Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 37, Ayat: 101-102)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالـى ذكره : فبشَّرنا إبراهيـم بغلام حلـيـم ، يعنـي بغلام ذي حِلْـم إذا هو كَبِر ، فأما فـي طفولته فـي الـمهد ، فلا يوصف بذلك . وذُكر أن الغلام الذي بَشَّر الله به إبراهيـم إسحاق . ذكر من قال ذلك : حدثنا مـحمد بن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا الـحسين ، عن يزيد ، عن عكرمة : { فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِـيـمٍ } قال : هو إسحاق . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِـيـمٍ } بشر بإسحاق ، قال : لـم يُثْنَ بـالـحلـم علـى أحد غير إسحاق وإبراهيـم . وقوله : { فَلَـمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ } يقول : فلـما بلغ الغلام الذي بشر به إبراهيـم معَ إبراهيـم العملَ ، وهو السعي ، وذلك حين أطاق معونته علـى عمله . وقد اختلف أهل التأويـل فـي معنى ذلك ، فقال بعضهم نـحو الذي قلنا فـيه . ذكر من قال ذلك : حدثنـي علـيّ ، قال : ثنا أبو صالـح ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله : { فَلَـمَا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ } يقول : العمل . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، فـي قوله : { فَلَـمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ } قال : لـما شبّ حتـى أدرك سعيُه سَعْيَ إبراهيـمَ فـي العمل . حدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، مثله ، إلا أنه قال : لـما شبّ حين أدرك سعيه . حدثنا ابن الـمثنى ، قال : ثنا ابن أبـي عديّ ، عن شعبة ، عن الـحكم ، عن مـجاهد { فَلَـمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ } قال : سعي إبراهيـم . حدثنا ابن الـمثنى ، قال : ثنا سهل بن يوسف ، عن شعبة ، عن الـحكم ، عن مـجاهد { فَلَـمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ } : سَعَي إبراهيـم . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { فَلَـمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ } قال : السَّعْيُ ها هنا العبـادة . وقال آخرون : معنى ذلك : فلـما مشى مع إبراهيـم . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { فَلَـمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ } : أي لـما مشى مع أبـيه . وقوله : { قالَ يا بُنَـيَّ إنِّـي أرَى فِـي الـمَنامِ أنّـي أذْبَحُكَ } يقول تعالـى ذكره : قال إبراهيـم خـلـيـل الرحمن لابنه : { يا بُنَـيَّ إنِّـي أرَى فِـي الـمَنامِ أنّـي أذْبَحُكَ } وكان فـيـما ذكر أن إبراهيـم نذر حين بشَّرته الـملائكة بإسحاق ولدا أن يجعله إذا ولدته سارّة لله ذبـيحاً فلـما بلغ إسحاقُ مع أبـيه السَّعْي أُرِي إبراهيـم فـي الـمنام ، فقـيـل له : أوف لله بنذرك ، ورؤيا الأنبـياء يقـين ، فلذلك مضى لـما رأى فـي الـمنام ، وقال له ابنه إسحاق ما قال . ذكر من قال ذلك : حدثنا موسى بن هارون ، قال : ثنا عمرو بن حماد ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، قال : قال جبرائيـل لسارَة : أبشري بولد اسمه إسحاق ، ومن وراء إسحاق يعقوب ، فضربت جبهتها عَجَبـاً ، فذلك قوله : { فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ يا وَيْـلَتَـي أأَلِدُو وأنا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِـي شَيْخاً إنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ } إلـى قوله : { حَمِيدٌ مَـجِيدٌ } قالت سارَة لـجبريـل : ما آية ذلك ؟ فأخذ بـيده عوداً يابساً ، فلواه بـين أصابعه ، فـاهتزّ أخضر ، فقال إبراهيـم : هو لله إذن ذَبـيح فلـما كبر إسحاق أُتِـيَ إبراهيـمُ فـي النوم ، فقـيـل له : أوفِ بنذرك الذي نَذَرْتَ ، إن الله رزقك غلاماً من سارَة أن تذبحه ، فقال لإسحاق : انطلق نقرّب قُرْبـاناً إلـى الله ، وأخذ سكيناً وحبلاً ، ثم انطلق معه حتـى إذا ذهب به بـين الـجبـال قال له الغلام : يا أبت أين قُرْبـانُك ؟ { قالَ يا بنـيّ أرَى فـي الـمَنامِ أنِّـي أذْبحُكَ فَـانْظُرْ ماذَا تَرَى قالَ يا أبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَـجِدُنِـي إنْ شاءَ اللّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ } فقال له إسحاق : يا أَبَتِ اشْدُد رِبـاطي حتـى لا أضطرب ، واكففْ عنـي ثـيابك حتـى لا ينتضح علـيها من دمي شيء ، فتراه سارَة فتـحْزَن ، وأسْرعْ مرّ السكين علـى حَلْقـي لـيكون أهون للـموت علـيّ ، فإذا أتـيتَ سارَة فـاقرأ علـيها منـي السلام فأقبل علـيه إبراهيـم يقبله وقد ربطه وهو يبكي وإسحاق يبكي ، حتـى استنقع الدموع تـحت خدّ إسحاق ، ثم إنه جرّ السكين علـى حلقه ، فلـم تَـحِكِ السكين ، وضرب الله صفـيحة من نـحاس علـى حلق إسحاق فلـما رأى ذلك ضرب به علـى جبـينه ، وحزّ من قـفـاه ، فذلك قوله : { فَلَـمَّا أسْلَـما } يقول : سلَّـما لله الأمر { وَتَلَّهُ للْـجَبِـينِ } فنودي يا إبراهيـم { قد صدّقت الرؤيا } بـالـحقّ فـالتفت فإذا بكبش ، فأخذه وخَـلَّـى عن ابنه ، فأكبّ علـى ابنه يقبله ، وهو يقول : الـيوم يا بنـيّ وُهِبْتَ لِـي فلذلك يقول الله : { وَفَديْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ } فرجع إلـى سارَة فأخبرها الـخبر ، فجَزِعت سارَة وقالت : يا إبراهيـم أردت أن تذبح ابنـي ولا تُعِلـمْنـي . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { يا بُنَـيَّ إنّـي أرَى فِـي الـمَنامِ أنّـي أذْبَحُكَ } قال : رؤيا الأنبـياء حقّ إذا رأوا فـي الـمنام شيئاً فعلوه . حدثنا مـجاهد بن موسى ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سفـيان بن عيـينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عبـيد بن عمير ، قال : رؤيا الأنبـياء وَحْي ، ثم تلا هذه الآية : { إنّـي أرَى فِـي الَـمنامِ أنّـي أذْبَحُكَ } . قوله : { فـانْظُرْ ماذَا تَرَى } : اختلفت القرّاء فـي قراءة قوله : { ماذَا تَرَى } ، فقرأته عامة قرّاء أهل الـمدينة والبصرة ، وبعض قرّاء أهل الكوفة : { فـانْظُرْ ماذَا تَرَى } ؟ بفتـح التاء ، بـمعنى : أيّ شيء تأمر ، أو فـانظر ما الذي تأمر ، وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة : { ماذَا تُرَى } بضم التاء ، بـمعنى : ماذا تُشير ، وماذا تُرَى من صبرك أو جزعك من الذبح ؟ . والذي هو أولـى القراءتـين فـي ذلك عندي بـالصواب قراءة من قرأه : { ماذَا تَرَى } بفتـح التاء ، بـمعنى : ماذا ترى من الرأي . فإن قال قائل : أَوَ كان إبراهيـم يؤامر ابنه فـي الـمضي لأمر الله ، والانتهاء إلـى طاعته ؟ قـيـل : لـم يكن ذلك منه مشاورة لابنه فـي طاعة الله ، ولكنه كان منه لـيعلـم ما عند ابنه من العَزْم : هل هو من الصبر علـى أمر الله علـى مثل الذي هو علـيه ، فـيسرّ بذلك أم لا ، وهو فـي الأحوال كلها ماض لأمر الله . وقوله : { قالَ يا أبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ } يقول تعالـى ذكره : قال إسحاق لأبـيه : يا أبت افعل ما يأمرك به ربك من ذبحي { سَتَـجِدُنِـي إنْ شاءَ اللّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ } يقول : ستـجدنـي إن شاء الله صابراً من الصابرين لـما يأمرنا به ربنا ، وقال : افعل ما تؤمر ، ولـم يقل : ما تؤمر به ، لأن الـمعنى : افعل الأمر الذي تؤمره ، وذُكر أن ذلك فـي قراءة عبد الله : « إنـي أرى فـي الـمنام : افعل ما أُمِرْت به » .