Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 42, Ayat: 15-15)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ذكره : فإلى ذلك الدين الذي شَرَع لكم ، ووصّى به نوحاً ، وأوحاه إليك يا محمد ، فادع عباد الله ، واستقم على العمل به ، ولا تَزِغ عنه ، واثبتْ عليه كما أمرك ربك بالاستقامة . وقيل : فلذلك فادع ، والمعنى : فإلى ذلك ، فوضعت اللام موضع إلى ، كما قيل : { بأنَّ رَبَّكَ أوْحَى لَهَا } وقد بيَّنا ذلك في غير موضع من كتابنا هذا . وكان بعض أهل العربية يوجه معنى ذلك ، في قوله : { فَلِذَلكَ فادْعُ } إلى معنى هذا ، ويقول : معنى الكلام : فإلى هذا القرآن فادع واستقم . والذي قال من هذا القول قريب المعنى مما قلناه ، غير أن الذي قلنا في ذلك أولى بتأويل الكلام ، لأنه في سياق خبر الله جلّ ثناؤه عما شرع لكم من الدين لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بإقامته ، ولم يأت من الكلام ما يدلّ على انصرافه عنه إلى غيره . وقوله : { وَلا تَتَّبِعْ أهْوَاءَهُم } يقول تعالى ذكره : ولا تتبع يا محمد أهواء الذين شكُّوا في الحقّ الذي شرعه الله لكم من الذين أورثوا الكتاب من بعد القرون الماضية قبلهم ، فتشك فيه ، كالذي شكوا فيه { وقُلْ آمَنْتُ بِمَا أنْزَلَ اللّهُ مِنْ كِتابٍ } يقول تعالى ذكره : وقل لهم يا محمد : صدّقتُ بما أنزل الله من كتاب كائناً ما كان ذلك الكتاب ، توراة كان أو أنجيلاً أو زبوراً أو صحف إبراهيم ، لا أكذّب بشيء من ذلك تكذيبكم ببعضه معشر الأحزاب ، وتصديقكم ببعض . وقوله : { وأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمْ اللّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ } يقول تعالى ذكره : وقل لهم يا محمد : وأمرني ربي أن أعدل بينكم معشر الأحزاب ، فأسير فيكم جميعاً بالحقّ الذي أمرني به وبعثني بالدعاء إليه . كالذي : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وأُمِرْتُ لأعْدِلَ بَيْنَكُمْ } قال : أمر نبيّ الله صلى الله عليه وسلم أن يعدل ، فعدل حتى مات صلوات الله وسلامه عليه . والعدل ميزان الله في الأرض ، به يأخذ للمظلوم من الظالم ، وللضعيف من الشديد ، وبالعدل يصدّق الله الصادق ، ويكذّب الكاذب ، وبالعدل يردّ المعتدي ويوبخه . ذُكر لنا أن نبيّ الله داود عليه السلام : كان يقول : ثلاث من كنّ فيه أعجبني جداً : القصد في الفاقة والغنى ، والعدل في الرضا والغضب ، والخشية في السرّ والعلانية وثلاث من كنّ فيه أهلكه : شحّ مطاع ، وهوىً متبع ، وإعجاب المرء بنفسه . وأربع من أُعطِيَهُنّ فقد أُعطي خير الدنيا والآخرة : لسان ذاكر ، وقلب شاكر ، وبدن صابر ، وزوجة مؤمنة . واختلف أهل العربية في معنى اللام التي في قوله : { وأُمِرْتُ لأعْدِلَ بَيْنَكُمْ } فقال بعض نحويي البصرة : معناها : كي ، وأمرت كي أعدل وقال غيره : معنى الكلام : وأمرت بالعدل ، والأمر واقع على ما بعده ، وليست اللام التي في لأعدل بشرط قال : { وأُمِرْتُ } تقع على « أن » وعلى « كي » واللام أمرت أن أعبد ، وكي أعبد ، ولأعبد . قال : وكذلك كلّ ما طالب الاستقبال ، ففيه هذه الأوجه الثلاثة . والصواب من القول في ذلك عندي أن الأمر عامل في معنى لأعدل ، لأن معناه : وأمرت بالعدل بينكم . وقوله : { اللّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ } يقول : الله مالكنا ومالككم معشر الأحزاب من أهل الكتابين التوراة والإنجيل { لنَا أعمالُنا ولَكُمْ أعمالُكُمْ } يقول : لنا ثواب ما اكتسبناه من الأعمال ، ولكم ثواب ما اكتسبتم منها . وقوله : { لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ } يقول : لا خصومة بيننا وبينكم . كما : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : ثنا الحسن ، قال ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ } قال : لا خصومة . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله عزّ وجلّ : { لا حُجَّةَ بَيْنَا وَبَيْنَكُمْ } : لا خصومة بيننا وبينكم ، وقرأ : { وَلا تُجادِلُوا أهْلَ الكِتابِ إلاَّ بالتي هِيَ أحْسَنُ … } إلى آخر الآية . وقوله : { اللّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا } يقول : الله يجمع بيننا يوم القيامة ، فيقضي بيننا بالحقّ فيما اختلفنا فيه { وإلَيْهِ المَصِيرُ } يقول : وإليه المعاد والمرجع بعد مماتنا .