Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 58, Ayat: 3-3)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول جلّ ثناؤه : والذين يقولون لنسائهم : أنتنّ علينا كظهور أمهاتنا . وقوله : { ثُمَّ يَعُودُونَ لمَا قالُوا } اختلف أهل العلم في معنى العود لما قال المظاهر ، فقال بعضهم : هو الرجوع في تحريم ما حرّم على نفسه من زوجته التي كانت له حلالاً قبل تظاهره ، فيحلها بعد تحريمه إياها على نفسه بعزمه على غشيانها ووطئها . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الأعلى ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا } قال : يريد أن يغشى بعد قوله . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، مثله . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا } قال : حرّمها ، ثم يريد أن يعود لها فيطأها . وقال آخرون نحو هذا القول ، إلا أنهم قالوا : إمساكه إياها بعد تظهيره منها ، وتركه فراقها عود منه لما قال ، عَزَم على الوطء أو لم يعزم . وكان أبو العالية يقول : معنى قوله : { لِمَا قالُوا } : فيما قالوا . حدثنا ابن المثنى ، قال : ثني عبد الأعلى ، قال : ثنا داود ، قال : سمعت أبا العالية يقول في قوله : { ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا } : أي يرجع فيه . واختلف أهل العربية في معنى ذلك ، فقال بعض نحويي البصرة في ذلك المعنى : فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ، فمن لم يجد فصيام ، فإطعام ستين مسكيناً ، ثم يعودون لما قالوا إنا لا نفعله فيفعلونه هذا الظهار ، يقول : هي عليّ كظهر أمي ، وما أشبه هذا من الكلام ، فإذا أعتق رقبة أو أطعم ستين مسكيناً عاد لما قد قال : هو عليّ حرام يفعله . وكأن قائل هذا القول كان يرى أن هذا من المقدّم الذي معناه التأخير . وقال بعض نحويي الكوفة { ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا } يصلح فيها في العربية : ثم يعودون إلى ما قالوا ، وفيما قالوا ، يريدون النكاح ، يريد : يرجعون عما قالوا ، وفي نقض ما قالوا ، قال : ويجوز في العربية أن تقول : إن عاد لما فعل ، تريد إن فعل مرّة أخرى ، ويجوز إن عاد لما فعل : إن نقض ما فعل ، وهو كما تقول : حلف أن يضربك ، فيكون معناه : حلف لا يضربك ، وحلف ليضربنك . والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : معنى اللام في قوله { لِمَا قالُوا } بمعنى إلى أو في ، لأن معنى الكلام : ثم يعودون لنقض ما قالوا من التحريم فيحللونه . وإن قيل معناه : ثم يعودون إلى تحليل ما حرّموا ، أو في تحليل ما حرّموا فصواب ، لأن كلّ ذلك عود له ، فتأويل الكلام : ثم يعودون لتحليل ما حرّموا على أنفسهم مما أحله الله لهم . وقوله : { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أنْ يَتمَاسَّا } يقول : فعليه تحرير رقبة ، يعني عتق رقبة عبد أو أمة ، من قبل أن يماسّ الرجل المظاهر امرأته التي ظاهر منها أو تماسه . واختلف في المعنى بالمسيس في هذا الموضع نظير اختلافهم في قوله : { وَإنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أنْ تَمَسُّوهُنَّ } وقد ذكرنا ذلك هنالك . وسنذكر بعض ما لم نذكره هنالك : حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : { وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قالُوا } فهو الرجل يقول لامرأته : أنت عليّ كظهر أمي فإذا قال ذلك ، فليس يحلّ له أن يقربها بنكاح ولا غيره حتى يكفر عن يمينه بعتق رقبة { فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا } والمسّ : النكاح { فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً } وإن هو قال لها : أنت عليّ كظهر أمي إن فعلت كذا وكذا ، فليس يقع في ذلك ظهار حتى يحنث ، فإن حنث فلا يقربها حتى يكفِّر ، ولا يقع في الظهار طلاق . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا ابن أبي عديّ ، قال : ثنا أشعث ، عن الحسن أنه كان لا يرى بأساً أن يغشى المظاهِرُ دون الفرج . حدثنا عليّ بن سهل ، قال : ثنا زيد ، قال : قال سفيان : إنما المظاهرة عن الجماع ولم ير بأساً أن يقضي حاجته دون الفرج أو فوق الفرج ، أو حيث يشاء ، أو يباشر . وقال آخرون : عني بذلك كلّ معاني المسيس ، وقالوا : الآية على العموم . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا وهيب ، عن يونس ، قال : بلغني عن الحسن أنه كره للمظاهر المسيس . وقوله : { ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ } يقول تعالى ذكره : أوجب ربكم ذلك عليكم عظة لكم تتعظون به ، فتنتهون عن الظهار وقول الزور { واللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبُيرٌ } يقول تعالى ذكره : والله بأعمالكم التي تعملونها أيها الناس ذو خبرة لا يخفى عليه شيء منها ، وهو مجازيكم عليها ، فانتهوا عن قول المنكر والزور .