Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 22-22)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قد ذكر أن هذه الآية نزلت فـي قوم كانوا يخـلفون علـى حلائل آبـائهم ، فجاء الإسلام وهم علـى ذلك ، فحرّم الله تبـارك وتعالـى علـيهم الـمقام علـيهن ، وعفـا لهم عما كان سلف منهم فـي جاهلـيتهم وشركهم من فعل ذلك لـم يؤاخذهم به إن هم اتقوا الله فـي إسلامهم وأطاعوه فـيه . ذكر الأخبـار التـي رويت فـي ذلك : حدثنـي مـحمد بن عبد الله الـمخرمي ، قال : ثنا قراد ، قال : ثنا ابن عيـينة وعمرو ، عن عكرمة ، عن ابن عبـاس ، قال : كان أهل الـجاهلـية يحرّمون ما يحرّم إلا امرأة الأب ، والـجمع بـين الأختـين ، قال : فأنزل الله : { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءابَاؤُكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } { وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ ٱلأُخْتَيْنِ } [ النساء : 23 ] حدثنا مـحمد بن بشار ، قال : ثنا عبد الأعلـى ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة فـي قوله : { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءابَاؤُكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَاء } … الآية ، قال : كان أهل الـجاهلـية يحرّمون ما حرّم الله ، إلا أن الرجل كان يخـلف علـى حلـيـلة أبـيه ، ويجمعون بـين الأختـين ، فمن ثم قال الله : { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءابَاؤُكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة فـي قوله : { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءابَاؤُكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } قال : نزلت فـي أبـي قـيس بن الأسلت خـلف علـى أم عبـيد بنت ضمرة ، كانت تـحت الأسلت أبـيه ، وفـي الأسود بن خـلف ، وكان خـلف علـى بنت أبـي طلـحة بن عبد العزّى بن عثمان بن عبد الدار ، وكانت عند أبـيه خـلف ، وفـي فـاختة بنت الأسود بن الـمطلب بن أسد ، وكانت عند أمية بن خـلف ، فخـلف علـيها صفوان بن أمية ، وفـي منظور بن ربـاب ، وكان خـلف علـى ملـيكة ابنة خارجة ، وكانت عند أبـيه ربـاب بن سيار . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قلت لعطاء بن أبـي ربـاح : الرجل ينكح الـمرأة ثم لا يراها حتـى يطلقها ، أتـحلّ لابنه ؟ قال : هي مرسلة ، قال الله تعالـى : { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءابَاؤُكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَاء } قال : قلت لعطاء : ما قوله : { إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } ؟ قال : كان الأبناء ينكحون نساء آبـائهم فـي الـجاهلـية . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالـح ، قال : ثنـي معاوية بن صالـح ، عن علـيّ بن أبـي طلـحة ، عن ابن عبـاس ، قوله : { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءابَاؤُكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَاء } … الآية ، يقول : كل امرأة تزوّجها أبوك وابنك دخـل أو لـم يدخـل فهي علـيك حرام . واختلف فـي معنى قوله : { إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } فقال بعضهم : معناه : لكن ما قد سلف فدعوه ، وقالوا هو من الاستثناء الـمنقطع . وقال آخرون : معنى ذلك : ولا تنكحوا نكاح آبـائكم ، بـمعنى : ولا تنكحوا كنكاحهم كما نكحوا علـى الوجوه الفـاسدة التـي لا يجوز مثلها فـي الإسلام ، { إِنَّهُ كَانَ فَـٰحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاء سَبِيلاً } يعنـي : أن نكاح آبـائكم الذي كانوا ينكحونه فـي جاهلـيتهم كان فـاحشة ومقتاً وساء سبـيلاً ، إلا ما قد سلف منكم فـي جاهلـيتكم من نكاح لا يجوز ابتداء مثله فـي الإسلام ، فإنه معفوّ لكم عنه . وقالوا : قوله : { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءابَاؤُكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَاء } كقول القائل للرجل : لا تفعل ما فعلت ، ولا تأكل ما أكلت بـمعنى : ولا تأكل كما أكلت ، ولا تفعل كما فعلت . وقال آخرون : معنى ذلك : ولا تنكحوا ما نكح آبـاؤكم من النساء بـالنكاح الـجائز كان عقده بـينهم ، إلا ما قد سلف منهم من وجوه الزنا عندهم ، فإن نكاحهنّ لكم حلال كان لأنهنّ لـم يكنّ لهم حلائل ، وإنما كان ما كان من آبائكم منهنّ من ذلك فاحشة ومقتاً وساء سبيلاً . ذكر من قال ذلك : حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءابَاؤُكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } … الآية ، قال : الزنا ، إنه كان فـاحشة ومقتاً وساء سبـيلاً . فزاد ههنا الـمقت . قال أبو جعفر : وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب علـى ما قاله أهل التأويـل فـي تأويـله ، أن يكون معناه : ولا تنكحوا من النساء نكاح آبـائكم إلا ما قد سلف منكم ، فمضى فـي الـجاهلـية ، فإنه كان فـاحشة ومقتاً وساء سبـيلاً ، فـيكون قوله : { مِّنَ ٱلنِّسَاء } من صلة قوله : { وَلاَ تَنْكِحُواْ } ويكون قوله : { مَا نَكَحَ ءابَاؤُكُمْ } بـمعنى الـمصدر ، ويكون قوله : { إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } بـمعنى الاستثناء الـمنقطع ، لأنه يحسن فـي موضعه : لكن ما قد سلف فمضى ، إنه كان فـاحشة ومقتاً وساء سبـيلاً . فإن قال قائل : وكيف يكون هذا القول موافقاً قول من ذكرت قوله من أهل التأويـل ، وقد علـمت أن الذين ذكرت قولهم فـي ذلك ، إنـما قالوا : أنزلت هذه الآية فـي النهي عن نكاح حلائل الآبـاء ، وأنت تذكر أنهم إنـما نهوا أن ينكحوا نكاحهم ؟ قـيـل له : وإن قلنا إن ذلك هو التأويـل الـموافق لظاهر التنزيـل ، إذ كانت ما فـي كلام العرب لغير بنـي آدم ، وإنه لو كان الـمقصود بذلك النهي عن حلائل الآبـاء دون سائر ما كان من مناكح آبـائهم حراماً ، ابتدىء مثله فـي الإسلام ، بنهي الله جلّ ثناؤه عنه ، لقـيـل : ولا تنكحوا من نكح آبـاؤكم من النساء إلا ما قد سلف ، لأن ذلك هو الـمعروف فـي كلام العرب ، إذ كان « من » لبنـي آدم و « ما » لغيرهم ، ولا تقل : ولا تنكحوا ما نكح آبـاؤكم من النساء ، فإنه يدخـل فـي « ما » ما كان من مناكح آبـائهم التـي كانوا يتناكحونها فـي جاهلـيتهم ، فحرم علـيهم فـي الإسلام بهذه الآية نكاح حلائل الآبـاء ، وكل نكاح سواه ، نهى الله تعالـى ذكره ابتداء مثله فـي الإسلام ، مـما كان أهل الـجاهلـية يتناكحونه فـي شِرْكِهم . ومعنى قوله : { إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } : إلا ما قد مضى ، { إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً } يقول : إن نكاحكم الذي سلف منكم ، كنكاح آبـائكم الـمـحرّم علـيكم ابتداء مثله فـي الإسلام بعد تـحريـمي ذلك علـيكم فـاحشة ، يقول : معصية { وَمَقْتاً وَسَاء سَبِيلاً } : أي بئس طريقاً ومنهجاً ما كنتـم تفعلون فـي جاهلـيتكم من الـمناكح التـي كنتـم تتناكحونها .