Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 42, Ayat: 39-40)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى ذكره : والذين إذا بغى عليهم باغٍ ، واعتدى عليهم هم ينتصرون . ثم اختلف أهل التأويل في الباغي الذي حمد تعالى ذكره ، المنتصر منه بعد بغيه عليه ، فقال بعضهم : هو المشرك إذا بغى على المسلم . ذكر من قال ذلك : حدثني يونس ، قال : أخبرني ابن وهب قال : قال ابن زيد : ذكر المهاجرين صنفين ، صنفاً عفا ، وصنفاً انتصر ، وقرأ { وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الإثْمِ والفَوَاحِشَ وَإذَا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ } قال : فبدأ بهم { وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبّهِمْ … } إلى قوله : { ومِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ } وهم الأنصار . ثم ذكر الصنف الثالث فقال : { وَالَّذِينَ إذَا أصَابَهُمُ البَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ } من المشركين . وقال آخرون : بل هو كل باغٍ بغي فحمد المنتصر منه . ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ ، في قوله : { وَالَّذِينَ إذَا أصَابَهُمُ البَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ } قال : ينتصرون ممن بغى عليهم من غير أن يعتدوا . وهذا القول الثاني أولى في ذلك بالصواب ، لأن الله لم يخصص من ذلك معنى دون معنى ، بل حمد كلّ منتصر بحقّ ممن بغى عليه . فإن قال قائل : وما في الانتصار من المدح ؟ قيل : إن في إقامة الظالم على سبيل الحقّ وعقوبته بما هو له أهل تقويماً له ، وفي ذلك أعظم المدح . وقوله : { وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها } وقد بيَّنا فيما مضى معنى ذلك ، وأن معناه : وجزاء سيئة المسيء عقوبته بما أوجبه الله عليه ، فهي وإن كانت عقوبة من الله أوجبها عليه ، فهي مَساءة له . والسيئة : إنما هي الفعلة من السوء ، وذلك نظير قول الله عزّ وجلّ { وَمَنْ جاءَ بالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إلاَّ مِثْلَها } وقد قيل : إن معنى ذلك : أن يجاب القائل الكلمة القزعة بمثلها . ذكر من قال ذلك : حدثني يعقوب ، قال : قال لي أبو بشر : سمعت ابن أبي نجيح يقول في قوله : { وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها } قال : يقول أخزاه الله ، فيقول : أخزاه الله . حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ ، في قوله : { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها } قال : إذا شتمك بشتيمة فاشتمه مثلها من غير أن تعتدي . وكان ابن زيد يقول في ذلك بما : حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في : { وَالَّذِينَ إذَا أصَابَهُمُ البَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ } من المشركين { وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها ، فَمَنْ عَفا وأصْلَحَ … } الآية ، ليس أمركم أن تعفوا عنهم لأنه أحبهم { وَلَمَنِ انْتَصَر بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ } ، ثم نسخ هذا كله وأمره بالجهاد ، فعلى قول ابن زيد هذا تأويل الكلام : وجزاء سيئة من المشركين إليكم ، سيئة مثلها منكم إليهم ، وإن عفوتم وأصلحتم في العفو ، فأجركم في عفوكم عنهم إلى الله ، إنه لا يحبّ الكافرين وهذا على قوله كقول الله عزّ وجلّ { فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْل ما اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ، وَاتَّقُوا اللّهَ } ، وللذي قال من ذلك وجه . غير أن الصواب عندنا : أن تحمل الآية على الظاهر ما لم ينقله إلى الباطن ما يجب التسليم له ، وأن لا يحكم لحكم في آية بالنسخ إلا بخبر يقطع العذر ، أو حجة يجب التسليم لها ، ولم تثبت حجة في قوله : { وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها } أنه مراد به المشركون دون المسلمين ، ولا بأن هذه الآية منسوخة ، فنسلم لها بأن ذلك كذلك . وقوله : { فَمَنْ عَفا وأصْلَحَ فَأجْرُهُ على اللّهِ } يقول جلّ ثناؤه : فمن عفا عمن أساء إليه إساءته إليه ، فغفرها له ، ولم يعاقبه بها ، وهو على عقوبته عليها قادر ابتغاء وجه الله ، فأجر عفوه ذلك على الله ، والله مثيبه عليه ثوابه { إنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ } يقول : إن الله لا يحبّ أهل الظلم الذين يتعدّون على الناس ، فيسيئون إليهم بغير ما أذن الله لهم فيه .