Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 51-51)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنىّ بهذه الآية وإن كان مأموراً بذلك جميع الـمؤمنـين ، فقال بعضهم : عنى بذلك : عبُـادة بن الصامت وعبد الله بن أُبَىّ ابن سَلُول فـي براءة عبـادة من حلف الـيهود ، وفـي تـمسك عبد الله بن أبـيّ بن سلول بحلف الـيهود بعد ما ظهرت عداوتهم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، وأخبره الله أنه إذا تولاهم وتـمسك بحلفهم أنه منهم فـي براءته من الله ورسوله كبراءتهم منهما . ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن إدريس ، قال : سمعت أبـي ، عن عطية بن سعد ، قال : جاء عبـادة ابن الصامت من بنـي الـحرث بن الـخزرج إلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، إن لـي موالـي من يهود كثـير عددهم ، وإنـي أبرأ إلـى الله ورسوله من ولاية يهود وأتولـى الله ورسوله فقال عبد الله بن أبـيّ : إنـي رجل أخاف الدوائر ، لا أبرأ من ولاية موالـيّ . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله ابن أبـيّ : " يا أبـا الـحُبـابِ مَا بَخِـلْتَ بِهِ مِنْ وِلايَةِ يَهُودَ علـى عُبـادَةَ بنِ الصَّامِتِ فَهُوَ إلَـيكَ دُونَهُ " قال : قد قبلت . فأنزل الله : { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّـخِذُوا الـيَهُودَ والنَّصَارَى أوْلِـياءَ بَعْضُهُمْ أوْلِـياءُ بَعْضٍ } … إلـى قوله : { فَتَرى الَّذِينَ فِـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ } حدثنا هناد ، قال : ثنا يونس بن بكير ، قال : ثنـي عثمان بن عبد الرحمن ، عن الزهري ، قال : لـما انهزم أهل بدر قال الـمسلـمون لأولـيائهم من يهود : آمنوا قبل أن يصيبكم الله بـيوم مثل يوم بدر فقال مالك ابن صيف : غرّكم أن أصبتـم رهطاً من قريش لا علـم لهم بـالقتال ، أما لو أسررنا العزيـمة أن نستـجمع علـيكم لـم يكن لكم يد أن تقاتلونا . فقال عبـادة : يا رسول الله إن أولـيائي من الـيهود كانت شديدة أنفسهم كثـيراً سلاحهم شديدة شوكتهم ، وإنـي أبرأ إلـى الله وإلـى رسوله من ولايتهم ، ولا مولـى لـي إلا الله ورسوله . فقال عبد الله بن أبـيّ : لكنـي لا أبرأ من ولاء يهود ، إنـي رجل لا بدّ لـي منهم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أبـا حُبـابِ أرأيْتَ الَّذِي نَفَسْتَ بِهِ مِنْ وَلاءِ يَهُودَ علـى عُبـادَةَ ، فَهُوَ لَكَ دونَهُ " قال : إذا أقبل . فأنزل الله تعالـى ذكره : { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّـخِذُوا الـيَهُودَ والنَّصَارَى أوْلِـياءَ بَعْضُهُمْ أوْلـياءُ بَعْضٍ } … إلـى أن بلغ إلـى قوله : { وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } حدثنا هناد ، قال : ثنا يونس ، قال : ثنا ابن إسحاق ، قال : ثنـي والدي إسحاق بن يسار ، عن عبـادة ابن الولـيد بن عبـادة بن الصامت ، قال : لـما حاربت بنو قَـينُقاع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تشبث بأمرهم عبد الله بن أبـيّ ، وقام دونهم . ومشى عبـادة بن الصامت إلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان أحد بنـي عوف بن الـخزرج من له حلفهم مثل الذي لهم من عبد الله بن أبـيّ ، فخـلعهم إلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتبرأ إلـى الله وإلـى رسوله من حلفهم ، وقال : يا رسول الله أتبرأ إلـى الله وإلـى رسوله من حلفهم وأتولـى الله ورسوله والـمؤمنـين ، وأبرأ من حلف الكفـار وولايتهم ففـيه وفـي عبد الله بن أبـيّ نزلت الآيات فـي الـمائدة : { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّـخِذُوا الـيَهُودَ والنَّصَارَى أوْلِـياءَ بَعْضُهُمْ أوْلِـياءُ بَعْضٍ } … الآية . وقال آخرون : بل عُني بذلك قوم من الـمؤمنـين كانوا هموا حين نالهم بأُحد من أعدائهم من الـمشركين ما نالهم أن يأخذوا من الـيهود عِصَماً ، فنهاهم الله عن ذلك ، وأعلـمهم أن من فعل ذلك منهم فهو منهم . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن الـمفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّـخِذُوا الـيَهُودَ والنَّصَارَى أوْلِـياءَ بَعْضُهُمْ أوْلِـياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَولَّهُمْ مِنْكُمْ فإنَّهُ مِنْهُمْ } قال : لـما كانت وقعة أُحد ، اشتدّ علـى طائفة من الناس وتـخوّفوا أن يُدال علـيهم الكفـار ، فقال رجل لصاحبه : أما أنا فألـحقُ بدَهْلَكَ الـيهودي فآخذ منه أماناً وأتهوّد معه ، فإنـي أخاف أن تدال علـينا الـيهود . وقال الآخر : أما أنا فألـحق بفلان النصرانـيّ ببعض أرض الشام فآخذ منه أماناً وأنتصر معه . فأنزل الله تعالـى ذكره ينهاهما : { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّـخِذُوا الـيَهُودَ والنَّصَارَى أوْلِـياءَ بَعْضُهُمْ أوْلِـياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فإنَّهُ مِنْهُمْ إنَّ اللّهَ لا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالَـمِينَ } . وقال آخرون : بل عُنـي بذلك أبو لبـابة بن عبد الـمنذر فـي إعلامه بنـي قريظة إذ رضوا بحكم سعد أنه الذبح . ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة ، قوله : { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّـخِذُوا الـيَهُودَ وَالنَّصَارَى أوْلِـياءَ بَعْضُهُمْ أوْلِـياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فإنَّهُ مِنْهُمْ } قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبـا لبـابة بن عبد الـمنذر من الأوس ، وهو من بنـي عمرو بن عوف ، فبعثه إلـى قريظة حين نقضت العهد ، فلـما أطاعوا له بـالنزول أشار إلـى حلقه الذبح الذبح . والصواب من القول فـي ذلك عندنا أن يقال : إن الله تعالـى ذكره نهى الـمؤمنـين جميعاً أن يتـخذوا الـيهود والنصارى أنصاراً وحلفـاء علـى أهل الإيـمان بـالله ورسوله ، وأخبر أنه من اتـخذهم نصيراً وحلـيفـاً وولـياً من دون الله ورسوله والـمؤمنـين ، فإنَّه منهم فـي التـحزّب علـى الله وعلـى رسوله والـمؤمنـين ، وأن الله ورسوله منه بريئان . وقد يجوز أن تكون الآية نزلت فـي شأن عُبـادة بن الصامت وعبد الله بن أبـيّ ابن سلول وحلفـائهما من الـيهود ، ويجوز أن تكون نزلت فـي أبـي لُبـابة بسبب فعله فـي بنـي قريظة ، ويجوز أن تكون نزلت فـي شأن الرجلـين اللذين ذكر السدّيّ أن أحدهما همّ بـاللـحاق بدهلك الـيهودي والآخر بنصرانـي بـالشأم ، ولـم يصحّ بواحد من هذه الأقوال الثلاثة خبر يثبت بـمثله حجة فـيسلـم لصحته القول بأنه كما قـيـل . فإذ كان ذلك كذلك فـالصواب أن يُحْكم لظاهر التنزيـل بـالعموم علـى ما عمّ ، ويجوز ما قاله أهل التأويـل فـيه من القول الذي لا علـم عندنا بخلافه غير أنه لا شك أن الآية نزلت فـي منافق كان يوالـي يهودَ أو نصارى ، خوفـاً علـى نفسه من دوائر الدهر ، لأن الآية التـي بعد هذه تدل علـى ذلك ، وذلك قوله : { فَتَرى الَّذِينَ فِـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِـيهِمْ يَقُولُونَ نَـخْشَى أنْ تُصِيبَنا دَائِرَةٌ } … الآية . وأما قوله : { بَعْضُهُمْ أوْلِـياءُ بَعْضٍ } فإنه عنى بذلك أن بعض الـيهود أنصار بعضهم علـى الـمؤمنـين ، ويد واحدة علـى جميعهم ، وأن النصارى كذلك بعضهم أنصار بعض علـى من خالف دينهم وملتهم ، معرّفـاً بذلك عبـاده الـمؤمنـين أن من كان لهم أو لبعضهم ولـياً فإنـما هو ولـيهم علـى من خالف ملتهم ودينهم من الـمؤمنـين ، كما الـيهود والنصارى لهم حرب ، فقال تعالـى ذكره للـمؤمنـين : فكونوا أنتـم أيضاً بعضُكم أولـياءُ بعض ، وللـيهودي والنصرانـي حربـاً كما هم لكم حرب ، وبعضهم لبعض أولـياء لأن من والاهم فقد أظهر لأهل الإيـمان الـحرب ومنهم البراءة ، وأبـان قطع ولايتهم . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فإنَّهُ مِنْهُمْ } . يعنـي تعالـى ذكره بقوله : { وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فإنَّهُ مِنْهُمْ } ومن يتولّ الـيهود والنصارى دون الـمؤمنـين فإنه منهم ، يقول : فإن من تولاهم ونصرهم علـى الـمؤمنـين ، فهو من أهل دينهم وملتهم ، فإنه لا يتولـى متولّ أحداً إلا وهو به وبدينه وما هو علـيه راض ، وإذا رضيه ورضي دينه فقد عادى ما خالفه وسخطه ، وصار حكمه حكمه ، ولذلك حكم من حكم من أهل العلـم لنصارى بنـي تَغْلب فـي ذبـائحهم ونكاح نسائهم وغير ذلك من أمورهم بأحكام نصارى بنـي إسرائيـل ، لـموالاتهم إياهم ورضاهم بـملتهم ونصرتهم لهم علـيها ، وإن كانت أنسابهم لأنسابهم مخالفة وأصل دينهم لأصل دينهم مفـارقاً . وفـي ذلك الدلالة الواضحة علـى صحة ما نقول ، من أن كلّ من كان يدين بدين فله حكم أهل ذلك الدين كانت دينونته به قبل مـجيء الإسلام أو بعده ، إلا أن يكون مسلـماً من أهل ديننا انتقل إلـى ملة غيرها ، فإنه لا يقرّ علـى ما دان به فـانتقل إلـيه ، ولكن يقتل لردّته عن الإسلام ومفـارقته دين الـحقّ ، إلا أن يرجع قبل القتل إلـى الدين الـحقّ ، وفساد ما خالفه من قول من زعم أنه لا يحكم بحكم أهل الكتابـين لـمن دان بدينهم ، إلا أن يكون إسرائيـلـياً أو منتقلاً إلـى دينهم من غيرهم قبل نزول الفرقان . فأما من دان بدينهم بعد نزول الفرقان مـمن لـم يكن منهم مـمن خالف نسبه نسبهم وجنسه جنسهم ، فإنه حكمه لـحكمهم مخالف . ذكر من قال بـما قلنا من التأويـل : حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا حميد بن عبد الرحمن الرواسي ، عن ابن أبـي لـيـلـى ، عن الـحكم ، عن سعيد بن جبـير ، قال : سئل ابن عبـاس عن ذبـائح نصارى العرب ، فقرأ : { وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فإنَّهُ مِنْهُمْ } . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالـح ، قال : ثنـي معاوية بن صالـح ، عن علـيّ بن أبـي طلـحة ، عن ابن عبـاس فـي هذه الآية : { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّـخِذُوا الـيَهُودَ وَالنَّصَارَى أوْلِـياءَ بَعْضُهُمْ وْلِـياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فإنَّهُ مِنْهُمْ } أنها فـي الذبـائح ، من دخـل فـي دين قوم فهو منهم . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا حجاج ، قال : ثنا حماد ، عن عطاء بن السائب ، عن عكرمة ، عن ابن عبـاس ، قال : كلوا من ذبـائح بنـي تَغْلب ، وتزوّجوا من نسائهم ، فإن الله يقول في كتابه : { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّـخِذُوا الـيَهُودَ والنَّصَارَى أوْلِـياءَ بَعْضُهُمْ أوْلِـياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فإنَّه مِنْهُمْ } ولو لـم يكونوا منهم إلا بـالولاية لكانوا منهم . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا حسين بن علـيّ ، عن زائدة ، عن هشام ، قال : كان الـحسن لا يرى بذبـائح نصارى العرب ولا نكاح نسائهم بأساً ، وكان يتلو هذه الآية : { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّـخِذُوا الـيَهُودَ وَالنَّصارَى أوْلِـياءَ بَعْضُهُمْ أوْلِـياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فإنَّهُ مِنْهُمْ } . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن الـمبـارك ، عن هارون بن إبراهيـم ، قال : سئل ابن سيرين عن رجل يبـيع داره من نصارى يتـخذونها بـيعة ، قال : فتلا هذه الآية : { لا تَتَّـخِذُوا الـيَهُودَ والنَّصَارَى أوْلِـياءَ } . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { إنَّ اللّهَ لا يَهْدِى القَوْمَ الظَّالِـمِينَ } . يعنـي تعالـى ذكره بذلك ، أن الله لا يوفق من وضع الولاية فـي غير موضعها فوالَـى الـيهود والنصارى مع عداوتهم الله ورسوله والـمؤمنـين علـى الـمؤمنـين ، وكان لهم ظهيراً ونصيراً ، لأن من تولاهم فهو لله ولرسوله وللـمؤمنـين حرب . وقد بـينا معنى الظلـم فـي غير هذا الـموضع وأنه وضع الشيء فـي غير موضعه بـما أغنى إعادته .