Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 51-53)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالـى ذكره : { ونُفِخَ فِـي الصُّورِ } ، وقد ذكرنا اختلاف الـمختلفـين والصواب من القول فـيه بشواهده فـيـما مضى قبل بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع ، ويُعْنَى بهذه النفخة ، نفخة البعث . وقوله : { فإذَا هُمْ مِنَ الأجْدَاثِ } يعنـي من أجداثهم ، وهي قبورهم ، واحدها جَدَث ، وفـيها لغتان ، فأما أهل العالـية ، فتقوله بـالثاء : جَدَث ، وأما أهل السافلة فتقوله بـالفـاء جَدَف . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي علـيّ ، قال : ثنا أبو صالـح ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله : { مِنَ الأَجْدَاثِ إلـى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ } يقول : من القبور . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { فإذَا هُمْ مِنَ الأجْداث } : أي من القبور . وقوله : { إلـى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ } يقول : إلـى ربهم يخرجون سراعاً ، والنَّسَلان : الإسراع فـي الـمشي . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي علـيّ ، قال : ثنا أبو صالـح ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله : { يَنْسِلونَ } يقول : يخرجون . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { إلـى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ } : أي يخرجون . وقوله : { قالُوا يا وَيْـلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هَذَا ما وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الـمُرْسَلُونَ } يقول تعالـى ذكره : قال هؤلاء الـمشركون لـما نُفخ فـي الصور نفخة البعث لـموقـف القـيامة فردّت أرواحهم إلـى أجسامهم ، وذلك بعد نومة ناموها : { يا وَيْـلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا } وقد قـيـل : إن ذلك نومة بـين النفختـين . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا مـحمد بن بشار ، قال : ثنا أبو أحمد ، قال : ثنا سفـيان ، عن منصور ، عن خيثمة ، عن الـحسن ، عن أُبـيّ بن كعب ، فـي قوله : { يا وَيْـلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا } قال : ناموا نومة قبل البعث . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا مؤمل ، قال : ثنا سفـيان ، عن منصور ، عن رجل يقال له خيثمة فـي قوله : { يا وَيْـلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا } قال : ينامون نومة قبل البعث . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { قالُوا يا وَيْـلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا } هذا قول أهل الضلالة . والرَّقدة : ما بـين النفختـين . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، قوله : { يا وَيْـلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هَذَا } قال : الكافرون يقولونه . ويعنـي بقوله : { مِنْ مَرْقَدِنا هَذَا } من أيقظنا من منامنا ، وهو من قولهم : بعث فلان ناقته فـانبعثت ، إذا أثارها فثارت . وقد ذُكر أن ذلك فـي قراءة ابن مسعود : « مَنْ أهَبَّنا مِنْ مَرْقَدِنا هَذَا » . وفـي قوله : { هَذَا } وجهان : أحدهما : أن تكون إشارة إلـى « ما » ، ويكون ذلك كلاماً مبتدأ بعد تناهي الـخبر الأوّل بقوله : { مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا } فتكون « ما » حينئذٍ مرفوعة بهذا ، ويكون معنى الكلام : هذا وعد الرحمن وصدق الـمرسلون . والوجه الآخر : أن تكون من صفة الـمرقد ، وتكون خفضاً وردّاً علـى الـمرقد ، وعند تـمام الـخبر عن الأوّل ، فـيكون معنى الكلام : من بعثنا من مرقدنا هذا ، ثم يبتدىء الكلام فـيقال : ما وعدَ الرحمن ، بـمعنى : بعثكم وعد الرحمن ، فتكون « ما » حينئذٍ رفعاً علـى هذا الـمعنى . وقد اختلف أهل التأويـل فـي الذي يقول حينئذٍ : هذا ما وعد الرحمن ، فقال بعضهم : يقول ذلك أهل الإيـمان بـالله . ذكر من قال ذلك : حدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد : { هَذَا ما وَعَدَ الرَّحمَنُ } مـما سرّ الـمؤمنون يقولون هذا حين البعث . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، فـي قوله : { هَذَا ما وَعَدَ الرَّحمَنُ وَصَدَقَ الـمُرْسَلُونَ } قال : قال أهل الهدى : هذا ما وعد الرحمن وصدق الـمرسلون . وقال آخرون : بل كلا القولـين ، أعنـي { يا وَيْـلَنا مَنْ بَعثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هَذَا ما وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَق الـمُرْسَلُونَ } من قول الكفـار . ذكر من قال ذلك : حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { يا وَيْـلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنا } ثم قال بعضهم لبعض : { هَذَا ما وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الـمُرْسَلُونَ } كانوا أخبرونا أنا نبعث بعد الـموت ، ونُـحاسب ونُـجازَى . والقول الأوّل أشبه بظاهر التنزيـل ، وهو أن يكون من كلام الـمؤمنـين ، لأن الكفـار فـي قـيـلهم : { مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا } دلـيـل علـى أنهم كانوا بـمن بعثهم من مَرْقَدهم جُهَّالاً ، ولذلك من جهلهم استثبتوا ، ومـحال أن يكونوا استثبتوا ذلك إلاَّ من غيرهم ، مـمن خالفت صفته صفتهم فـي ذلك . وقوله : { إنْ كانَتْ إلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فإذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُـحْضَرُونَ } يقول تعالـى ذكره : إن كانت إعادتهم أحياء بعد مـماتهم إلا صيحة واحدة ، وهي النفخة الثالثة فـي الصور { فإذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُـحْضَرُونَ } يقول : فإذا هم مـجتـمعون لدينا قد أُحضروا ، فأُشهدوا مَوْقـفَ العرض والـحساب ، لـم يتـخـلف عنه منهم أحد . وقد بـينا اختلاف الـمختلفـين فـي قراءتهم { إلاَّ صَيْحَةً } بـالنصب والرفع فـيـما مضى ، بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع .