Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 162-162)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا من الله جلّ ثناؤه استثناء ، استثنى من أهل الكتاب من الـيهود الذين وصف صفتهم فـي هذه الآيات التـي مضت من قوله : { يَسْأَلُكَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } [ النساء : 153 ] ثم قال جلّ ثناؤه لعبـاده ، مبـيناً لهم حكم من قد هداه لدينه منهم ووفقه لرشده : ما كُلّ أهل الكتاب صفتهم الصفة التـي وصفت لكم ، { لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِـي العِلْـمِ مِنْهُمْ } وهم الذين قد رسخوا فـي العلـم بأحكام الله التـي جاءت بها أنبـياؤه ، وأتقنوا ذلك ، وعرفوا حقـيقته . وقد بـينا معنى الرسوخ فـي العلـم بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع . { وَالـمُؤْمِنُونَ } يعنـي : والـمؤمنون بـالله ورسله ، وهم يؤمنون بـالقرآن الذي أنزل الله إلـيك يا مـحمد ، وبـالكتب التـي أنزلها علـى من قبلك من الأنبـياء والرسل ، ولا يسألونك كما سأل هؤلاء الـجهلة منهم أن تنزل علـيهم كتابـاً من السماء ، لأنهم قد علـموا بـما قرءوا من كتب الله وأتتهم به أنبـياؤهم ، أنك لله رسول واجب علـيهم اتبـاعك ، لا يسعهم غير ذلك ، فلا حاجة بهم إلـى أن يسألوك آية معجزة ، ولا دلالة غير الذي قد علـموا من أمرك بـالعلـم الراسخ فـي قلوبهم من أخبـار أنبـيائهم إياهم بذلك وبـما أعطيتك من الأدلة علـى نبوّتك ، فهم لذلك من علـمهم ورسوخهم فـيه { يُؤْمِنُونَ بِـما أُنْزِلَ إلَـيْكَ } من الكتاب { و } بـ { ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ } من سائر الكتب . كما : حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِـي العِلْـمِ مِنْهُمْ وَالـمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِـما أنْزِلَ إلَـيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ } استثنى الله ثَنِـيَّةً من أهل الكتاب ، وكان منهم من يؤمن بـالله ، وما أنزل علـيهم ، وما أنزل علـى نبـيّ الله ، يؤمنون به ويصدّقون به ، ويعلـمون أنه الـحقّ من ربهم . ثم اختلف فـي الـمقـيـمين الصلاة ، أهم الراسخون فـي العلـم ، أم هم غيرهم ؟ فقال بعضهم : هم هم . ثم اختلف قائلو ذلك فـي سبب مخالفة إعرابهم إعراب الراسخون فـي العلـم ، وهما من صفة نوع من الناس ، فقال بعضهم : ذلك غلط من الكاتب ، وإنـما هو : لكن الراسخون فـي العلـم منهم ، والـمقـيـمون الصلاة . ذكر من قال ذلك : حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا الـحجاج بن الـمنهال ، قال : ثنا حماد بن سلـمة ، عن الزبـير ، قال : قلت لأبـان بن عثمان بن عفـان : ما شأنها كتبت { لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِـي العِلْـمِ مِنْهُمْ وَالـمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنونَ بِـمَا أُنْزِلَ إلَـيكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ والـمُقِـيـمِينَ الصَّلاةَ } ؟ قال : إن الكاتب لـما كتب { لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِـي العِلْـمِ مِنْهُمْ } حتـى إذا بلغ قال : ما أكتب ؟ قـيـل له اكتب { والـمُقِـيـمِينَ الصَّلاةَ } فكتب ما قـيـل له . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن هشام بن عروة ، عن أبـيه ، أنه سأل عائشة عن قوله : { وَالـمُقِـيـمِينَ الصَّلاةَ } ، وعن قوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّابِئُونَ } [ المائدة : 69 ] ، وعن قوله : { إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ } [ طه : 63 ] فقالت : يا ابن أختـي هذا عمل الكتاب أخطأوا فـي الكتاب . وذكر أن ذلك فـي قراءة ابن مسعود : « والـمُقِـيـمُونَ الصَّلاةَ » . وقال آخرون ، وهو قول بعض نـحويـي الكوفة والبصرة : والـمقـيـمون الصلاة من صفة الراسخون فـي العلـم ، ولكن الكلام لـما تطاول واعترض بـين الراسخين فـي العلـم والـمقــمين الصلاة ما اعترض من الكلام فطال نصب الـمقـيـمين علـى وجه الـمدح ، قالوا : والعرب تفعل ذلك فـي صفة الشيء الواحد ونعته إذا تطاولت بـمدح أو ذمّ خالفوا بـين إعراب أوّله وأوسطه أحياناً ثم رجعوا بآخره إلـى إعراب أوّله ، وربـما أجروا إعراب آخره علـى إعراب أوسطه ، وربـما أجروا ذلك علـى نوع واحد من الإعراب . واستشهدوا لقولهم ذلك بـالآيات التـي ذكرناها فـي قوله : { وَٱلْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَٱلصَّابِرِينَ فِي ٱلْبَأْسَآءِ وٱلضَّرَّآءِ } [ البقرة : 177 ] . وقال آخرون : بل الـمقـيـمون الصلاة من صفة غير الراسخين فـي العلـم فـي هذا الـموضع وإن كان الراسخون فـي العلـم من الـمقـيـمين الصلاة . وقال قائلو هذه الـمقالة جميعاً : موضع الـمقـيـمين فـي الإعراب خفض ، فقال بعضهم : موضعه خفض علـى العطف علـى « ما » التـي فـي قوله : { يُؤْمِنُونَ بِـمَا أُنْزِلَ إلَـيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ } ويؤمنون بـالـمقـيـمين الصلاة . ثم اختلف متأوّلو ذلك فـي هذا التأويـل فـي معنى الكلام ، فقال بعضهم : معنى ذلك : والـمؤمنون يؤمنون بـما أنزل إلـيك وما أنزل من قبلك ، وبإقام الصلاة . قالوا : ثم ارتفع قوله : « والـمؤتون الزكاة » ، عطفـاً علـى ما فـي « يؤمنون » من ذكر الـمؤمنـين ، كأنه قـيـل : والـمؤمنون يؤمنون بـما أنزل إلـيك هم والـمؤتون الزكاة . وقال آخرون : بل الـمقـيـمون الصلاة : الـملائكة . قالوا : وإقامتهم الصلاة : تسبـيحهم ربهم واستغفـارهم لـمن فـي الأرض . قالوا : ومعنى الكلام : والـمؤمنون يؤمنون بـما أنزل إلـيك وما أنزل من قبلك وبـالـملائكة . وقال آخرون منهم : بل معنى ذلك : والـمؤمنون يؤمنون بـما أنزل إلـيك وما أنزل من قبلك ، ويؤمنون بـالـمقـيـمين الصلاة ، هم والـمؤتون الزكاة ، كما قال جلّ ثناؤه : { يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ } [ التوبة : 61 ] . وأنكر قائلو هذه الـمقالة أن يكون الـمقـيـمين منصوبـاً علـى الـمدح وقالوا : إنـما تنصب العرب علـى الـمدح من نعت من ذكرته بعد تـمام خبره قالوا : وخبر الراسخين فـي العلـم قوله : { أُولَئِكَ سَنُؤْتِـيهِمْ أجْراً عَظِيـماً } . قال : فغير جائز نصب الـمقـيـمين علـى الـمدح وهو فـي وسط الكلام ولـما يتـمّ خبر الابتداء . وقال آخرون : معنى ذلك : لكن الراسخون فـي العلـم منهم ، ومن الـمقـيـمين الصلاة . وقالوا : موضع الـمقـيـمين خفض . وقال آخرون : معناه : والـمؤمنون يؤمنون بـما أنزل إلـيك وإلـى الـمقـيـمين الصلاة . وقال أبو جعفر : وهذا الوجه والذي قبله منكر عند العرب ، ولا تكاد العرب تعطف لظاهر علـى مكنـّى فـي حال الـخفض وإن كان ذلك قد جاء فـي بعض أشعارها . وأولـى الأقوال عندي بـالصواب ، أن يكون الـمقـيـمين فـي موضع خفض نسقاً علـى « ما » التـي فـي قوله : { بِـمَا أُنْزِلَ إلَـيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ } وأن يوجه معنى الـمقـيـمين الصلاة إلـى الـملائكة ، فـيكون تأويـل الكلام : والـمؤمنون منهم يؤمنون بـما أنزل إلـيك يا مـحمد من الكتاب وبـما أنزل من قبلك من كتبـي وبـالـملائكة الذين يقـيـمون الصلاة ثم يرجع إلـى صفة الراسخين فـي العلـم فـيقول : لكن الراسخون فـي العلـم منهم ، والـمؤمنون بـالكتب ، والـمؤتون الزكاة ، والـمؤمنون بـالله والـيوم الآخر . وإنـما اخترنا هذا علـى غيره ، لأنه قد ذكر أن ذلك فـي قراءة أبـيّ بن كعب : « والـمقـيـمين » ، وكذلك هو فـي مصحفه فـيـما ذكروا ، فلو كان ذلك خطأ من الكاتب لكان الواجب أن يكون فـي كل الـمصاحف غير مصحفنا الذي كتبه لنا الكاتب الذي أخطأ فـي كتابه بخلاف ما هو فـي مصحفنا . وفـي اتفـاق مصحفنا ومصحف أبـيّ فـي ذلك ، ما يدلّ علـى أن الذي فـي مـصحفنا من ذلك صواب غير خطأ ، مع أن ذلك لو كان خطأ من جهة الـخط ، لـم يكن الذين أخذ عنهم القرآن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلـمون من علـموا ذلك من الـمسلـمين علـى وجه اللـحن ، ولأصلـحوه بألسنتهم ، ولقنوه للأمة تعلـيـماً علـى وجه الصواب . وفـي نقل الـمسلـمين جميعاً ذلك قراءة علـى ما هو به فـي الـخطّ مرسوماً أدلّ الدلـيـل علـى صحة ذلك وصوابه ، وأن لا صنع فـي ذلك للكاتب . وأما من وجه ذلك إلـى النصب علـى وجه الـمدح للراسخين فـي العلـم وإن كان ذلك قد يحتـمل علـى بعد من كلام العرب لـما قد ذكرنا قبل من العلة ، وهو أن العرب لا تعدل عن إعراب الاسم الـمنعوت بنعت فـي نعته إلا بعد تـمام خبره ، وكلام الله جلّ ثناؤه أفصح الكلام ، فغير جائز توجيهه إلا إلـى الذي هو به من الفصاحة . وأما توجيه من وجه ذلك إلـى العطف به علـى الهاء والـميـم فـي قوله : { لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِـي العِلْـمِ مِنْهُمْ } أو إلـى العطف به علـى الكاف من قوله : { بِـمَا أُنْزِلَ إلَـيْكَ } أو إلـى الكاف من قوله : { وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ } فإنه أبعد من الفصاحة من نصبه علـى الـمدح لـما قد ذكرت قبل من قبح ردّ الظاهر علـى الـمكنـي فـي الـخفض . وأما توجيه من وجه الـمقـيـمين إلـى الإقامة ، فإنه دعوى لا برهان علـيها من دلالة ظاهر التنزيـل ولا خبر تثبت حجته ، وغير جائز نقل ظاهر التنزيـل إلـى بـاطن بغير برهان . وأما قوله : { وَالـمُؤْتُونَ الزَّكاةَ } فإنه معطوف به علـى قوله : { وَالـمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ } وهو من صفتهم . وتأويـله : والذين يعطون زكاة أموالهم من جعلها الله له وصرفها إلـيه { والُـمؤْمِنُونَ بـاللَّهِ وَالـيَوْمِ الآخِرِ } يعنـي : والـمصدّقون بوحدانـية الله وألوهيته ، والبعث بعد الـمـمات ، والثواب والعقاب { أولئك سَنُؤْتِـيهمْ أجْرا عَظِيـماً } يقول : هؤلاء الذين هذه صفتهم سنؤتـيهم ، يقول : سنعطيهم أجراً عظيـماً ، يعنـي : جزاء علـى ما كان منهم من طاعة الله ، واتبـاع أمره ، وثواباً عظيـماً ، وذلك الـجنة .