Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 52-52)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اختلف أهل التأويـل فـيـمن عُنى بهذه الآية ، فقال بعضهم : عُنِى بها عبد الله بن أبـيّ بن سلول . ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن إدريس ، قال : سمعت أبـي ، عن عطية بن سعد : { فَتَرَى الَّذِينَ فِـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ } عبد الله بن أبـيّ ، { يُسارِعُونَ فِـيِهمْ } فـي ولايتهم ، { يَقُولُونَ نَـخْشَى أنْ تُصِيبَنا دَائِرَةٌ } … إلـى آخر الآية { فَـيُصْبِحُوا علـى ما أسَرُّوا فـي أنْفُسِهِمْ نادِمِينَ } . حدثنا هناد ، قال : ثنا يونس بن بكير ، قال : ثنا ابن إسحاق ، قال : ثنـي والدي إسحاق بن يسار ، عن عبـادة بن الولـيد بن عبـادة بن الصامت : { فَتَرَى الَّذِينَ فِـي قُلُوبِهِمْ مَرضٌ } يعنـي : عبد الله بن أبـيّ ، { يُسارِعُونَ فِـيهِمْ يَقُولُونَ نَـخْشَى أنْ تُصِيبَنا دَائِرَةٌ } لقوله : إنـي أخشى دائرة تصيبنـي . وقال آخرون : بل عنـي بذلك قوم من الـمنافقـين كانوا يناصحون الـيهود ويغشون الـمؤمنـين ويقولون : نـخشى أن تكون دائرة للـيهود علـى الـمؤمنـين . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد فـي قول الله تعالـى ذكره : { فَتَرَى الَّذِينَ فِـي قُلُوبِهِمْ مَرضٌ يِسارِعُونَ فِـيهِمْ } قال : الـمنافقون فـي مصانعة يهود ومناجاتهم ، واسترضاعهم أولادهم إياهم . وقول الله تعالـى ذكره : { نـخْشَى أنْ تُصِيبنَا دَائِرةٌ } قال : يقول : نـخشى أن تكون الدائرة للـيهود . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، مثله . حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد بن زريع ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { فَتَرَى الَّذِينَ فِـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ } … إلـى قوله : { نادِمِينَ } : أناس من الـمنافقـين كانوا يودّون الـيهود ويناصحونهم دون الـمؤمنـين . حدثنـي مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن مفضل ، قال : ثنا أسبـاط عن السديّ : { فَتَرَى الَّذِينَ فِـي قُلُوبِهِمْ مَرضٌ } قال : شكّ { يُسارِعُونَ فِـيهِمْ نَـخْشَى يقولون أنْ تُصِيبَنا دَائِرَةٌ } والدائرة : ظهور الـمشركين علـيهم . والصواب من القول فـي ذلك عندنا أن يقال : إن ذلك من الله خبر عن ناس من الـمنافقـين كانوا يوالون الـيهود والنصارى ، ويَغُشُّون الـمؤمنـين ، ويقولون : نـخشى أن تدور دوائر ، إما للـيهود والنصارى ، وإما لأهل الشرك من عَبَدة الأوثان أو غيرهم علـى أهل الإسلام ، أو تنزل بهؤلاء الـمنافقـين نازلة ، فـيكون بنا إلـيهم حاجة . وقد يجوز أن يكون ذلك كان من قول عبد الله بن أبـيّ ، ويجوز أن يكون كان من قول غيره ، غير أنه لا شك أنه من قول الـمنافقـين . فتأويـل الكلام إذن : فترى يا مـحمد الذين فـي قلوبهم مرض وشكّ إيـمان بنبوّتك ، وتصديق ما جئتهم به من عند ربك { يُسَارِعُونَ فِـيهِمْ } يعنـي فـي الـيهود والنصارى . ويعنـي بـمسارعتهم فـيهم : مسارعتهم فـي موالاتهم ومصانعتهم . { يَقُولُونَ نَـخْشَى أنْ تُصِيبَنا دَائِرةٌ } يقول هؤلاء الـمنافقون : إنـما نسارع فـي موالاة هؤلاء الـيهود والنصارى خوفـاً من دائرة تدور علـينا من عدوّنا . ويعنـي بـالدائرة : الدَّولة ، كما قال الراجز : @ تَرُدُّ عَنْكَ القَدَرَ الـمَقْدُورَا وَدَائِراتِ الدَّهْرِ أنْ تَدُورَا @@ يعنـي : أن تدول للدهر دَوْلة فنـحتاج إلـى نصرتهم إيانا ، فنـحن نوالـيهم لذلك . فقال الله تعالـى ذكره لهم : { فَعَسَى اللّهُ أنْ يَأْتِـيَ بـالفَتْـحِ أوْ أمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَـيُصْبِحُوا علـى ما أسَرُّوا فـي أنْفُسِهِمْ نادِمِينَ } . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { فَعَسَى اللّهُ أنْ يَأْتِـيَ بـالفَتْـحِ أوْ أمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَـيُصْبِحُوا علـى ما أسَرُّوا فـي أنْفُسِهِمْ نادِمِينَ } . يعنـي تعالـى ذكره بقوله : { فَعَسَى اللّهُ أنْ يَأْتِـيَ بـالفَتْـحِ أوْ أمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ } فلعلّ الله أن يأتـي بـالفتـح . ثم اختلفوا فـي تأويـل الفتـح فـي هذا الـموضع ، فقال بعضهم ، : عنـي به ههنا القضاء . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { فَعَسَى اللّهُ أنْ يَأْتِـيَ بـالفَتْـحِ } قال : بـالقضاء . وقال آخرون : عُنـي به فتـح مكة . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمدبن مفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : { فَعَسَى اللّهُ أنْ يَأْتِـيَ بـالفَتْـحِ } قال : فتـح مكة . والفتـح فـي كلام العرب : هو القضاء كما قال قتادة ، ومنه قول الله تعالـى : { رَبَّنا افْتَـحْ بَـيْنَنا وَبـينَ قَوْمِنا بـالـحَقّ } . وقد يجوز أن يكون ذلك القضاء الذي وعد الله نبـيه مـحمداً صلى الله عليه وسلم بقوله : { فَعَسَى اللّهُ أنْ يَأْتِـيَ بـالفَتْـحِ } فتـح مكة ، لأن ذلك كان من عظيـم قضاء الله وفصل حكمة بـين أهل الإيـمان والكفر ، ويقرّر عند أهل الكفر والنفـاق أن الله مُعْلِـي كلـمتِه ومُوهِنُ كيدِ الكافرين . وأما قوله : { أوْ أمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ } فإن السديّ كان يقول فـي ذلك ما : حدثنـي مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن مفضَّل ، قال : ثنا أسبـاط ، السديّ : { أوْ أمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ } قال : الأمر : الـجزية . وقد يحتـمل أن يكون الأمر الذي وعد الله نبـيه مـحمداً صلى الله عليه وسلم أن يأتـي به ، هو الـجزية ، ويحتـمل أن يكون غيرها . غير أنه أيّ ذلك كان فهو مـما فـيه إدالة الـمؤمنـين علـى أهل الكفر بـالله وبرسوله ، ومـما يسوء الـمنافقـين ولا يسرّهم وذلك أن الله تعالـى قد أخبر عنهم أن ذلك الأمر إذا جاء أصبحوا علـى ما أسرّوا فـي أنفسهم نادمين . وأما قوله : { فَـيُصْبِحُوا علـى ما أسَرُّوا فـي أنْفُسِهِمْ نادِمِينَ } فإنه يعنـي : هؤلاء الـمنافقـين الذين كانوا يوالون الـيهود والنصارى ، يقول تعالـى ذكره : لعل الله أن يأتِـيَ بأمر من عنده يُدِيـل به الـمؤمنـين علـى الكافرين الـيهود والنصارى وغيرهم من أهل الكفر ، فـيصبح هؤلاء الـمنافقون علـى ما أسرّوا فـي أنفسهم من مخالَّة الـيهود والنصارى ومودّتهم وبغضة الـمؤمنـين ومـحادتهم نادمين . كما : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { فَـيُصْبِحُوا علـى ما أسَرُّوا فـي أنْفُسِهِمْ نادِمِينَ } من موادّتهم الـيهود ، ومن غشّهم للإسلام وأهله .