Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 56, Ayat: 7-12)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى ذكره : وكنتم أيها الناس أنواعاً ثلاثة وضروباً . كما : حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { وكُنْتُمْ أزْوَاجاً ثَلاثَةً } قال : منازل الناس يوم القيامة . وقوله : { فأصحَابُ المَيْمَنَةِ ما أصحَابُ المَيْمَنَةِ } وهذا بيان من الله عن الأزواج الثلاثة ، يقول ، جل ثناؤه : وكنتم أزواجاً ثلاثة : أصحاب الميمنة ، وأصحاب المشأمة ، والسابقون ، فجعل الخبر عنهم ، مغنياً عن البيان عنهم ، على الوجه الذي ذكرنا ، لدلالة الكلام على معناه ، فقال : { فَأصحَابُ المَيْمَنَةِ ما أصحَابُ المَيْمَنَةِ } يعجِّب نبيه محمداً منهم ، وقال : { ما أصحَابُ اليَمِينِ } الذين يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة ، أيّ شيء أصحاب اليمين { وأصحَابُ المَشأَمَةِ ما أصحَابُ المَشأَمَةِ } يقول تعالى ذكره : وأصحاب الشمال الذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار ، والعرب تسمي اليد اليسرى : الشُّؤْمي ومنه قول أعشى بني ثعلبة : @ فأنْحَى على شُؤمَى يَدَيهِ فَذادَها بأظْمأَ مِنْ فَرْغ الذُّؤَابَةِ أسْحَما @@ وقوله : { والسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ } وهم الزوج الثالث وهم الذين سبقوا إلى الإيمان بالله ورسوله ، وهم المهاجرون الأوّلون . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حُمَيد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا عبيد الله ، يعني العتكي ، عن عثمان بن عبد الله بن سُراقة ، قوله : { وكُنْتُمْ أزْوَاجاً ثَلاثَةً } قال : اثنان في الجنة وواحد في النار ، يقول : الحور العين للسابقين ، والعُرُب الأتراب لأصحاب اليمين . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { وكُنْتُمْ أزْوَاجاً ثَلاثَةً } قال : منازل الناس يوم القيامة . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا هوذة ، قال : ثنا عوف ، عن الحسن ، في قوله : { وكُنْتُمْ أزْوَاجاً ثَلاثَةً فأصحَابُ المَيْمَنَةِ ما أصحَابُ المَيْمَنَةِ وأصحَابُ المَشأَمَةِ ما أصحَابُ المَشأَمَةِ والسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ المُقَرَّبُونَ } … إلى { ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ وَثلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سَوَّى بَيَنَ أصحَابِ اليَمِينِ مِنَ الأُمَمِ السَّابِقَةِ ، وَبَيَنَ أصحَابِ اليَمِينِ مِنْ هَذِهِ الأُمَّة ، وكانَ السَّابِقُونَ مِنَ الأُمَمِ أكْثَرُ مِنْ سَابِقِي هَذِهِ الأُمَّةِ " . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { فَأصْحَابُ المَيْمَنَةِ ما أصحَابُ المَيْمَنَةِ } : أي ماذا لهم ، وماذا أعدّ لهم { وأصحَابُ المَشأَمَةِ ما أصحَابُ المَشأَمَةِ } : أي ماذا لهم وماذا أعدّ لهم { والسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ } : أي من كلّ أمة . حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : سمعت ابن زيد يقول : وجدت الهوى ثلاثة أثلاث ، فالمرء يجعل هواه علمه ، فيديل هواه على علمه ، ويقهر هواه علمه ، حتى إن العلم مع الهوى قبيح ذليل ، والعلم ذليل ، الهوى غالب قاهر ، فالذي قد جعل الهوى والعلم في قلبه ، فهذا من أزواج النار ، وإذا كان ممن يريد الله به خيراً استفاق واستنبه ، فإذا هو عون للعلم على الهوى حتى يديل الله العلم على الهوى ، فإذا حسُنت حال المؤمن ، واستقامت طريقته كان الهوى ذليلاً ، وكان العلم غالباً قاهراً ، فإذا كان ممن يريد الله به خيراً ، ختم عمله بإدالة العلم ، فتوفاه حين توفاه ، وعلمه هو القاهر ، وهو العامل به ، وهواه الذليل القبيح ، ليس له في ذلك نصيب ولا فعل . والثالث : الذي قبح الله هواه بعلمه ، فلا يطمع هواه أن يغلب العلم ، ولا أن يكون معه نصف ولا نصيب ، فهذا الثالث ، وهو خيرهم كلهم ، وهو الذي قال الله عزّ وجلّ في سورة الواقعة : { وكُنْتُمْ أزْوَاجاً ثَلاثَةً } قال : فزوجان في الجنة ، وزوج في النار ، قال : والسابق الذي يكون العلم غالباً للهوى ، والآخر : الذي ختم الله بإدالة العلم على الهوى ، فهذان زوجان في الجنة ، والآخر : هواه قاهر لعلمه ، فهذا زوج النار . واختلف أهل العربية في الرافع أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ، فقال بعض نحويي البصرة : خبر قوله : { فأصحَابُ المَيْمَنَةِ ما أصحَابُ المَيْمَنَة وأصحَابُ المَشأَمَةِ ما أصحَابُ المَشأَمَةِ } قال : ويقول زيد : ما زيد ، يريد : زيد شديد . وقال غيره : قوله : { ما أصحَابُ المَيْمَنَةِ } لا تكون الجملة خبره ، ولكن الثاني عائد على الأوّل ، وهو تعجب ، فكأنه قال : أصحاب الميمنة ما هم ، والقارعة ما هي ، والحاقة ما هي ؟ فكان الثاني عائد على الأوّل ، وكان تعجباً ، والتعجب بمعنى الخبر ، ولو كان استفهاماً لم يجز أن يكون خبراً للابتداء ، لأن الاستفهام لا يكون خبراً ، والخبر لا يكون استفهاماً ، والتعجب يكون خبراً ، فكان خبراً للابتداء . وقوله : زيد وما زيد ، لا يكون إلا من كلامين ، لأنه لا تدخل الواو في خبر الابتداء ، كأنه قال : هذا زيد وما هو : أي ما أشدّه وما أعلمه . واختلف أهل التأويل في المعنيين بقوله : { والسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ } فقال بعضهم : هم الذين صلوا للقبلتين . حدثنا ابن حُمَيد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن خارجة ، عن قرة ، عن ابن سيرين { والسَّابقون السَّابِقُونَ } الذين صلوا للقبلتين . وقال آخرون في ذلك بما : حدثني به عبد الكريم بن أبي عمير ، قال : ثنا الوليد بن مسلم ، قال : ثنا أبو عمرو ، قال : ثنا عثمان بن أبي سودة ، قال : { السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ } أوّلهم رواحاً إلى المساجد ، وأسرعهم خفوقاً في سبيل الله . والرفع في السابقين من وجهين : أحدهما : أن يكون الأوّل مرفوعاً بالثاني ، ويكون معنى الكلام حينئذٍ والسابقون الأوّلون ، كما يقال : السابق الأوّل ، والثاني أن يكون مرفوعاً بأولئك المقرّبون يقول جلّ ثناؤه : أولئك الذين يقرّبهم الله منه يوم القيامة إذا أدخلهم الجنة . وقوله : { فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ } يقول : في بساتين النعيم الدائم .