Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 53, Ayat: 33-39)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى ذكره : أفرأيت يا محمد الذي أدبر عن الإيمان بالله ، وأعرض عنه وعن دينه ، وأعطى صاحبه قليلاً من ماله ، ثم منعه فلم يعطه ، فبخِل عليه . وذُكر أن هذه الآية نزلت في الوليد بن المغيرة من أجل أنه عاتبه بعض المشركين ، وكان قد اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم على دينه ، فضمن له الذي عاتبه إن هو أعطاه شيئاً من ماله ، ورجع إلى شركه أن يتحمل عنه عذاب الآخرة ، ففعل ، فأعطى الذي عاتبه على ذلك بعض ما كان ضمن له ، ثم بخل عليه ومنعه تمام ما ضمن له . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { وأكْدَى } قال الوليد بن المغيرة : أعطى قليلاً ثم أكدى . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { أفَرأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى … } إلى قوله : { فَهُوَ يَرَى } قال : هذا رجل أسلم ، فلقيه بعض من يُعَيِّره فقال : أتركت دين الأشياخ وضَلَّلتهم ، وزعمت أنهم في النار ، كان ينبغي لك أن تنصرهم ، فكيف يفعل بآبائك ، فقال : إني خشيت عذاب الله ، فقال : أعطني شيئاً ، وأنا احمل كلّ عذاب كان عليك عنك ، فاعطاه شيئاً ، فقال زدني ، فتعاسر حتى أعطاه شيئاً ، وكتب له كتاباً ، وأشهد له ، فذلك قول الله : { أفَرأيْتَ الَّذِي تَوَلي وأعْطَى قَلِيلاً وأكْدَى } عاسره { أعِنْدَهُ عِلْمُ الغَيْبِ فَهُوَ يَرَى } نزلت فيه هذه الآية . وبنحو الذي قلنا في معنى قوله : { أكْدَى } قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حُمَيد ، قال : ثنا مهران ، عن أبي سنان الشيباني ، عن ثابت ، عن الضحاك ، عن ابن عباس { أعْطَى قَلِيلاً وأكْدَى } قال : أعطى قليلاً ثم انقطع . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { أفَرأَيْتَ الَّذِي تَوَلى وأعْطَى قَلِيلاً وأكْدَى } يقول : أعطى قليلاً ثم انقطع . حدثنا ابن حُمَيد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد { وأعْطَى قَلِيلاً وأكْدَى } قال : انقطع فلا يُعْطِي شيئاً ، ألم تر إلى البئر يقال لها أكدت . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد { وأكْدَى } : انقطع عطاؤه . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن ابن طاوس وقتادة ، في قوله : { وأكْدَى } قال : أعطى قليلاً ، ثم قطع ذلك . قال : ثنا ابن ثور ، قال : ثنا معمر ، عن عكرِمة مثل ذلك . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { وأكْدَى } أي بخل وانقطع عطاؤه . حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { وأكْدَى } يقول : انقطع عطاؤه . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { وأكْدَى } عاسره ، والعرب تقول : حفر فلان فأكدى ، وذلك إذا بلغ الكدية ، وهو أن يحفِر الرجل في السهل ، ثم يستقبله جبل فيُكْدِي ، يقال : قد أكدى كداء ، وكديت أظفاره وأصابعه كدًى شديداً ، منقوص : إذا غلظت ، وكديت أصابعه : إذا كلَّت فلم تعمل شيئاً ، وكدا النبت إذا قلّ ريعه يهمز ولا يهمز . وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يقول : اشتق قوله : أكدى ، من كُدَية الركِيَّة ، وهو أن يحفِر حتى ييأس من الماء ، فيُقال حينئذٍ بلغنا كُدْيتها . وقوله : { أعِنْدَهُ عِلْمُ الغَيْبِ فَهوَ يَرَى } يقول تعالى ذكره : أعند هذا الذي ضمن له صاحبه أن يتحمل عنه عذاب الله في الآخرة علم الغيب ، فهو يرى حقيقة قوله ، ووفائه بما وعده . وقوله : { أمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى } يقول تعالى ذكره : أم لم يُخَبَّرْ هذا المضمون له ، أن يتحمل عنه عذاب الله في الآخرة ، بالذي في صحف موسى بن عمران عليه السلام . وقوله : { وَإبْرَاهِيمَ الذِي وَفَّى } يقول : وإبراهيم الذي وفى من أرسل إليه ما أرسل به . ثم اختلف أهل التأويل في معنى الذي وفى ، فقال بعضهم : وفاؤه بما عهد إليه ربه من تبليغ رسالاته ، وهو { ألاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حُمَيد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن عطاء ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس { وَإبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى } قال : كانوا قبل إبراهيم يأخذون الوليّ بالوليّ ، حتى كان إبراهيم ، فبلغ { ألاَّ تَزِرُ وَازِرَة وِزْرَ أُخْرَى } لا يُؤاخذ أحد بذنب غيره . حدثنا ابن حُمَيد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن جابر ، عن مجاهد ، عن عكرِمة { وَإبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى } قالوا : بلغ هذه الآيات { ألاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَإبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى } قال : وفَّى طاعة الله ، وبلَّغَّ رسالات ربه إلى خلقه . وكان عكرِمة يقول : وفَّى هؤلاء الآيات العشر { ألاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى … } حتى بلغ { وأنَّ عَلَيْهِ النَّشأَةَ الأُخْرَى } حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : { وَإبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى } وفَّى طاعة الله ورسالاته إلى خلقه . حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي ، قال : ثنا أبو بكير ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : { وَإبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى } قال : بلَّغ ما أُمر به . حدثنا ابن حُمَيْد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان { وَإبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى } قال : بلَّغ . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { وَإبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى } قال : وفَّى : بلَّغ رسالات ربه ، بلَّغ ما أُرسل به ، كما يبلِّغ الرجل ما أُرسل به . وقال آخرون : بل وفَّى بما رأى في المنام من ذبح ابنه ، وقالوا قوله : { ألاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } من المؤخر الذي معناه التقديم وقالوا : معنى الكلام : أم لم ينبأ بما في صحف موسى ألا تزر وازرة وزر أخرى ، وبما في صحف إبراهيم الذي وفَّى . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله : { أمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى } يقول : إبراهيم الذي استكمل الطاعة فيما فعل بابنه حين رأى الرؤيا ، والذي في صحف موسى { ألاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } … إلى آخر الآية . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني ابن لهيعة ، عن أبي صخر ، عن القُرَظيّ ، وسُئل عن هذه الآية { وَإبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى } قال : وفَّى بذبح ابنه . وقال آخرون : بل معنى ذلك : أنه وفى ربه جميع شرائع الإسلام . ذكر من قال ذلك : حدثنا عبد الله بن أحمد بن شَبُّوية ، قال : ثنا عليّ بن الحسن ، قال : ثنا خارجة بن مُصْعبٍ ، عن داود بن أبي هند ، عن عكرمة عن ابن عباس ، قال : الإسلام ثلاثون سهماً . وما ابتلي بهذا الدين أحد فأقامه إلاَّ إبراهيم ، قال الله { وَإبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى } فكتب الله له براءة من النار . حدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وَإبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى } ما فُرِض عليه . وقال آخرون : وفَّى بما رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخبر الذي : حدثنا أبو كُرَيب ، قال : ثنا رشدين بن سعد ، قال : ثني زيان بن فائد ، عن سهل بن معاذ ، عن أنس ، عن أبيه ، قال : كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول : " ألا أُخْبِرُكُمْ لِمَ سَمَّى اللّهُ إبْرَاهِيمَ خَلِيلَهُ الَّذِي وفَّى ؟ لأنَّهُ كانَ يَقُولُ كُلَّما أصْبَحَ وأمْسَى : { فَسُبْحانَ اللّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ } حتى ختم الآية " . وقال آخرون : بل وفَّى ربه عمل يومه . ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو كُرَيب ، قال : ثنا الحسن بن عطية ، قال : ثنا إسرائيل ، عن جعفر بن الزبير عن القاسم ، عن أبي أُمامة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { وَإبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى } قال : " أتَدْرُونَ ما وَفَّى " قالوا الله ورسوله أعلم ، قال : " وَفَّى عَمَلَ يَوْمِهِ أرْبَعَ رَكَعاتٍ فِي النَّهارِ " . وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : وفَّى جميع شرائع الإسلام وجميع ما أُمر به من الطاعة ، لأن الله تعالى ذكره أخبر عنه أنه وفَّى فعمّ بالخبر عن توفيته جميع الطاعة ، ولم يخصص بعضاً دون بعض . فإن قال قائل : فإنه خصّ ذلك بقوله وفَّى { ألاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وزْرَ أُخْرَى } فإن ذلك مما أخبر الله جلّ ثناؤه أنه في صحف موسى وإبراهيم ، لا مما خصّ به الخبر عن أنه وفَّى . وأما التوفية فإنها على العموم ، ولو صحّ الخبران اللذان ذكرناهما أو أحدهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لم نَعْدُ القول به إلى غيره ولكن في إسنادهما نظر يجب التثبت فيهما من أجله . وقوله : { ألاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } فإن من قوله : { ألاَّ تَزِرُ } على التأويل الذي تأوّلناه في موضع خفض ردًّا على « ما » التي في قوله { أمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى } يعني بقوله : { ألاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } غيرها ، بل كل آثمة فإنما إثمها عليها . وقد بيَّنا تأويل ذلك باختلاف أهل العلم فيه فيما مضى قبل . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن عُبيد المحاربيّ ، قال : ثنا أبو مالك الجَنْبي ، قال : ثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي مالك الغفاريّ في قوله : { ألاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وأنْ لَيْسَ للإنْسانِ إلاَّ ما سَعَى … } إلى قوله : { مِنَ النُّذُرِ الأُولى } قال : هذا في صحف إبراهيم وموسى . وإنما عُنِي بقوله : { ألاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } الذي ضَمِن للوليد بن المغيرة أن يتحمل عنه عذاب الله يوم القيامة ، يقول : ألم يُخْبَرْ قائل هذا القول ، وضامن هذا الضمان بالذي في صحف موسى وإبراهيم مكتوب : أن لا تأثم آثمة إثم أخرى غيرها { وأنْ لَيْسَ للإنْسانِ إلاَّ ما سَعَى } يقول جلّ ثناؤه : أوَ لم يُنَبأ أنه لا يُجازى عامل إلاَّ بعمله ، خيراً كان ذلك أو شرًّا . كما : حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { وَأنْ لَيْسَ للإنْسانِ إلاَّ ما سَعَى } ، وقرأ { إنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى } قال : أعمالكم . وذُكر عن ابن عباس أنه قال : هذه الآية منسوخة . حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله { وأنْ لَيْسَ للإنْسانِ إلاَّ ما سَعَى } قال : فأنزل الله بعد هذا { وَالَّذِينَ آمَنُوا وأتْبَعْناهُمْ ذُرّياتِهِم بإيمَانٍ ألْحَقْنا بِهِمْ ذُرّياتِهِمْ } فأدخل الأبناء بصلاح الآباء الجنة .