Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 38, Ayat: 15-16)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالـى ذكره : { وَما يَنْظرُ هَؤُلاءِ } الـمشركون بـالله من قُريش { إلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً } يعنـي بـالصيحة الواحدة : النفخة الأولـى فـي الصور { ما لَهَا مِنْ فَوَاقِ } يقول : ما لتلك الصيحة من فـيقة ، يعنـي من فتور ولا انقطاع . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَما يَنْظُرُ هَؤُلاءِ إلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً } يعنـي : أمة مـحمد { ما لهَا مِنْ فَوَاقٍ } . حدثنا أبو كُرَيْب ، قال : ثنا الـمـحاربـي ، عن إسماعيـل بن رافع ، عن يزيد بن زياد ، عن رجل من الأنصار ، عن مـحمد بن كعب القرظي ، عن أبـي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنَّ اللّهَ لـمَّا فَرَغَ مِنْ خَـلْقِ السَّمَوَاتِ والأرْضِ خَـلَقَ الصُّورَ ، فَأعْطاهُ إسْرَافِـيـلَ ، فَهُوَ وَاضِعُهُ علـى فِـيهِ شاخِصٌ بِبَصَرِهِ إلـى العَرْشِ يَنْتَظِرُ مَتـى يُؤْمَر " قال أبو هريرة : يا رسول الله وما الصور ؟ قال : " قَرْنٌ " قال : كيف هو ؟ قال : " قَرْنٌ عَظِيـمٌ يُنْفَخُ فِـيهِ ثَلاثُ نَفَخاتٍ : نَفْخَةُ الفَزَعِ الأُولـى ، والثَّانِـيَةُ : نَفْخَةُ الصَّعْقِ ، والثَّالِثَةُ : نَفْخَةُ الْقِـيامِ لِرَبّ العالَـمِينَ ، يَأْمُرُ اللّهُ إسْرَافـيـلَ بـالنَّفْخَةِ الأُولـى ، فَـيَقُولُ : انْفُخُ نَفْخَةَ الفَزَعِ ، فَـيَفْزَعُ أهْلُ السَّمَوَاتِ وأهْلُ الأرْضِ إلاَّ مَنْ شاءَ اللّهُ ، وَيَأْمُرُهُ اللّهُ فَـيُدِيـمُها وَيُطَوّلَها ، فَلا يَفْتَرُ وَهِيَ التـي يَقُولُ اللّهُ وَما يَنْظُرُ هَؤُلاءِ إلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً ما لَها مِنْ فَوَاقٍ " . واختلف أهل التأويـل فـي معنى قوله : { ما لَهَا مِنْ فَوَاقٍ } فقال بعضهم : يعنـي بذلك : ما لتلك الصيحة من ارتداد ولا رجوع . ذكر من قال ذلك : حدثنـي علـيّ ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس { ما لَهَا مِنْ فَوَاقٍ } يقول : من تَرداد . حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس { مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ } يقول : ما لها من رجعة . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، قوله : { ما لَهَا مِنْ فَوَاقٍ } قال : من رجوع . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { ما لَهَا مِنْ فَوَاقٍ } يعنـي الساعة ما لها من رجوع ولا ارتداد . وقال آخرون : بل معنى ذلك : ما لهؤلاء الـمشركين بعد ذلك إفـاقة ولا رجوع إلـى الدنـيا . ذكر من قال ذلك : حدثنا مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن الـمفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ { ما لَهَا مِنْ فَوَاقٍ } يقول : لـيس لهم بعدها إفـاقة ولا رجوع إلـى الدنـيا . وقال آخرون : الصيحة فـي هذا الـموضع : العذاب . ومعنى الكلام : ما ينتظر هؤلاء الـمشركون إلا عذابـاً يهلكهم ، لا إفـاقة لهم منه . ذكر من قال ذلك : حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد فـي قوله : { ما لَهَا مِنْ فَوَاقٍ } قال : ما ينتظرون إلا صيحة واحدة ما لها من فواق ، يا لها من صيحة لا يفـيقون فـيها كما يفـيق الذي يغشى علـيه وكما يفـيق الـمريض تهلكهم ، لـيس لهم فـيها إفـاقة . واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الـمدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة { مِنْ فَوَاقٍ } بفتـح الفـاء . وقرأته عامة أهل الكوفة : « مِنْ فُوَاقٍ » بضم الفـاء . واختلف أهل العربـية فـي معناها إذا قُرئت بفتـح الفـاء وضمها ، فقال بعض البصريـين منهم : معناها ، إذا فتـحت الفـاء : ما لها من راحة ، وإذا ضمت جعلها فُواق ناقة ما بـين الـحلبتـين . وكان بعض الكوفـيـين منهم يقول : معنى الفتـح والضمّ فـيها واحد ، وإنـما هما لغتان مثل السَّوَاف والسُّواف ، وجَمام الـمكوك وجُمامة ، وقَصاص الشعر وقُصاصة . والصواب من القول فـي ذلك أنهما لغتان ، وذلك أنا لـم نـجد أحداً من الـمتقدمين علـى اختلافهم فـي قراءته يفرّقون بـين معنى الضمّ فـيه والفتـح ، ولو كان مختلف الـمعنى بـاختلاف الفتـح فـيه والضم ، والضم ، لقد كانوا فرقوا بـين ذلك فـي الـمعنى . فإذ كان ذلك كذلك ، فبأيّ القراءتـين قرأ القارىء فمصيب وأصل ذلك من قولهم : أفـاقت الناقة ، فهي تفـيق إفـاقة ، وذلك إذا رَدّت ما بـين الرضعتـين ولدها إلـى الرضعة الأخرى ، وذلك أن ترضع البهيـمة أمها ، ثم تتركها حتـى ينزل شيء من اللبن ، فتلك الإفـاقة يقال إذا اجتـمع ذلك فـي الضرع فـيقة ، كما قال الأعشى : @ حتـى إذَا فِـيْقَةٌ فِـي ضَرْعِها اجْتَـمَعَتْ جاءَتْ لِتُرْضِعَ شِقَّ النَّفْسِ لوْ رَضِعا @@ وقوله : { وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يوْم الـحِسابِ } يقول تعالـى ذكره : وقال هؤلاء الـمشركون بـالله من قريش : يا ربنا عجل لنا كتبنا قبل يوم القـيامة . والقِطّ فـي كلام العرب : الصحيفة الـمكتوبة ومنه قول الأعشى : @ وَلا الـمَلِكُ النُّعْمانُ يَوْمَ لَقِـيتُهُ بنِعْمَتِهِ يُعْطِي القُطُوطَ ويَأْفِقُ @@ يعنـي بـالقُطوط : جمع القِط ، وهي الكتب بـالـجوائز . واختلف أهل التأويـل فـي الـمعنى الذي أراد هؤلاء الـمشركون بـمسألتهم ربهم تعجيـل القطّ لهم ، فقال بعضهم : إنـما سألوا ربهم تعجيـل حظهم من العذاب الذي أعدّ لهم فـي الآخرة فـي الدنـيا ، كما قال بعضهم : { إنْ كانَ هَذَا هُوَ الـحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأمْطِرْ عَلَـيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أو أئْتِنا بَعَذَابٍ ألِـيـمٍ } ذكر من قال ذلك : حدثنـي علـيّ ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله : { رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا } يقول : العذاب . حدثنـي مـحمد بن سعيد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قوله : { وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لنَا قِطَّنا يَوْمَ الـحِسابِ } قال : سألوا الله أن يعجل لهم العذاب قبل يوم القـيامة . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن عنبسة ، عن مـحمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبـي بزّة ، عن مـجاهد ، فـي قوله : { عَجِّلْ لنَا قِطَّنا } قال : عذابنا . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، قوله : { عَجِّلْ لنَا قِطَّنا } قال : عذابنا . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الـحِسابِ } : أي نصيبنا حظنا من العذاب قبل يوم القـيامة ، قال : قد قال ذلك أبو جهل : اللهمّ إن كان ما يقول مـحمد حقاً { فَأَمْطِرْ عَلَـيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ } الآية . وقال آخرون : بل إنـما سألوا ربهم تعجيـل أنصبـائهم ومنازلهم من الـجنة حتـى يروها فـيعلـموا حقـيقة ما يعدهم مـحمد صلى الله عليه وسلم فـيؤمنوا حينئذٍ به ويصدّقوه . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن الـمفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، قوله : { عَجِّلْ لنَا قِطَّنا } قالوا : أرنا منازلنا فـي الـجنة حتـى نتابعك . وقال آخرون : مسألتهم نصيبهم من الـجنة ، ولكنهم سألوا تعجيـله لهم فـي الدنـيا . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفـيان ، عن ثابت الـحدّاد ، قال : سمعت سعيد بن جُبَـير يقول فـي قوله : { عَجِّلْ لنَا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الـحِسابِ } قال : نصيبنا من الـجنة . وقال آخرون : بل سألوا ربهم تعجيـل الرزق . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن عمر بن علـيّ ، قال : ثنا أشعث السجستانـي ، قال : ثنا شعبة ، عن إسماعيـل بن أبـي خالد فـي قوله : { عَجِّلْ لنَا قِطَّنا } قال : رزقنا . وقال آخرون : سألوا أن يعجل لهم كتبهم التـي قال الله { فأمَّا مَنْ أوتِـيَ كِتابَهُ بـيَـمِينِهِ } { وَأمَّا مَنْ أُوتِـيَ كِتَابَهُ بِشِمالِهِ } فـي الدنـيا ، لـينظروا بأيـمانهم يُعْطَوْنها أم بشمائلهم ؟ ولـينظروا مِن أهل الـجنة هم ، أم من أهل النار قبل يوم القـيامة استهزاء منهم بـالقرآن وبوعد الله . وأولـى الأقوال فـي ذلك عندي بـالصواب أن يقال : إن القوم سألوا ربهم تعجيـل صكاكهم بحظوظهم من الـخير أو الشرّ الذي وعد الله عبـاده أن يؤتـيهموها فـي الآخرة قبل يوم القـيامة فـي الدنـيا استهزاء بوعيد الله . وإنـما قلنا إن ذلك كذلك ، لأن القطّ هو ما وصفت من الكتب بـالـجوائز والـحظوظ ، وقد أخبر الله عن هؤلاء الـمشركين أنهم سألوه تعجيـل ذلك لهم ، ثم أتبع ذلك قوله لنبـيه : { اصْبِرْ علـى ما يَقُولُونَ } فكان معلوماً بذلك أن مسألتهم ما سألوا النبـيّ صلى الله عليه وسلم لو لـم تكن علـى وجه الاستهزاء منهم لـم يكن بـالذي يتبع الأمر بـالصبر علـيه ، ولكن لـما كان ذلك استهزاء ، وكان فـيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم أذى ، أمره الله بـالصبر علـيه حتـى يأتـيه قضاؤه فـيهم ، ولـما لـم يكن فـي قوله : { عَجِّلْ لنَا قِطَّنا } بـيان أيّ القطوط إرادتهم ، لـم يكن لـما توجيه ذلك إلـى أنه معنـيّ به القُطوط ببعض معانـي الـخير أو الشرّ ، فلذلك قلنا إن مسألتهم كانت بـما ذكرت من حظوظهم من الـخير والشرّ .