Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 47, Ayat: 15-15)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى ذكره : صفة الجنة التي وعدها المتقون ، وهم الذين اتقوا في الدنيا عقابه بأداء فرائضه ، واجتناب معاصيه { فِيهَا أنهَارٌ مِنْ ماءٍ غَيرِ آسِنٍ } يقول تعالى ذكره في هذه الجنة التي : ذكرها أنهار من ماء غير متغير الريح ، يقال منه : قد أَسِنَ ماء هذه البئر : إذا تغيرت ريح مائها فأنتنت ، فهو يأْسَن أَسَنا ، وكذلك يُقال للرجل إذا أصابته ريح منتنة : قد أَسِن فهو يأْسَن . وأما إذا أَجَن الماء وتغير ، فإنه يقال له : أسِن فهو يأسَن ، ويأسِن أسوناً ، وماء آسن . وبنحو الذي قلنا في معنى قوله { مِنْ ماءٍ غَيرِ آسِنٍ } قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : { فِيها أنهارٌ مِنْ ماءٍ غيرِ آسِنٍ } يقول : غير متغير . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : { أنهارٌ مِنْ ماءٍ غيرِ آسِنٍ } قال : من ماء غير مُنْتن . حدثني عيسى بن عمرو ، قال : أخبرنا إبراهيم بن محمد ، قال : ثنا مصعب بن سلام ، عن سعد بن طريف ، قال : سألت أبا إسحاق عن ماءٍ غيرِ آسِنٍ قال : سألت عنها الحارث ، فحدثني أن الماء الذي غير آسن تسنيم ، قال : بلغني أنه لا تمسه يد ، وأنه يجيء الماء هكذا حتى يدخل في فيه . وقوله : { وأنهارٌ مِنْ لَبنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ } يقول تعالى ذكره : وفيها أنهار من لبن لم يتغير طعمه لأنه لم يحلب من حيوان فيتغير طعمه بالخروج من الضروع ، ولكنه خلقه الله ابتداء في الأنهار ، فهو بهيئته لم يتغير عما خلقه عليه . وقوله : { وأنهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ للشَّارِبِينَ } يقول : وفيها أنهار من خمر لذة للشاربين يلتذّون بشربها . كما : حدثني عيسى ، قال : ثنا إبراهيم بن محمد ، قال : ثنا مصعب ، عن سعد بن طريف ، قال : سألت عنها الحارث ، فقال : لم تدسه المجوس ، ولم ينفخ فيه الشيطان ، ولم تؤذها شمس ، ولكنها فَوْحاء ، قال : قلت لعكرِمة : ما الفوحاء : قال : الصفراء . وكما : حدثني سعد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : ثنا حفص بن عمر ، قال : ثنا الحكم بن أبان ، عن عكرِمة ، في قوله : { مِنْ لَبن لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ } قال : لم يحلب ، وخُفِضت اللذّة على النعت للخمر ، ولو جاءت رفعاً على النعت للأنهار جاز ، أو نصباً على يتلذّذ بها لذّة ، كما يقال : هذا لك هبة . كان جائزاً فأما القراءة فلا أستجيزها فيها إلا خفضاً لإجماع الحجة من القرّاء عليها . وقوله : { وأنهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى } يقول : وفيها أنهار من عسل قد صُفِّي من القَذى ، وما يكون في عسل أهل الدنيا قبل التصفية ، وإنما أعلم تعالى ذكره عباده بوصفه ذلك العسل بأنه مصفى أنه خلق في الأنهار ابتداء سائلاً جارياً سيل الماء واللبن المخلوقين فيها ، فهو من أجل ذلك مصًّفى ، قد صفاه الله من الأقذاء التي تكون في عسل أهل الدنيا الذي لا يصفو من الأقذاء إلا بعد التصفية ، لأنه كان في شمع فصُفي منه . وقوله : { ولَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ } يقول تعالى ذكره : ولهؤلاء المتقين في هذه الجنة من هذه الأنهار التي ذكرنا من جميع الثمرات التي تكون على الأشجار { وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبّهِمْ } يقول : وعفو من الله لهم عن ذنوبهم التي أذنبوها في الدنيا ، ثم تابوا منها ، وصَفْحٌ منه لهم عن العقوبة عليها . وقوله : { كمَنْ هُوَ خالِدٌ في النَّارِ } يقول تعالى ذكره : أمَّن هو في هذه الجنة التي صفتها ما وصفنا ، كمن هو خالد في النار . وابُتدىء الكلام بصفة الجنة ، فقيل : مثل الجنة التي وُعد المتقون ، ولم يقل : أمَّن هو في الجنة . ثم قيل بعد انقضاء الخبر عن الجنة وصفتها { كمَنْ هُوَ خالِدٌ في النَّارِ } . وإنما قيل ذلك كذلك ، استغناء بمعرفة السامع معنى الكلام ، ولدلالة قوله : { كمَنْ هُوَ خالِدٌ في النَّارِ } على معنى قوله : { مَثَلُ الجَنَّةِ التي وُعِدَ المُتَّقُونَ } . وقوله : { وَسُقُوا ماءً حَمِيماً } يقول تعالى ذكره : وسُقي هؤلاء الذين هم خلود في النار ماء قد انتهى حرّه فقطع ذلك الماء من شدّة حرّه أمعاءهم . كما : حدثني محمد بن خلف العَسْقلانيّ ، قال : ثنا حَيْوة بن شُريح الحِمصِيّ ، قال : ثنا بقية ، عن صفوان بن عمرو ، قال : ثني عبيد الله بن بشر ، عن أبي أُمامة الباهلي ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : { وَيُسْقَى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ } قال : « يُقَرَّبُ إلَيْهِ فَيَتَكَرَّهُهُ ، فإذَا أُدْنَى مِنْهُ شَوَى وَجْهَهُ ، وَوَقَعَتْ فَرْوَةُ رأْسِهِ ، فإذا شَرِبَ قَطَّعَ أمْعاءَهُ حتى يَخْرُجَ مِنْ دُبُرِهِ » . قال : يقول الله { وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أمْعاءَهُمْ } يقول الله عزّ وجلّ { يَشْوِي الوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً }