Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 56, Ayat: 13-21)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى ذكره : جماعة من الأمم الماضية ، وقليل من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وهم الآخرون وقيل لهم الآخرون : لأنهم آخر الأمم { على سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ } يقول : فوق سُرر منسوجة ، قد أدخل بعضها في بعض ، كما يوضن حلق الدرع بعضها فوق بعض مضاعفة ومنه قول الأعشى : @ وَمِنْ نَسْج دَاوُدَ مَوْضُونَةً تُساقُ مَعَ الحَيّ عِيْراً فَعِيْرَا @@ ومنه وضين الناقة ، وهو البطان من السيور إذا نسج بعضه على بعض مضاعفاً كالحلق حلق الدرع . وقيل : وضين ، وإنما هو موضون ، صرف من مفعول إلى فعيل ، كما قيل : قتيل لمقتول . وحُكي سماعاً من بعض العرب أزيار الآجرّ موضون بعضها على بعض ، يراد مشرج صفيف . وقيل : إنما قيل لها سُرر موضونة ، لأنها مشبكة بالذهب والجوهر . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا مؤمل ، قال : ثنا سفيان ، قال : ثنا حصين ، عن مجاهد ، عن ابن عباس { على سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ } قال : مرمولة بالذهب . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن الحصين ، عن مجاهد { على سُرُر مَوْضُونَةٍ } قال : مرمولة بالذهب . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { على سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ } قال : يعني الأسرة المرملة . حدثنا هناد ، قال : ثنا أبو الأحوص ، عن حصين ، عن مجاهد ، قال : الموضونة : المرملة بالذهب . حدثنا ابن حُمَيد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا الحسين بن واقد ، عن يزيد ، عن عكرِمة ، قوله : { على سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ } قال : مشبكة بالدرّ والياقوت . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { مَوْضُونَةٍ } قال : مرمولة بالذهب . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { على سُرُرٍ مَوْضُونَة } والموضونة : المرمولة ، وهي أوثر السرر . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا سليمان ، قال : ثنا أبو هلال ، عن قتادة ، في قوله : { مَوْضُونَةٍ } قال مرمولة . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، في قوله : { على سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ } قال : مرملة مشبكة . حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { على سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ } الوضن : التشبيك والنسج ، يقول : وسطها مشبك منسوج . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { على سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ } الموضونة : المرمولة بالجلد ذاك الوضين منسوجة . وقال آخرون : بل معنى ذلك : أنها مصفوفة . ذكر من قال ذلك : حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { على سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ } يقول : مصفوفة . وقوله : { مُتَّكِئِينَ عليها مُتَقابِلينَ } يقول تعالى ذكره متكئين على السُّرر الموضونة ، متقابلين بوجوههم ، لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض . كما : حدثنا ابن حُمَيد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { على سُرُرٍ متَقابِلينَ } قال : لا ينظر أحدهم في قفا صاحبه . وذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله « مُتَّكِئِينَ عَلَيْها ناعِمِينَ » . حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن أبي إسحاق ، في قراءة عبد الله ، يعني ابن مسعود « مُتَّكِئِينَ عَلَيْها ناعِمِينَ » . وقد بينا ذلك في غير هذا الموضع ، وذكرنا ما فيه من الرواية . وقوله : { يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ } يقول تعالى ذكره : يطوف على هؤلاء السابقين الذين قرّبهم الله في جنات النعيم ، ولدان على سنّ واحدة ، لا يتغيرون ولا يموتون . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد { مُخَلَّدُونَ } قال : لا يموتون . وقال آخرون : عنى بذلك أنهم مقرّطون مسوّرون . والذي هو أولى بالصواب في ذلك قول من قال معناه : إنهم لا يتغيرون ، ولا يموتون ، لأن ذلك أظهر معنييه ، والعرب تقول للرجل إذا كبر ولم يشمط : إنه لمخلد ، وإنما هو مفعل من الخلد . وقوله : { بأكْوَابٍ وأبارِيقَ } والأكواب : جمع كوب ، وهو من الأباريق ما اتسع رأسه ، ولم يكن له خرطوم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { بأكوابٍ } قال : الأكواب : الجرار من الفضة . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد { بأكْوَابٍ وأبارِيقَ } قال : الأباريق : ما كان لها آذان ، والأكواب ما ليس لها آذان . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، قال : الأكواب ليس لها آذان . حدثنا يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، قال : سئل الحسن عن الأكواب ، قال : هي الأباريق التي يصبّ لهم منها . حدثنا أبو كُرَيب ، وأبو السائب ، قالا : ثنا ابن إدريس ، قال : سمعت أبي ، قال : مر أبو صالح صاحب الكلبي قال : فقال أبي ، قال لي الحسن وأنا جالس : سله ، فقلت : ما الأكواب ؟ قال : جرار الفضة المستديرة أفواهها ، والأباريق ذوات الخراطيم . حدثنا ابن حُمَيد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد { بأكْوَابٍ } قال : ليس لها عرى ولا آذان . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { بأكْوَابٍ وأبارِيقَ } والأكواب التي يغترف بها ليس لها خراطيم ، وهي أصغر من الأباريق . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : { بأكْوَابٍ وأبارِيقَ } قال : الأكواب التي دون الأباريق ليس لها عُرًى . حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول : الأكواب جرار ليست لها عرى ، وهي بالنبطية كوباً ، وإياها عنى الأعشى بقوله : @ صَرِيفِيَّةٌ طَيِّبٌ طَعْمُها لَهَا زَبَدٌ بَينَ كُوب ودَنّ @@ وأما الأباريق : فهي التي لها عرى . وقوله : { وكأسٍ مِنْ مَعِينٍ } وكأس خمر من شراب معين ، ظاهر العيون ، جار . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { وكأسٍ مِنْ مَعِينٍ } : قال الخمر . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَكأْسٍ مِنْ مَعِينٍ } أي من خمر جارية . حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ، يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { وكأسٍ مِنْ مَعِينٍ } الكأس : الخمر . حدثنا أبو سنان ، قال : ثنا سليمان ، قال : ثنا أبو هلال ، عن قتادة ، في قوله : { وكأْسٍ مِن مَعِينٍ } قال : الخمر الجارية . حدثنا ابن حُمَيد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن سلمة بن نبيط ، عن الضحاك ، مثله . وقوله : { لا يُصَدَّعُونَ عَنْها } يقول : لا تصدع رؤوسهم عن شربها فتسكر . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني إسماعيل بن موسى السديّ ، قال : أخبرنا شريك ، عن سالم ، عن سعيد ، قوله : { لا يُصَدَّعُونَ عَنْها } قال : لا تصدّع رؤوسهم . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { لا يُصَدَّعُونَ عَنْها } ليس لها وجع رأس . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا سليمان ، قال : ثنا أبو هلال ، عن قتادة { لا يُصَدَّعُونَ عَنْها } قال : لا تصدّع رؤوسهم . حدثنا ابن حمَيد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد { لا يُصَدَّعُونَ عَنْها } يقول : لا تصدّع رؤوسهم . حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { لا يُصَدَّعُونَ عَنْها } يعني : وجع الرأس . وقوله : { وَلا يُنْزِفُونَ } اختلفت القرّاء في قراءته ، فقرأت عامة قرّاء المدينة والبصرة « يُنْزَفُونَ » بفتح الزاي ، ووجهوا ذلك إلى أنه لا تنزف عقولهم . وقرأته عامة قرّاء الكوفة { لا يُنْزِفُونَ } بكسر الزاي بمعنى : ولا ينفد شرابهم . والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب فيها الصواب . واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك على نحو اختلاف القرّاء فيه . وقد ذكرنا اختلاف أقوالهم في ذلك ، وبيَّنا الصواب من القول فيه في سورة الصافات ، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع ، غير أنا سنذكر قول بعضهم في هذا الموضع لئلا يظنّ ظانّ أن معناه في هذا الموضع مخالف معناه هنالك . ذكر قول من قال منهم : معناه لا تنزف عقولهم . حدثنا إسماعيل بن موسى ، قال : أخبرنا شريك ، عن سالم ، عن سعيد { وَلا يُنْزِفُونَ } قال : لا تنزف عقولهم . حدثنا ابن حُمَيد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد { وَلا يُنْزِفُونَ } قال : لا تنزف عقولهم . وحدثنا ابن حميد ، مرة أخرى فقال ولا تذهب عقولهم . حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { وَلا يُنْزِفُونَ } لا تنزف عقولهم . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله : { وَلا يُنْزِفُونَ } قال : لا يغلب أحد على عقله . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، في قوله : { وَلا يُنْزِفُونَ } قال : لا يغلب أحد على عقله . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا سليمان ، قال : ثنا أبو هلال ، عن قتادة في قول الله : { وَلا يُنْزِفُونَ } قال : لا تغلب على عقولهم . وقوله : { وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ } يقول تعالى ذكره : ويطوف هؤلاء الولدان المخلدون على هؤلاء السابقين بفاكهة من الفواكه التي يتخيَّرونها من الجنة لأنفسهم ، وتشتهيها نفوسهم { ولَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ } يقول : ويطوفون أيضاً عليهم بلحم طير مما يشتهون من الطير الذي تشتهيه نفوسهم .