Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 38, Ayat: 21-22)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم : وهل أتاك يا مـحمد نبأ الـخصم وقـيـل : إنه عُنـي بـالـخصم فـي هذا الـموضع ملكان ، وخرج فـي لفظ الواحد ، لأنه مصدر مثل الزور والسفر ، لا يثنى ولا يجمع ومنه قول لبـيد : @ وَخَصْمٍ يَعُدُّونَ الذُّحُولَ كأنَّهُمْ قُرُومٌ غَيَارَى كلُّ أزْهَرَ مُصْعَب @@ وقوله : { إذْ تَسَوَّرُوا الـمِـحْرَابَ } يقول : دخـلوا علـيه من غير بـاب الـمـحراب والـمـحراب مقدّم كل مـجلس وبـيت وأشرفه . وقوله : { إذْ دَخَـلُوا عَلـى دَاوُدَ } فكرّر إذ مرّتـين ، وكان بعض أهل العربـية يقول فـي ذلك : قد يكون معناهما كالواحد ، كقولك : ضربتك إذ دخـلت علـيّ إذ اجترأت ، فـيكون الدخول هو الاجتراء ، ويكون أن تـجعل إحداهما علـى مذهب لـما ، فكأنه قال : إذ تسوّروا الـمـحراب لـما دخـلوا ، قال : وإن شئت جعلت لـما فـي الأوّل ، فإذا كان لـما أوّلا أو آخراً ، فهي بعد صاحبتها ، كما تقول : أعطيته لـما سألنـي ، فـالسؤال قبل الإعطاء فـي تقدّمه وتأخره . وقوله : { فَفَزِعَ مِنْهُمْ } يقول القائل : وما كان وجه فزعه منهما وهما خصمان ، فإنّ فزعه منهما كان لدخولهما علـيه من غير البـاب الذي كان الـمَدْخَـل علـيه ، فراعه دخولهما كذلك علـيه . وقـيـل : إن فزعه كان منهما ، لأنهما دخلا علـيه لـيلاً فـي غير وقت نظره بـين الناس قالوا : { لا تَـخَفْ } يقول تعالـى ذكره : قال له الـخصم : لا تـخف يا داود ، وذلك لـمَّا رأياه قد ارتاع من دخولهما علـيه من غير البـاب . وفـي الكلام مـحذوف استغنـي بدلالة ما ظهر من الكلام منه ، وهو مرافع خصمان ، وذلك نـحن . وإنـما جاز ترك إظهار ذلك مع حاجة الـخصمين إلـى الـمرافع ، لأن قوله { خَصْمانِ } فعل للـمتكلـم ، والعرب تضمر للـمتكلـم والـمكلَّـم والـمخاطب ما يرفع أفعالهما ، ولا يكادون أن يفعلوا ذلك بغيرهما ، فـيقولون للرجل يخاطبونه : أمنطلق يا فلان ويقول الـمتكلـم لصاحبه : أحسن إلـيك وتـجمل ، وإنـما يفعلون ذلك كذلك فـي الـمتكلـم والـمكلَّـم ، لأنهما حاضران يعرف السامع مراد الـمتكلـم إذا حُذف الاسم ، وأكثر ما يجِيـيء ذلك فـي الاستفهام ، وإن كان جائزاً فـي غير الاستفهام ، فـيقال : أجالس راكب ؟ فمن ذلك قوله خَصْمان ومنه قول الشاعر : @ وَقُولا إذَا جاوَزْتُـمَا أرْضَ عامِرٍ وَجاوَزْتُـمَا الـحَيَّـيْنَ نَهْداً وخَثْعَما نَزيعانِ مِنْ جَرْمِ بْنِ رَبَّـانِ إنهمْ أَبَوْا أن يُـميرُوا فـي الهَزَاهِزِ مِـحْجَما @@ وقول الآخر : @ تَقُولُ ابْنَةُ الكَعْبِـيّ يوْمَ لَقِـيتُها أمُنْطَلِقٌ فـي الـجَيْشِ أمْ مُتَثاقِلُ @@ ومنه قولهم : « مُـحْسِنة فهيـلـي » . وقول النبـيّ صلى الله عليه وسلم : " آئِبُونَ تائِبُونَ " . وقوله : " جاءَ يَوْمَ القِـيامَةِ مَكْتُوبٌ بـينَ عَيْنَـيْهِ آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللّهِ " كلّ ذلك بضميرٍ رَفَعه . وقوله عزّ وجلّ { بَغَى بَعْضُنا علـى بَعْضٍ } يقول : تعدّى أحدنا علـى صاحبه بغير حقّ { فـاحْكُمْ بَـيْنَنا بـالـحَقّ } يقول : فـاقضِ بـيننا بـالعدّل { وَلا تُشْطِطْ } : يقول : ولا تَـجُر ، ولا تُسْرِف فـي حكمك ، بـالـميـل منك مع أحدنا علـى صاحبه . وفـيه لغتان : أشَطَّ ، وشَطَّ . ومن الإشطاط قول الأحوص : @ ألا يا لَقَوْمٍ قَدْ أشَطَّتْ عَوَاذِلـي وَيَزْعُمْنَ أنْ أَوْدَي بحَقِّـيَ بـاطِلِـي @@ ومسموع من بعضهم : شَطَطْتَ علـيّ فـي السَّوْم . فأما فـي البعد فإن أكثر كلامهم : شَطَّت الدار ، فهي تَشِطّ ، كما قال الشاعر : @ تَشِطُّ غَداً دَارُ جِيرَانِنا وللدَّارُ بَعْدَ غَدٍ أبْعَدُ @@ وقوله : { وَاهْدِنا إلـى سَوَاءِ الصِّراطِ } يقول : وأرشدنا إلـى قَصْد الطريق الـمستقـيـم . وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل قوله : { وَلا تُشْطِطْ } قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { وَلا تُشْطِطْ } : أي لا تـمل . حدثنا مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن الـمفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ { وَلا تُشْطِطْ } يقول : لا تُـحِف . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { وَلا تُشْطِطْ } تـخالف عن الـحقّ . وكالذي قلنا أيضاً فـي قوله : { وَاهْدِنا إلـى سَوَاءِ الصِّراطِ } قالوا : ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { وَاهْدِنا إلـى سَوَاء الصِّراطِ } إلـى عدله وخيره . حدثنا مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن الـمفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ { وَاهْدنا إلـى سَوَاءِ الصِّراطِ } إلـى عدل القضاء . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { وَاهْدِنا إلـى سَوَاء الصِّراطِ } قال : إلـى الـحقّ الذي هو الـحقّ : الطريق الـمستقـيـم { وَلا تُشْطِطْ } تذهب إلـى غيرها . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، عن بعض أهل العلـم ، عن وهب بن منبه : { وَاهْدِنا إلـى سَوَاء الصِّراطِ } : أي احملنا علـى الـحقّ ، ولا تـخالف بنا إلـى غيره .