Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 44, Ayat: 22-24)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى ذكره : فدعا موسى ربه إذ كذّبوه ولم يؤمنوا به ، ولم يؤدّ إليه عباد الله ، وهموا بقتله بأن هؤلاء ، يعني فرعون وقومه { قَوْمٌ مُجْرِمُونَ } عنى : أنهم مشركون بالله كافرون . وقوله : { فَأَسْر بِعِبادِي } وَفي الكلام محذوف استغني بدلالة ما ذُكر عليه منه ، وهو : فأجابه رَبه بأن قال له : فأسر إذ كان الأمر كذلك بعبادي ، وهم بنو إسرائيل ، وَإنما معنى الكلام : فأسر بعبادي الذين صَدّقوك وآمنو بك ، واتبعوك دون الذين كذّبوك منهم ، وأبَوْا قبول ما جئتهم به من النصيحة منك ، وكان الذين كانوا بهذه الصّفة يومئذٍ بني إسرائيل . وقال : { فَأَسْر بعِبادي لَيْلاً } لأن معنى ذلك : سر بهم بليل قبل الصباح . وقوله : { إنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ } يقول : إن فرعون وقومه من القبط متبعوكم إذا شخصتم عن بلدهم وأرضهم في آثاركم . وقوله : { وَاتْرُكِ البَحْرَ رَهْواً } يقول : وإذا قطعت البحر أنت وأصحابُك ، فاتركه ساكناً على حاله التي كان عليها حين دخلته . وقيل : إن الله تعالى ذكره قال لموسى هذا القول بعد ما قطع البحر ببني إسرائيل فإذ كان ذلك كذلك ، ففي الكلام محذوف ، وهو : فسرَى موسى بعبادي ليلاً ، وقطع بهم البحر ، فقلنا له بعد ما قطعه ، وأراد ردّ البحر إلى هيئته التي كان عليها قبل انفلاقه : اتركّه رَهْواً . ذكر من قال ما ذكرنا من أن الله عزّ وجلّ قال لموسى صلى الله عليه وسلم هذا القول بعد ما قطع البحر بقومه : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { فَدَعا رَبَّهُ أنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ } حتى بلغ { إنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ } قال : لما خرج آخر بني إسرائيل أراد نبيّ الله صلى الله عليه وسلم أن يضرب البحر بعصاه ، حتى يعود كما كان مخافة آل فرعون أن يدركوهم ، فقيل له : { اتْرُكِ البَحْرَ رَهْواً إنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرقُونَ } . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : لما قطع البحر ، عطف ليضرب البحر بعصاه ليلتئم ، وخاف أن يتبعه فرعون وجنوده ، فقيل له : اتْرُكِ البَحْرَ رَهْواً كما هو { إنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ } . واختلف أهل التأويل في معنى الرهْو ، فقال بعضهم : معناه : اتركه على هيئته وحاله التي كان عليها . ذكر من قال ذلك : حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { وَاتْرُكِ البَحْرَ رَهْواً } يقول : سَمْتا . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { وَاتْرُكِ البَحْرَ رَهْواً إنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ } قال : الرهو : أن يترك كما كان ، فإنهم لن يخلُصوا من ورائه . حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن علية ، قال : أخبرنا حميد ، عن إسحاق ، عن عبد الله بن الحارث ، عن أبيه ، أن ابن عباس سأل كعباً عن قول الله : { وَاتْرُكِ البَحْرَ رَهْواً } قال : طريقاً . وقال آخرون : بل معناه : اتركه سَهْلاً . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، قوله : { وَاتْرُكِ البَحْرَ رَهْواً } قال : سهلاً . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { وَاتْرُكِ البَحْرَ رَهْواً } قال : يقال : الرهو : السهل . حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا حرميّ بن عُمارة قال : ثنا شعبة ، قال : أخبرني عمارة ، عن الضحاك بن مُزاحم ، في قول الله عزّ وجلّ : { وَاتْرُكِ البَحْرَ رَهْواً } قال : دَمثاً . حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { وَاتْرُكِ البَحْرَ رَهْواً } قال : سهلاً دمثاً . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { وَاتْرُكِ البَحْرَ رَهْواً } قال : هو السهل . وقال آخرون : بل معناه : واتركه يبساً جدداً . ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثني عبيد الله بن معاذ ، قال : ثني أبي ، عن شعبة ، عن سماك ، عن عكرمة ، في قوله : { وَاتْرُكِ البَحْرَ رَهْواً } قال : جدداً . حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثني عبيد الله بن معاذ ، قال : ثنا أبي ، عن شعبة ، عن سماك ، عن عكرمة في قوله : { وَاتْرُكِ البَحْرَ رَهْواً } قال : يابساً كهيئته بعد أن ضربه ، يقول : لا تأمره يرجع ، اتركه حتى يدخل آخرهم . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { رَهواً } قال : طريقاً يَبَساً . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { وَاتْرُكِ البَحْرَ رَهْواً } كما هو طريقاً يابساً . وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال معناه : اتركه على هيئته كما هو على الحال التي كان عليها حين سَلكْته ، وذلك أن الرهو في كلام العرب : السكون ، كما قال الشاعر : @ كأَنما أهْلُ حُجْرٍ يَنْظُرُونَ مَتى يَرَوْنَنِي خارِجاً طَيْرٌ يَنادِيد طَيرٌ رأَتْ بازِيا نَضْحُ الدّماءِ بِهِ وأُمُّهُ خَرَجَتْ رَهْوا إلى عِيد @@ يعني على سكون ، وإذا كان ذلك معناه كان لا شكّ أنه متروك سهلاً دَمِثاً ، وطريقاً يَبَساً لأن بني إسرائيل قطعوه حين قطعوه ، وهو كذلك ، فإذا ترك البحر رهواً كما كان حين قطعه موسى ساكناً لم يُهج كان لا شكّ أنه بالصفة التي وصفت . وقوله : { إنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ } يقول : إن فرعون وقومه جند ، الله مغرقهم في البحر .