Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 56, Ayat: 22-26)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اختلفت القرّاء في قراءة قوله : { وحُورٌ عِينٌ } فقرأته عامة قرّاء الكوفة وبعض المدنيين « وحُورٍ عِينٍ » بالخفض إتباعاً لإعرابها إعراب ما قبلها من الفاكهة واللحم ، وإن كان ذلك مما لا يُطاف به ، ولكن لما كان معروفاً معناه المراد أتبع الآخر الأوّل في الإعراب ، كما قال بعض الشعراء : @ إذَا ما الغانِياتُ بَرَزْنَ يَوْماً وَزَجَّجْن الْحَوَاجِبَ والعُيُونا @@ فالعيون تكَحَّل ، ولا تزجَّج إلا الحواجب ، فردّها في الإعراب على الحواجب ، لمعرفة السامع معنى ذلك وكما قال الآخر : @ تَسْمَعُ للأَحْشاءِ مِنْهُ لَغَطَا وللْيَدَيْنِ جُسأَةً وَبَدَدَا @@ والجسأة : غلظ في اليد ، وهي لا تُسمع . وقرأ ذلك بعض قرّاء المدينة ومكة والكوفة وبعض أهل البصرة بالرفع { وحُورٌ عِينٌ } على الابتداء ، وقالوا : الحور العين لا يُطاف بهنّ ، فيجوز العطف بهنّ في الإعراب على إعراب فاكهة ولحم ، ولكنه مرفوع بمعنى : وعندهم حور عين ، أو لهم حور عين . والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : إنهما قراءتان معروفتان قد قرأ بكل واحدة منهما جماعة من القرّاء مع تقارب معنييهما ، فبأيّ القراءتين قرأ القارىء فمصيب . والحور جماعة حَوْراء : وهي النقية بياض العين ، الشديدة سوادها . والعين : جمع عيناء ، وهي النجلاء العين في حُسن . وقوله : { كأمْثالِ اللُّؤْلُوِ المَكْنُونِ } يقول : هنّ في صفاء بياضهنّ وحسنهن ، كاللؤلؤ المكنون الذي قد صين في كِنٍّ . وقوله : { جَزَاءً بِمَا كانُوا يَعْمَلُونَ } يقول تعالى ذكره : ثواباً لهم من الله بأعمالهم التي كانوا يعملونها في الدنيا ، وعوضاً من طاعتهم إياه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو هشام الرفاعيّ ، قال : ثنا ابن يمان ، عن ابن عُيينة ، عن عمرو ، عن الحسن { وحُورٌ عِينٌ } قال : شديدة السواد : سواد العين ، شديدة البياض : بياض العين . قال : ثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن رجل ، عن الضحاك { وحُورٌ عِينٌ } قال : بِيض عِين ، قال : عظام الأعين . حدثنا ابن عباس الدوريّ ، قال : ثنا حجاج ، قال : قال ابن جُرَيج ، عن عطاء الخُراسانيّ ، عن ابن عباس ، قال : الحُور : سُود الحَدَق . حدثنا الحسن بن عرفة ، قال : ثنا إبراهيم بن محمد الأسلميّ ، عن عباد بن منصور الباجيّ ، أنه سمع الحسن البصريّ يقول : الحُور : صوالح نساء بني آدم . قال : ثنا إبراهيم بن محمد ، عن ليث بن أبي سليم ، قال : بلغني أن الحور العين خُلقن من الزعفران . حدثنا الحسن بن يزيد الطحان ، قال : حدثتنا عائشة امرأة ليث ، عن ليث ، عن مجاهد ، قال : خلق الحُور العين من الزعفران . حدثني محمد بن عبيد المحاربي ، قال : ثنا عمرو بن سعد ، قال : سمعت ليثاً ، ثني ، عن مجاهد ، قال : حور العين خُلقن من الزعفران . وقال آخرون : بل معنى قوله : { حُورٌ } أنهنّ يحار فيهنّ الطرف . ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو هشام ، قال : ثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن رجل ، عن مجاهد { وحُورٌ عِينٌ } قال : يحار فيهنّ الطرف . وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله : { كأمْثالِ اللُّؤْلُؤِ } قال أهل التأويل ، وجاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . حدثنا أحمد بن عبد الرحمن ، قال : ثنا أحمد بن الفرج الصَّدَفيّ الدِّمْياطيّ ، عن عمرو بن هاشم ، عن ابن أبي كريمة ، عن هشام بن حسان ، عن الحسن ، عن أمه ، عن أمّ سلمة ، قالت : قلت يا رسول الله أخبرني عن قول الله { كأمْثالِ اللُّؤلُؤِ المَكْنُونِ } قال : " صفاؤُهُنَّ كَصَفاءِ الدُّرّ الَّذِي فِي الأصْدَافِ الَّذِي لا تَمُسُّهُ الأيْدي " . وقوله : { لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تأثِيماً } يقول : لا يسمعون فيها باطلاً من القول ولا تأثيماً ، يقول : ليس فيها ما يُؤثمهم . وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة يقول : { لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأثِيماً } والتأثيم لا يُسمع ، وإنما يُسمع اللغو ، كما قيل : أكلت خبزاً ولبناً ، واللبن لا يُؤكل ، فجازت إذ كان معه شيء يؤكل . وقوله : { إلاَّ قِيلاً سَلاماً سّلاماً } يقول : لا يسمعون فيها من القول إلا قيلاً سلاماً : أي أسلم مما تكره . وفي نصب قوله : { سَلاماً سَلاماً } وجهان : إن شئت جعلته تابعاً للقيل ، ويكون السلام حينئذٍ هو القيل ، فكأنه قيل : لا يسمعون فيها لغواً ولا تأثيماً ، إلا سلاماً سلاماً ، ولكنهم يسمعون سلاماً سلاماً . والثاني : أن يكون نصبه بوقوع القيل عليه ، فيكون معناه حينئذٍ : إلا قيلَ سلامٍ فإن نوّن نصب قوله : { سَلاماً سَلاماً } بوقوع قِيلٍ عليه .