثنا عمرو ، عن منصور ، عن أبـي رزين { تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إلَـيْكَ مَنْ تَشاءُ } قال : لـما أشفقن أن يطلقهنّ ، قلن : يا نبـيّ الله ، اجعل لنا من مالك ونفسك ما شئت فكان مـمن أرجأ منهنّ سودة بنت زمعة ، وجُوَيرية ، وصفـية ، وأمّ حبـيبة ، وميـمونة وكان مـمن آوى إلـيه : عائشة ، وأمّ سلـمة ، وحفصة ، وزينب . حُدثت عن الـحسين ، قال : سمعت أبـا معاذ يقول : أخبرنا عبـيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، فـي قوله : { تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إلَـيْكَ مَنْ تَشاءُ } فما شاء صنع فـي القسمة بـين النساء ، أحل الله له ذلك . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير عن منصور ، عن أبـي رزين ، فـي قوله : { تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إلَـيْكَ مَنْ تَشاءُ } وكان مـمن آوى علـيه الصلاة والسلام : عائشة ، وحفصة ، وزينب ، وأمّ سلـمة ، فكان قسمه من نفسه لهنّ سويّ قسمه وكان مـمن أرجى : سودة ، وجُوَيرية ، وصفـية ، وأمّ حبـيبة ، وميـمونة ، فكان يقسم لهنّ ما شاء ، وكان أراد أن يفـارقهنّ ، فقلن : اقسم لنا من نفسك ما شئت ، ودعنا نكون علـى حالنا . وقال آخرون : معنى ذلك : تطلق وتـخـلـي سبـيـل من شئت من نسائك ، وتـمسك من شئت منهنّ فلا تطلق . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس قوله : { تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ أمها الـمؤمنـين وَتُؤْوي إلَـيْكَ مَنْ تَشاءُ } يعنـي : نساء النبـيّ صلى الله عليه وسلم ، ويعنـي بـالإرجاء : يقول : من شئت خـلـيت سبـيـله منهنّ ، ويعنـي بـالإيواء : يقول : من أحببت : أمسكت منهنّ . وقال آخرون : بل معنى ذلك : تترك نكاح من شئت ، وتنكح من شئت من نساء أمتك . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : قال الـحسن فـي قوله : { تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إلَـيْكَ مَنْ تَشاءُ } قال : كان نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب امرأة لـم يكن لرجل أن يخطبها حتـى يتزوّجها أو يتركها . وقـيـل : إن ذلك إنـما جعل الله لنبـيه حين غار بعضهنّ علـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم ، وطلب بعضهنّ من النفقة زيادة علـى الذي كان يعطيها ، فأمره الله أن يخيرهنّ بـين الدار الدنـيا والآخرة ، وأن يخـلـي سبـيـل من اختار الـحياة الدنـيا وزينتها ، ويـمسك من اختار الله ورسوله فلـما اخترن الله ورسوله قـيـل لهنّ : اقررن الآن علـى الرضا بـالله وبرسوله ، قَسَم لكنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو لـم يقسم ، أو قسم لبعضكنّ ، ولـم يقسم لبعضكنّ ، وفضل بعضكنّ علـى بعض فـي النفقة ، أو لـم يفضل ، سوّى بـينكنّ ، أو لـم يسوّ ، فإن الأمر فـي ذلك إلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لـيس لكم من ذلك شيء . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فـيـما ذُكر مع ما جعل الله له من ذلك ، يسوّي بـينهنّ فـي القَسم ، إلا امرأة منهنّ أراد طلاقها ، فرضيت بترك القسم لها . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا مـحمد بن بشار ، قال : ثنا أبو أحمد ، قال : ثنا سيفـيان ، عن منصور ، عن أبـي رزين ، قال : لـما أراد النبـيّ صلى الله عليه وسلم أن يطلق أزواجه ، قلن له : افرض لنا من نفسك ومالك ما شئت ، فأمره الله فآوى أربعاً ، وأرجى خمساً . حدثنا سفـيان بن وكيع ، قال : ثنا عبـيدة بن سلـيـمان ، عن هشام بن عروة ، عن أبـيه ، عن عائشة أنها قالت : أما تستـحيـي الـمرأة أن تهب نفسها للرجل حتـى أنزل الله . { تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إلَـيْكَ مَنْ تَشاءُ } فقلت : إن ربك لـيسارع فـي هواك . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا مـحمد بن بشر ، يعنـي العبدي ، عن هشام بن عروة ، عن أبـيه ، عن عائشة ، أنها كانت تعير النساء اللاتـي وهبن أنفسهنّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت : أما تستـحيـي امرأة أن تعرض نفسها بغير صداق ، فنزلت ، أو فأنزل الله : { تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إلَـيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنْ ابْتَغَيْتَ مِـمَّنْ عَزَلْتَ } فقلت : إنـي لأرى ربك يُسارع لك فـي هواك . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قول الله : { تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إلَـيْكَ مَنْ تَشاءُ } … الآية . قال : كان أزواجه قد تغايرن علـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم ، فهجرهن شهراً ، ثم نزل التـخيـير من الله له فـيهنّ ، فقرأ حتـى بلغ : { وَلا تَبرَّجْنَ تَبرُّجَ الـجاهِلِـيَّةِ الأُولـى } فخيرهنّ بـين أن يخترن أن يخـلـي سبـيـلهنّ ويسرّحهنّ وبـين أن يقمن إن أردن الله ورسوله علـى أنهنّ أمهات الـمؤمنـين ، لا ينكحن أبداً ، وعلـى أنه يؤوي إلـيه من يشاء منهنّ مـمن وهبت نفسها له حتـى يكون هو يرفع رأسه إلـيها ، ويرجي من يشاء ، حتـى يكون هو يرفع رأسه إلـيها ، ومن ابتغى مـمن هي عنده وعزل فلا جناح علـيه ، ذلك أدنى أن تقرّ أعينهنّ ولا يحزنّ ، ويرضين إذا علـمن أنه من قضائي علـيهنّ إيثار بعضهنّ علـى بعض { ذلكَ أدْنَى أنْ } يرضين ، قال : { وَمَنِ ابْتَغَيْتَ } مـمن عزلت : من ابتغى أصابه ، ومن عزل لـم يصبه ، فخيرهنّ بـين أن يرضين بهذا ، أو يفـارقهنّ ، فـاخترن الله ورسوله ، إلا امرأة واحدة بدوية ذهبت . وكان علـى ذلك صلوات الله علـيه ، وقد شرط الله له هذا الشرط ، ما زال يعدل بـينهنّ حتـى لقـي الله . وأولـى الأقوال فـي ذلك عندي بـالصواب أن يقال : إن الله تعالـى ذكره جعل لنبـيه أن يرجي من النساء اللواتـي أحلهنّ له من يشاء ، ويُؤوي إلـيه منهنّ من يشاء ، وذلك أنه لـم يحصر معنى الإرجاء والإيواء علـى الـمنكوحات اللواتـي كنّ فـي حبـاله ، عندما نزلت هذه الآية دون غيرهنّ مـمن يستـحدث إيواؤها أو إرجاؤها منهنّ . وإذا كان ذلك كذلك ، فمعنى الكلام : تؤخر من تشاء مـمن وهبت نفسها لك ، وأحللت لك نكاحها ، فلا تقبلها ولا تنكحها ، أو مـمن هنّ فـي حبـالك ، فلا تقربها ، وتضمّ إلـيك من تشاء مـمن وهبت نفسها لك ، أو أردت من النساء التـي أحللت لك نكاحهنّ ، فتقبلها أو تنكحها ، ومـمن هي فـي حبـالك فتـجامعها إذا شئت ، وتتركها إذا شئت بغير قَسْم . وقوله : { وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مـمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَـيْكَ } اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : ومن نكحت من نسائك فجامعت مـمن لـم تنكح ، فعزلته عن الـجماع ، فلا جناح علـيك . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، فـي قوله : { وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مـمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَـيْكَ } قال : جميعاً هذه فـي نسائه ، إن شاء أتـى من شاء منهنّ ، ولا جناح علـيه . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مـمَّنْ عَزَلْتَ } قال : ومن ابتغى أصابه ، ومن عزل لـم يصبه . وقال آخرون : معنى ذلك : ومن استبدلت مـمن أرجيت ، فخـلـيت سبـيـله من نسائك ، أو مـمن مات منهنّ مـمن أحللت لك فلا جناح علـيك . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قوله : { وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مـمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَـيْكَ ذَلكَ أدْنَى أنْ تَقَرَّ أعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بـما آتَـيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ } يعنـي بذلك : النساء اللاتـي أحلّ الله له من بنات العمّ والعمة والـخال والـخالة { واللاَّتِـي هاجَرْنَ مَعَكَ } يقول : إن مات من نسائك اللاتـي عندك أحد ، أو خـلـيت سبـيـله ، فقد أحللت لك أن تستبدل من اللاتـي أحللت لك مكان من مات من نسائك اللاتـي هنّ عندك ، أو خـلـيت سبـيـله منهنّ ، ولا يصلـح لك أن تزداد علـى عدّة نسائك اللاتـي عندك شيئا . ً وأولـى التأويـلـين بـالصواب فـي ذلك ، تأويـل من قال : معنى ذلك : ومن ابتغيت إصابته من نسائك { مـمَّنْ عَزَلْتَ } عن ذلك منهنّ { فَلا جُناحَ عَلَـيْكَ } لدلالة قوله : { ذَلكَ أدْنَى أنْ تَقَرَّ أعْيُنُهُنَّ } علـى صحة ذلك ، لأنه لا معنى لأن تقرّ أعينهنّ إذا هو صلى الله عليه وسلم استبدل بـالـميتة أو الـمطلقة منهنّ ، إلا أن يعنـي بذلك : ذلك أدنى أن تقرّ أعين الـمنكوحة منهنّ ، وذلك مـما يدلّ علـيه ظاهر التنزيـل بعيد . وقوله : { ذَلكَ أدْنَى أنْ تَقَرَّ أعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ } يقول : هذا الذي جعلت لك يا مـحمد من إذنـي لك أن ترجي من تشاء من النساء اللواتـي جعلت لك إرجاءهنّ ، وتؤوي من تشاء منهنّ ، ووضعي عنك الـحرج فـي ابتغائك إصابة من ابتغيت إصابته من نسائك ، وعزلك عن ذلك من عزلت منهنّ ، أقرب لنسائك أن تقرّ أعينهنّ به ولا يَحْزَنّ ويرضين بـما آتـيتهنّ كلهنّ من تفضيـل من فضلت من قسم ، أو نفقة وإيثار من آثرت منهم بذلك علـى غيره من نسائك ، إذا هنّ علـمن أنه من رضاي منك بذلك ، وإذنـي لك به ، وإطلاق منـي لا من قِبَلك . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { ذَلكَ أدْنَى أنْ تَقَرَّ أعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِـمَا آتَـيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ } إذا علـمن أن هذا جاء من الله لرخصة ، كان أطيب لأنفسهنّ ، وأقلّ لـحزنهنّ . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله ذلك ، نـحوه . والصواب من القراءة فـي قوله : { بِـمَا آتَـيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ } الرفع غير جائز غيره عندنا ، وذلك أن كلهنّ لـيس بنعت للهاء فـي قوله { آتَـيْتَهُنَّ } ، وإنـما معنى الكلام : ويرضين كلهنّ ، فإنـما هو توكيد لـما فـي يرضين من ذكر النساء وإذا جعل توكيداً للهاء التـي فـي آتـيتهنّ لـم يكن له معنى ، والقراءة بنصبه غير جائزة لذلك ، ولإجماع الـحجة من القرّاء علـى تـخطئة قارئه كذلك . وقوله : { وَاللَّهُ يَعْلَـمُ ما فِـي قُلُوبِكُمْ } يقول : والله يعلـم ما فـي قلوب الرجال من ميـلها إلـى بعض من عنده من النساء دون بعض بـالهوى والـمـحبة يقول : فلذلك وضع عنك الـحرج يا مـحمد فـيـما وُضع عنك من ابتغاء من ابتغيت منهنّ ، مـمن عزلت تفضلاً منه علـيك بذلك وتكرمة { وكانَ اللَّهُ عَلِـيـماً } يقول : وكان الله ذا علـم بأعمال عبـاده ، وغير ذلك من الأشياء كلها { حَلِـيـماً } يقول : ذا حلـم علـى عبـاده ، أن يعاجل أهل الذنوب منهم بـالعقوبة ، ولكنه ذو حلـم وأناة عنهم ، لـيتوب من تاب منهم ، وينـيب من ذنوبه من أناب منهم .