Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 43, Ayat: 13-14)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى ذكره : كي تستووا على ظهور ما تركبون . واختلف أهل العربية في وجه توحيد الهاء في قوله : { على ظُهُورِهِ } وتذكيرها ، فقال بعض نحويّي البصرة : تذكيره يعود على ما تركبون ، وما هو مذكر ، كما يقال : عندي من النساء من يوافقك ويسرّك ، وقد تذكَّر الأنعام وتؤنث . وقد قال في موضع آخر : { مِمَّا في بُطُونِهِ } وقال في موضع آخر : { بُطُونِها } . وقال بعض نحويِّي الكوفة : أضيفت الظهور إلى الواحد ، لأن ذلك الواحد في معنى جمع بمنزلة الجند والجيش . قال : فإن قيل : فهلا قلت : لتستووا على ظهره ، فجعلت الظهر واحداً إذا أضفته إلى واحد . قلت : إن الواحد فيه معنى الجمع ، فردّت الظهور إلى المعنى ، ولم يقل ظهره ، فيكون كالواحد الذي معناه ولفظه واحد . وكذلك تقول : قد كثر نساء الجند ، وقلت : ورفع الجند أعينه ولم يقل عينه . قال : وكذلك كلّ ما أضفت إليه من الأسماء الموصوفة ، فأخرجها على الجمع ، وإذا أضفت إليه اسماً في معنى فعل جاز جمعه وتوحيده ، مثل قولك : رفع العسكر صوتَه ، وأصواته أجود وجاز هذا لأن الفعل لا صورة له في الاثنين إلاَّ الصورة في الواحد . وقال آخر منهم : قيل : لتستووا على ظهره ، لأنه وصف للفلك ، ولكنه وحد الهاء ، لأن الفلك بتأويل جمع ، فجمع الظهور ووحد الهاء ، لأن أفعال كل واحد تأويله الجمع توحد وتجمع مثل : الجند منهزم ومنهزمون ، فإذا جاءت الأسماء خرج على الأسماء لا غير ، فقلت : الجند رجال ، فلذلك جمعت الظهور ووحدت الهاء ، ولو كان مثل الصوت وأشباهه جاز الجند رافع صوته وأصواته . قوله : { ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ } يقول تعالى ذكره : ثم تذكروا نعمة ربكم التي أنعمها عليكم بتسخيره ذلك لكم مراكب في البرّ والبحر { إذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ } فتعظموه وتمجدوه ، وتقولوا تنزيهاً لله الذي سخر لنا هذا الذي ركبناه من هذه الفلك والأنعام ، مما يصفه به المشركون ، وتشرك معه في العبادة من الأوثان والأصنام { وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو كُرَيب وعبيد بن إسماعيل الهباري ، قالا : ثنا المحاربيّ ، عن عاصم الأحول ، عن أبي هاشم عن أبي مجلِّز ، قال : ركبت دابة ، فقلت : { سُبْحانَ الَّذي سَخَّرَ لَنا هَذَا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } ، فسمعني رجل من أهل البيت قال أبو كُرَيب والهباريّ : قال المحاربيّ : فسمعت سفيان يقول : هو الحسن بن عليّ رضوان الله تعالى عليهما ، فقال : أهكذا أمرت ؟ قال : قلت : كيف أقول ؟ قال : تقول الحمد لله الذي هدانا الإسلام ، الحمد لله الذي منّ علينا بمحمد عليه الصلاة والسلام ، الحمد لله الذي جعلنا في خير أمة أُخرجت للناس ، فإذا أنت قد ذكرت نعماً عظاماً ، ثم تقول بعد ذلك { سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هَذَا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإنَّا إلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ } . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن أبي هاشم ، عن أبي مجلِّز ، أن الحسن بن عليّ رضي الله عنه ، رأى رجلاً ركب دابة ، فقال : الحمد لله الذي سخر لنا هذا ، ثم ذكر نحوه . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { لِتَسْتَوُوا على ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ } يعلمكم كيف تقولون إذا ركبتم في الفلك تقولون : { بِسْمِ الله مَجْراها وَمُرْساها ، إنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ } ، وإذا ركبتم الإبل قلتم : { سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هَذَا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وإنَّا إلى رَبنَا لمُنْقَلِبُونَ } ويعلمكم ما تقولون إذا نزلتم من الفلك والأنعام جميعاً تقولون : اللهمّ أنزلنا منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين . حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه أنه كان إذا ركب قال : اللهمّ هذا من منِّك وفضلك ، ثم يقول : { سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هَذَا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإنَّا إلى رَبِّنَا لمُنْقَلِبُونَ } . وقوله : { وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } وما كنا له مُطِيقين ولا ضابطين ، من قولهم : قد أقرنت لهذا : إذا صرت له قرناً وأطقته ، وفلان مقرن لفلان : أي ضابط له مُطِيق . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس { وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } يقول : مُطِيقين . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله عَزَّ وَجَلَّ : { مُقْرِنِينَ } قال : الإبل والخيل والبغال والحمير . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } : أي مطيقين ، لا والله لا في الأيدي ولا في القوّة . حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قوله : { وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } قال : في القوّة . حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ { وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } قال : مطيقين . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قول الله جلّ ثناؤه : { سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هَذَا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } قال : لسنا له مطيقين ، قال : لا نطيقها إلاَّ بك ، لولا أنت ما قوينا عليها ولا أطقناها . وقوله : { وَإنَّا إلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُون } يقول جلّ ثناؤه : وليقولوا أيضاً : وإنا إلى ربنا من بعد مماتنا لصائرون إليه راجعون .