Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 57, Ayat: 19-19)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ذكره : والذين أقرّوا بوحدانية الله وإرساله رسله ، فصدّقوا الرسل وآمنوا بما جاؤوهم به من عند ربهم ، أولئك هم الصِّدِّيقون . وقوله : { والشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ } اختلف أهل التأويل في ذلك ، فقال بعضهم : والشهداء عند ربهم منفصل من الذي قبله ، والخبر عن الذين آمنوا بالله ورسله ، متناه عند قوله : { الصّدّيقُونَ } ، والصدّيقون مرفوعون بقوله : هم ، ثم ابتدىء الخبر عن الشهداء فقيل : والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم ، والشهداء في قولهم مرفوعون بقوله : { لَهُمْ أجْرَهُمْ وَنُورُهُمْ } . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله : { وَالَّذِينَ آمَنُوا باللّهِ وَرُسِلِهِ أُولَئِكَ هُمْ الصّدّيقُونَ } قال : هذه مفصولة { والشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ } . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن أبي الضحى ، عن مسروق { أُولَئِكَ هُمُ الصّديقُونَ والشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ } قال : هي للشهداء خاصة . حدثنا ابن حُمَيد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، قال : هي خاصة للشهداء . قال : ثنا مهران ، عن سفيان عن أبي الضحى { أُولَئِكَ هُمُ الصّدّيقُونَ } ثم استأنف الكلام فقال : والشهداء عند ربهم . حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : { وَالَّذِينَ آمَنُوا باللّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصّدّيقُون } هذه مفصولة ، سماهم الله صدّيقين بأنهم آمنوا بالله وصدّقوا رسله ، ثم قال : { والشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ } هذه مفصولة . وقال آخرون : بل قوله : { والشهداء } من صفة الذين آمنوا بالله ورسله قالوا : إنما تناهى الخبر عن الذين آمنوا عند قوله : { والشُهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ } ثم ابتدىء الخبر عما لهم ، فقيل : لهم أجرهم ونورهم . ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، قال : أخبرنا أبو قيس أنه سمع هذيلاً يحدّث ، قال : ذكروا الشهداء ، فقال عبد الله : الرجل يقاتل للذكر ، والرجل يقاتل ليرى مكانه ، والرجل يقاتل للدنيا ، والرجل يقاتل للسمعة ، والرجل يقاتل للمغنم قال شعبة شيئاً هذا معناه : والرجل يقاتل يريد وجه الله ، والرجل يموت على فراشه وهو شهيد ، وقرأ عبد الله هذه الآية { وَالَّذِينَ آمَنُوا باللّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصّدّيقُونَ والشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ } . حدثنا ابن حُمَيد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، وليث عن مجاهد { والَّذِينَ آمَنُوا باللّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصّدّيقُونَ والشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أجْرُهُم وَنُورُهُمْ } قال : كلّ مؤمن شهيد ، ثم قرأها . حدثني صالح بن حرب أبو معمر ، قال : ثنا إسماعيل بن يحيى ، قال : ثنا ابن عجلان ، عن زيد بن أسلم ، عن البراء بن عازب ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " مُؤْمِنُو أُمَّتِي شُهَداءُ " . قال : ثم تلا النبيّ صلى الله عليه وسلم هذه الآية { وَالَّذِينَ آمَنُوا باللّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصّدّيقُونَ والشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ } . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { الصّدّيقُونَ والشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ } قال : بالإيمان على أنفسهم بالله . وقال آخرون : الشهداء عند ربهم في هذا الموضع : النبيون الذين يشهدون على أممهم من قول الله عزّ وجلّ { فَكَيْفَ إذَا جِئْنا مِنْ كُلّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ على هَؤُلاءِ شَهِيداً } والذي هو أولى الأقوال عندي في ذلك بالصواب قول من قال : الكلام والخبر عن الذين آمنوا ، متناه عند قوله : { أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ } وإن قوله : { والشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ } خبر مبتدأ عن الشهداء . وإنما قلنا : إن ذلك أولى الأقوال في ذلك بالصواب ، لأن ذلك هو الأغلب من معانيه في الظاهر ، وأنّ الإيمان غير موجب في المتعارف للمؤمن اسم شهيد لا بمعنى غيره ، إلا أن يُراد به شهيد على ما آمن به وصدّقه ، فيكون ذلك وجهاً ، وإن كان فيه بعض البعد ، لأن ذلك ليس بالمعروف من معانيه ، إذا أطلق بغير وصل ، فتأويل قوله : { والشُهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ } إذن والشهداء الذين قُتلوا في سبيل الله ، أو هلكوا في سبيله عند ربهم ، لهم ثواب الله إياهم في الآخرة ونورهم . وقوله : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا وكَذَّبُوا بآياتِنا أُولَئِكَ أصحَابُ الجَحِيمِ } يقول تعالى ذكره : والذين كفروا بالله وكذّبوا بأدلته وحججه ، أولئك أصحاب الجحيم .