Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 46, Ayat: 25-25)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله { تُدَمِّرُ كُلَّ شَيء بأَمْرِ رَبِّهَا } : يقول تعالى ذكره : تخرّب كلّ شيء ، وترمي بعضه على بعض فتهلكه ، كما قال جرير : @ وكانَ لَكُمْ كَبَكْرِ ثَمُودَ لَمَّا رَغا ظُهْراً فَدَمَّرَهُمْ دَمارا @@ يعني بقوله : دمرهم : ألقى بعضهم على بعض صَرْعى هَلكَى . وإنما عنى بقوله : { تُدَّمِّرُ كُلَّ شيْءٍ بأمْرِ رَبها } مما أرسلت بهلاكه ، لأنها لم تدمر هوداً ومن كان آمن به . حدثنا أبو كُرَيب ، قال : ثنا طلق ، عن زائدة ، عن الأعمش ، عن المنهال ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : ما أرسل الله على عادٍ من الريح إلا قدر خاتمي هذا ، فنزع خاتمه . وقوله : { فَأصْبَحُوا لا يُرَى إلاَّ مَساكِنُهُمْ } يقول : فأصبح قوم هود وقد هلكوا وفنوا ، فلا يُرى في بلادهم شيء إلا مساكنهم التي كانوا يسكنونها . واختلفت القرّاء في قراءة قوله { فأصْبَحُوا لا يُرَى إلاَّ مَساكِنُهُمْ } فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة « لا تُرَى إلاَّ مَساكِنُهُمْ » بالتاء نصباً ، بمعنى : فأصبحوا لا ترى أنت يا محمد إلا مساكنهم وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة لا يُرَى إلاَّ مَساكِنُهُمْ بالياء في يُرى ، ورفع المساكن ، بمعنى : ما وصفت قبل أنه لا يرى في بلادهم شيء إلا مساكنهم . وروى الحسن البصري « لا تُرَى » بالتاء ، وبأيّ القراءتين اللتين ذكرت من قراءة أهل المدينة والكوفة قرأ ذلك القارىء فمصيب وهو القراءة برفع المساكن إذا قُرىء قوله يُرَى بالياء وضمها وبنصب المساكن إذا قُرىء قوله : « تَرَى » بالتاء وفتحها ، وأما التي حُكيت عن الحسن ، فهي قبيحة في العربية وإن كانت جائزة ، وإنما قبحت لأن العرب تذكِّر الأفعال التي قبل إلا ، وإن كانت الأسماء التي بعدها أسماء إناث ، فتقول : ما قام إلا أختك ، ما جاءني إلا جاريتك ، ولا يكادون يقولون : ما جاءتني إلا جاريتك ، وذلك أن المحذوف قبل إلا أحد ، أو شيء واحد ، وشيء يذكر فعلهما العرب ، وإن عنى بهما المؤنث ، فتقول : إن جاءك منهنّ أحد فأكرمه ، ولا يقولون : إن جاءتك ، وكان الفرّاء يجيزها على الاستكراه ، ويذكر أن المفضل أنشده : @ وَنارُنا لَمْ تُرَ ناراً مِثْلُها قَدْ عَلِمَتْ ذاكَ مَعَدّ أكْرَمَا @@ فأنث فعل مثل لأنه للنار ، قال : وأجود الكلام أن تقول : ما رؤي مثلها . وقوله : { وكَذَلكَ نَجْزِي القَوْمَ المجرِمينَ } يقول تعالى ذكره : كما جزينا عاداً بكفرهم بالله من العقاب في عاجل الدنيا ، فأهلكناهم بعذابنا ، كذلك نجزي القوم الكافرين بالله من خلقنا ، إذ تمادوا في غيهم وطَغَوا على ربهم .