Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 141-141)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وهذا إعلام من الله تعالى ذكره ما أنعم به عليهم من فضله ، وتنبيه منه لهم على موضع إحسانه ، وتعريف منه لهم ما أحلّ وحرّم وقسمَ في أموالهم من الحقوق لمن قسم له فيها حقًّا . يقول تعالى ذكره : وربكم أيها الناس { أنْشَأ } : أي أحدث وابتدع خلقاً ، لا الآلهة والأصنام ، { جَنَّاتٍ } يعني : بساتين ، { مَعْرُوشاتٍ } وهي ما عرش الناس من الكروم ، { وغيرَ مَعْرُوشاتٍ } : غير مرفوعات مبنيات ، لا ينبته الناس ولا يرفعونه ، ولكن الله يرفعه وينبته وينميه . كما : حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : { مَعْرُوشاتٍ } يقول : مسموكات . وبه عن ابن عباس : { وَهُوَ الَّذِي أنْشأَ جَنَّاتٍ مَعرُوشاتٍ وغيْرَ مَعْرُوشاتٍ } فالمعروشات : ما عَرَش الناس وغير معروشات : ما خرج في البرّ والجبال من الثمرات . حدثني محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : أما « جنات » فالبساتين وأما « المعروشات » : فما عُرِش كهيئة الكرم . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس ، قوله : { وَهُوَ الَّذِي أنْشأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ } قال : ما يُعْرَش من الكروم . { وغيرَ مَعْرُوشاتٍ } قال : ما لا يعرش من الكرم . القول في تأويل قوله تعالى : { والنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ والزَّيْتُونَ والرُّمَّانَ مُتَشابهاً وغيرَ مُتَشابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَره إذَا أثْمَرَ } . يقول جلّ ثناؤه : وأنشأ النخل والزرع مختلفاً أكله ، يعني بالأُكل : الثمر ، يقول : وخلق النخل والزرع مختلفاً ما يخرج منه مما يؤكل من الثمر والحبّ والزيتون والرمان ، متشابهاً وغير متشابه في الطعم ، منه الحلو والحامض والمزّ كما : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : { مُتَشابِهاً وغيرَ مُتَشابِهٍ } قال : متشابهاً في المنظر ، وغير متشابه في الطعم . وأما قوله : { كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إذَا أْثمَرَ } فإنه يقول : كلوا من رطبه ما كان رطباً ثمره . كما : حدثني المثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا أبو همام الأهوازي ، قال : ثنا موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب ، في قوله : { كُلُوا مِنْ ثَمَره إذَا أْثمَرَ } قال : من رطبه وعنبه . حدثنا عمرو بن عليّ ، قال : ثنا محمد بن الزبرقان ، قال : ثنا موسى بن عبيدة في قوله : { كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إذَا أثْمَرَ } قال : من رطبه وعنبه . القول في تأويل قوله تعالى : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } . اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : هذا أمر من الله بإيتاء الصدقة المفروضة من الثمر والحبّ . ذكر من قال ذلك : حدثنا عمرو بن عليّ ، قال : ثنا يزيد بن زريع ، قال : ثنا يونس ، عن الحسن ، في قوله : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَاده } قال : الزكاة . حدثنا عمرو ، قال : ثنا عبد الصمد ، قال : ثنا يزيد بن درهم ، قال : سمعت أنس بن مالك يقول : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَاده } قال : الزكاة المفروضة . حدثنا عمرو ، قال : ثنا معلى بن أسد ، قال : ثنا عبد الواحد بن زياد ، قال : ثنا الحجاج بن أرطاة ، عن الحكم ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، في قوله : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قال : العشر ونصف العشر . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا هانىء بن سعيد ، عن حجاج ، عن محمد بن عبيد الله ، عن عبد الله بن شداد ، عن ابن عباس : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قال : العشر ونصف العشر . حدثنا عمرو بن عليّ وابن وكيع وابن بشار ، قالوا : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا إبراهيم بن نافع المكيّ ، عن ابن عباس ، عن أبيه ، في قوله : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قال : الزكاة . حدثنا عمرو ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا أبو هلال ، عن حيان الأعرج ، عن جابر بن زيد : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قال : الزكاة . حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، قال : أخبرنا يونس ، عن الحسن ، في قوله : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قال : هي الصدقة . قال : ثم سئل عنها مرّة أخرى ، فقال : هي الصدقة من الحبّ والثمار . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا محمد بن بكر ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني أبو بكر بن عبد الله ، عن عمرو بن سليمان وغيره ، عن سعيد بن المسيب ، أنه قال : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قال : الصدقة المفروضة . حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قال : هي الصدقة من الحبّ والثمار . حدثني المثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } يعني بحقه : زكاته المفروضة ، يوم يُكال أو يُعلم كيله . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِه } وذلك أن الرجل كان إذا زرع فكان يوم حصاده ، وهو أن يعلم ما كيله وحقه ، فيخرج من كلّ عشرة واحداً ، وما يلتقط الناس من سنبله . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } وحقه يوم حصاده : الصدقة المفروضة ، ذُكِر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم سنّ فيما سقت السماء أو العين السائحة ، أو سقاه الطلّ - والطلّ الندى - أو كان بعلاً العشر كاملاً وإن سقى برشاء : نصف العشر . قال قتادة : وهذا فيما يكال من الثمرة ، وكان هذا إذا بلغت الثمرة خمسة أوسق ، وذلك ثلاثمائة صاع ، فقد حقّ فيها الزكاة ، وكانوا يستحبون أن يعطوا مما لا يكال من الثمرة على قدر ذلك . حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة وطاوس : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قالا : هو الزكاة . حدثني المثنى ، قال : ثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن الحجاج ، عن سالم المكيّ ، عن محمد ابن الحنفية ، قوله : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قال : يوم كيله ، يعطي العشر أو نصف العشر . حدثني المثنى ، قال : ثنا الحماني ، قال : ثنا شريك ، عن سالم المكيّ ، عن محمد ابن الحنفية ، قوله : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قال : العشر ، ونصف العشر . حدثني المثنى ، قال : ثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، وعن قتادة : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْم حَصَادِهِ } قالا : الزكاة . حدثني المثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا أبو معاوية الضرير ، عن الحجاج ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قال : العشر ونصف العشر . حدثني المثنى ، قال : ثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن شريك ، عن الحكم بن عتيبة ، عن ابن عباس ، مثله . حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : أخبرنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك ، يقول في قوله : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ } يعني : يوم كيله ما كان من برّ أو تمر أو زبيب . وحقه : زكاته . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إذَا أثْمَرَ ، وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قال : كل منه ، وإذا حصدته فآت حقه . وحقه : عشوره . حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن يونس بن عبيد ، عن الحسن أنه قال في هذه الآية : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قال : الزكاة إذا كِلْته . حدثنا عمرو ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن أبي رجاء ، قال : سألت الحسن ، عن قوله : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قال : الزكاة . حدثني ابن البرقي ، قال : ثنا عمرو بن أبي سلمة ، قال : سألت ابن زيد بن أسلم عن قول الله : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } فقلت له : هو العشور ؟ قال : نعم ، فقلت له : عن أبيك ؟ قال : عن أبي وغيره . وقال آخرون : بل ذلك حقّ أوجبه الله في أموال أهل الأموال ، غير الصدقة المفروضة . ذكر من قال ذلك : حدثنا عمرو بن عليّ ، قال : ثنا عبد الوهاب ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، عن أبيه : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قال : شيئاً سوى الحقّ الواجب . قال : وكان في كتابه « عن عليّ بن الحسين » . حدثنا عمرو ، قال : ثنا يحيى ، قال : ثنا عبد الملك ، عن عطاء ، في قوله : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قال : القبضة من الطعام . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا محمد بن بكر ، عن ابن جرير ، عن عطاء : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قال : من النخل والعنب والحبّ كله . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا محمد بن بكر ، عن ابن جريج ، قال : قلت لعطاء : أرأيت ما حصدت من الفواكه ؟ قال : ومنها أيضاً تؤتي . وقال : من كلّ شيء حصدت تؤتي منه حقه يوم حصاده ، من نخل أو عنب أو حبّ أو فواكه أو خضر أو قصب ، من كلّ شيء من ذلك . قلت لعطاء : أواجب على الناس ذلك كله ؟ قال : نعم ثم تلا : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } . قال : قلت لعطاء : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } هل في ذلك شيء مؤقت معلوم ؟ قال : لا . حدثني المثنى ، قال : ثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن عبد الملك ، عن عطاء ، في قوله : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قال : يعطي من حصاده يومئذٍ ما تيسر ، وليس بالزكاة . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا عيسى بن يونس ، عن عبد الملك ، عن عطاء : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حصَادِهِ } قال : ليس بالزكاة ، ولكن يطعم من حضره ساعتئذ حَصَده . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا جرير ، عن العلاء بن المسيب ، عن حماد : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قال : كانوا يعطون رطباً . حدثنا ابن حميد وابن وكيع ، قالا : ثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قال : إذا حضرك المساكين طرحتَ لهم منه ، وإذا أنقيته وأخذت في كيله حثوت لهم منه ، وإذا علمت كيله عزلت زكاته ، وإذا أخذت في جذاذ النخل طرحت لهم من التفاريق وإذا أخذت في كيله حثوت لهم منه ، وإذا علمت كيله عزلت زكاته . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا جرير ، عن ليث ، عن مجاهد : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قال : سوى الفريضة . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن عمرو ، عن منصور ، عن مجاهد : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قال : يُلِقي إلى السَّؤَّال عند الحصاد من السنبل ، فإذا طبن أو طين الشكّ من أبي جعفر ألقى إليهم . فإذا حمله فأراد أن يجعله كُدْساً ألقى إليهم ، وإذا داس أطعم منه ، وإذا فرغ وعلم كم كيله عزل زكاته . وقال : في النخل عند الجَذَاذ يطعم من الثمرة والشماريخ ، فإذا كان عند كيله أطعم من التمر ، فإذا فرغ عزل زكاته . حدثنا عمرو بن عليّ ومحمد بن بشار ، قالا : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، قوله : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قال : إذا حصد الزرع ألقى من السنبل ، وإذا جلّ النخل ألقى من الشماريخ ، فإذا كاله زكَّاه . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : عند الحصاد ، وعند الدِّياس ، وعند الصرام يقبض لهم منه ، فإذا كاله عزل زكاته . وبه عن سفيان ، عن مجاهد مثله ، إلا أنه قال : سوى الزكاة . حدثنا عمرو بن عليّ ، قال : ثنا يحيى بن سعيد ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قال : شيء سوى الزكاة في الحصاد والجذاذ ، إذا حصدوا وإذا جدّوا . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، في قول الله : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قال : واجب حين يصرم . حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن منصور ، عن مجاهد أنه قال : قال في هذه الآية : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قال : إذا حصد أطعم ، وإذا أدخله البيدر ، وإذا داسه أطعم منه . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن أشعث ، عن ابن عمر ، قال : يطعم المُعترَّ سوى ما يعطي من العشر ونصف العشر . وبه عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، قال : قبضة عند الحصاد ، وقبضة عند الجَذَاذ . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا حفص ، عن أشعث ، عن ابن سيرين ، قال : كانوا يعطون من اعترَّ بهم الشيء . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن حماد ، عن إبراهيم ، قال : الضِّغْث . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا يحيى بن سعيد ، عن سفيان ، عن حماد ، عن إبراهيم ، قال : يعطي مثل الضغث . حدثنا عمرو بن عليّ ، قال : ثنا يحيى بن سعيد ، قال : ثنا سفيان ، قال : ثنا حماد ، عن إبراهيم : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قال : مثل هذا من الضغث . ووضع يحيى إصبعه الإبهام على المفصل الثاني من السبَّابة . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن سفيان ، عن حماد ، عن إبراهيم ، قال : نحو الضعث . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن أبي جعفر ، عن سفيان ، عن حماد ، عن إبراهيم ، قال : يعطي ضغثاً . حدثنا عمرو بن عليّ ، قال : ثنا كثير بن هشام ، قال : ثنا جعفر بن برقان ، عن يزيد بن الأصمّ ، قال : كان النخل إذا صُرم يجيء الرجل بالعِذق من نخله فيعلقه في جانب المسجد ، فيجيء المسكين فيضربه بعصاه ، فإذا تناثر أكل منه . فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه حسن أو حسين ، فتناول تمرة ، فانتزعها من فيه ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لايأكل الصدقة ، ولا أهل بيته . فذلك قوله : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا خالد بن حيان ، عن جعفر بن برقان ، عن ميمون بن مهران ، ويزيد بن الأصمّ ، قالا : كان أهل المدينة إذا صَرموا يجيئون بالعذق فيضعونه في المسجد ، ثم يجيء السائل فيضربه بعصاه ، فيسقط منه ، وهو قوله : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } . حدثنا عليّ بن سهل ، قال : ثنا زيد بن أبي الزرقاء ، عن جعفر ، عن يزيد وميمون ، في قوله : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قالا : كان الرجل إذا جذّ النخل يجيء بالعذق فيعلقه في جانب المسجد ، فيأتيه المسكين فيضربه بعصاه ، فيأكل ما يتناثر منه . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا عبيد الله ، عن أبي جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قال : لَقَطُ السنبل . حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن عبد الكريم الجزريّ ، عن مجاهد ، قال : كانوا يعلقون العذق في المسجد عند الصرام ، فيأكل منه الضعيف . وبه عن معمر ، قال : قال مجاهد : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } يطعم الشيء عند صرامه . حدثني المثنى ، قال : ثنا الحماني ، قال : ثنا شريك ، عن سالم ، عن سعيد بن جبير : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قال : الضغث وما يقع من السنبل . وبه عن سالم ، عن سعيد : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قال : العلف . حدثني المثنى ، قال : ثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن شريك ، عن سالم ، عن سعيد ، في قوله : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قال : كان هذا قبل الزكاة للمساكين ، القبضة والضغث لعلف دابته . حدثنا عمرو بن عليّ ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا محمد بن رفاعة ، عن محمد بن كعب ، في قوله : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قال : ما قلّ منه أو كثر . حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن ابن أبي نجيح : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قال : عند الزرع يعطي القبض ، وعند الصرام يعطي القبض ، ويتركهم فيتتبعون آثار الصرام . وقال آخرون : كان هذا شيئاً أمر الله به المؤمنين قبل أن تفرض عليهم الصدقة المؤقتة ، ثم نسخته الصدقة المعلومة ، فلا فرض في مال كائناً ما كان زرعاً كان أو غرساً ، إلا الصدقة التي فرضها الله فيه . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن حجاج ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس ، قال : نسخها العشر ونصف العشر . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا حفص ، عن الحجاج ، عن الحكم ، عن ابن عباس ، قال : نسخها العشر ونصف العشر . وبه عن حجاج ، عن سالم ، عن ابن الحنفية ، قال : نسخها العشر ، ونصف العشر . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا يحيى بن آدم ، عن شريك ، عن سالم ، عن سعيد بن جبير : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قال : هذا قبل الزكاة ، فلما نزلت الزكاة نسختها ، فكانوا يعطون الضغث . حدثنا ابن حميد وأبو وكيع ، قالا : ثنا جرير ، عن مغيرة ، عن شباك ، عن إبراهيم : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قال : كانوا يفعلون ذلك حتى سنّ العشر ونصف العشر فلما سنّ العشر ونصف العشر ترك . حدثنا عمرو بن عليّ ، قال : ثنا عبد الرحمن بن مهديّ ، قال : ثنا سفيان ، عن مغيرة ، عن شباك ، عن إبراهيم : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قال : هي منسوخة ، نسختها العشر ونصف العشر . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا يحيى ، عن سفيان ، عن المغيرة ، عن إبراهيم : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قال : نسختها العشر ونصف العشر . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن مغيرة ، عن شباك ، عن إبراهيم ، قال : نسختها العشر ونصف العشر . وبه عن سفيان ، عن يونس ، عن الحسن ، قال : نسختها الزكاة . وبه عن سفيان ، عن السديّ ، قال : نسختها الزكاة : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } . حدثني يعقوب ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا مغيرة ، عن شباك ، عن إبراهيم ، في قوله : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قال : هذه السورة مكية نسختها العشر ونصف العشر ، قلت : عمن ؟ قال : عن العلماء . وبه عن سفيان ، عن مغيرة ، عن شباك ، عن إبراهيم ، قال : نسختها العشر ونصف العشر . حدثني محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ ، أما : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِْ } فكانوا إذا مرّ بهم أحد يوم الحصاد أو الجذاذ أطعموه منه ، فنسخها الله عنهم بالزكاة ، وكان فيما أنبتت الأرض العشر ونصف العشر . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا عبد الأعلى ، عن يونس ، عن الحسن ، قال : كانوا يرضخون لقرابتهم من المشركين . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن إدريس ، عن أبيه ، عن عطية : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قال : نسخه العشر ونصف العشر كانوا يعطون إذا حصدوا وإذا ذروا ، فنسختها العشر ونصف العشر . وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب ، قول من قال : كان ذلك فرضاً فرضه الله على المؤمنين في طعامهم وثمارهم التي تخرجها زروعهم وغروسهم ، ثم نسخه الله بالصدقة المفروضة ، والوظيفة المعلومة من العشر ونصف العشر وذلك أن الجميع مجمعون لا خلاف بينهم أن صدقة الحرث لا تؤخذ إلا بعد الدياس والتنقية والتذرية ، وأن صدقة التمر لا تؤخذ إلا بعد الجفاف . فإذا كان ذلك كذلك ، وكان قوله جلّ ثناؤه : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } ينبىء عن أنه أمر من الله جلّ ثناؤه بإيتاء حقه يوم حصاده ، وكان يوم حصاده هو يوم جدّه وقطعه والحبّ لا شكّ أنه في ذلك اليوم في سنبله ، والثمر وإن كان ثمر نخل أو كرم غير مستحكم جفوفه ويبسه ، وكانت الصدقة من الحبّ إنما تؤخذ بعد دياسه وتذريته وتنقيته كيلاً ، والتمر إنما تؤخذ صدقته بعد استحكام يبسه وجفوفه كيلاً عُلم أن ما يؤخذ صدقة بعد حين حصده غير الذي يجب إيتاؤه المساكين يوم حصاده . فإن قال قائل : وما تنكر أن يكون ذلك إيجاباً من الله في المال حقاً سوى الصدقة المفروضة ؟ قيل : لأنه لا يخلو أن يكون ذلك فرضاً واجباً أو نفلاً ، فإن يكن فرضاً واجباً فقد وجب أن يكون سبيله سبيل الصدقات المفروضات التي من فرَّط في أدائها إلى أهلها كان بربه آثماً ولأمره مخالفاً ، وفي قيام الحجة بأن لا فرض لله في المال بعد الزكاة يجب وجوب الزكاة سوى ما يجب من النفقة لمن يلزم المرء نفقته ما ينبيء عن أن ذلك ليس كذلك . أو يكون ذلك نفلاً ، فإن يكن ذلك كذلك فقد وجب أن يكون الخيار في إعطاء ذلك إلى ربّ الحرث والثمر ، وفي إيجاب القائلين بوجوب ذلك ما ينبيء عن أن ذلك ليس كذلك . وإذا خرجت الآية من أن يكون مراداً بها الندب ، وكان غير جائز أن يكون لها مخرج في وجوب الفرض بها في هذا الوقت ، علم أنها منسوخة . ومما يؤيد ما قلنا في ذلك من القول دليلاً على صحته ، أنه جلّ ثناؤه أتبع قوله : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } { وَلا تُسْرِفُوا إنَّهُ لا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ } ومعلوم أن من حكم الله في عباده مذ فرض في أموالهم الصدقة المفروضة المؤقتة القدر ، أن القائم بأخذ ذلك ساستهم ورعاتهم . وإذا كان ذلك كذلك ، فما وجه نهي ربّ المال عن الإسراف في إيتاء ذلك ، والآخذ مجبرٌ ، وإنما يأخذ الحقّ الذي فرض الله فيه ؟ . فإن ظنّ ظانّ أن ذلك إنما هو نهي من الله القِّيمَ بأخذ ذلك من الرعاة عن التعدّي في مال ربّ المال والتجاوز إلى أخذ ما لم يبح له أخذه ، فإن آخر الآية ، وهو قوله : { وَلا تُسْرِفُوا } معطوف على أوّله وهو قوله : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } . فإن كان المنهي عن الإسراف القيم بقبض ذلك ، فقد يجب أن يكون المأمور بإيتانه المنهي عن الإسراف فيه ، وهو السلطان . وذلك قولٌ إن قاله قائل ، كان خارجاً من قول جميع أهل التأويل ومخالفاً المعهود من الخطاب ، وكفى بذلك شاهداً على خطئه . فإن قال قائل : وما تنكر أن يكون معنى قوله : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } : وآتوا حقه يوم كيله ، لا يوم فَصْله وقطعه ، ولا يوم جَذَاذه وقطافه ، فقد علمت من قال ذلك من أهل التأويل ؟ وذلك ما : حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك ، في قوله : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قال : يوم كيله . وحدثنا المثنى ، قال : ثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن الحجاج ، عن سالم المكيّ ، عن محمد ابن الحنفية ، قوله : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قال : يوم كيله يعطي العشر ونصف العشر . مع آخرين ، قد ذُكرت الرواية فيما مضى عنهم بذلك ؟ قيل : لأن يوم كيله غير يوم حصاده . ولن يخلو معنى قائلي هذا القول من أحد أمرين : إما أن يكونوا وجهوا معنى الحصاد إلى معنى الكيل ، فذلك ما لا يعقل في كلام العرب لأن الحصاد والحصد في كلامهم الجذّ والقطع ، لا الكيل . أو يكونوا وجهوا تأويل قوله : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } إلى وآتوا حقه بعد يوم حصاده إذا كلتموه . فذلك خلاف ظاهر التنزيل ، وذلك أن الأمر في ظاهر التنزيل بإيتاء الحقّ منه يوم حصاده لا بعد يوم حصاده . ولا فرق بين قائل : إنما عنى الله بقوله : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } بعد يوم حصاده ، وآخر قال : عنى بذلك قبل يوم حصاده ، لأنهما جميعاً قائلان قولاً دليل ظاهر التنزيل بخلافه . القول في تأويل قوله تعالى : { وَلا تُسْرِفُوا إنَّهُ لا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ } . اختلف أهل التأويل في الإسراف الذي نهى الله عنه بهذه الآية ، ومن المنهي عنه . فقال بعضهم : المنهيّ عنه : ربّ النخل والزرع والثمر والسرف الذي نهى الله عنه في هذه الآية ، مجاوزة القدر في العطية إلى ما يجحف بربّ المال . ذكر من قال ذلك : حدثنا عمرو بن عليّ ، قال : ثنا المعتمر بن سليمان ، قال : ثنا عاصم ، عن أبي العالية ، في قوله : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفُوا } … الآية ، قال : كانوا يعطون شيئاً سوى الزكاة ، ثم تسارفوا ، فأنزل الله : { وَلا تُسْرِفُوا إنَّهُ لا يُحِبُّ المُسْرِفينَ } . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا معتمر بن سليمان ، عن عاصم الأحول ، عن أبي العالية : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قال : كانوا يعطون يوم الحصاد شيئاً سوى الزكاة ، ثم تباروا فيه وأسرفوا ، فقال الله : { وَلا تُسْرِفُوا إنَّهُ لا يُحِبُّ المُسْرِفينَ } . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا معتمر بن سليمان ، عن عاصم الأحول ، عن أبي العالية : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } قال : كانوا يعطون يوم الحصاد شيئاً ، ثم تسارفوا ، فقال الله : { وَلا تُسْرِفُوا إنَّهُ لا يِحِبُّ المُسْرِفِينَ } . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : نزلت في ثابت بن قيس بن شماس ، جَذَّ نخلاً فقال : لا يأتينّ اليوم أحد إلا أطعمته فأطعم حتى أمسى وليست له ثمرة ، فقال الله : { وَلا تُسْرِفُوا إنَّهُ لا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ } . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا محمد بن بكر ، عن ابن جريج ، قال : قلت لعطاء : { وَلا تُسْرِفُوا } يقول : لا تسرفوا فيما يؤتى يوم الحصاد ، أم في كلّ شيء ؟ قال : بلى في كلّ شيء ينهى عن السرف . قال : ثم عاودته بعد حين ، فقلت : ما قوله : { وَلا تُسْرِفُوا إنَّهُ لا يُحِبُّ المُسْرِفينَ } ؟ قال : ينهى عن السرف في كل شيء . ثم تلا : { لَمْ يُسْرِفُوا ولَمْ يَقْتُرُوا } حدثنا عمرو بن عليّ ، قال : ثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا سفيان بن حسين ، عن أبي بشر ، قال : أطاف الناس بإياس بن معاوية بالكوفة ، فسألوه : ما السرف ؟ فقال : ما تجاوز أمر الله فهو سرف . حدثني محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن مفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : { وَلا تُسْرِفُوا } لا تعطوا أموالكم فتغدوا فقراء . وقال آخرون : الإسراف الذي نهى الله عنه في هذا الموضع : منع الصدقة والحقّ الذي أمر الله ربّ المال بإيتائه أهله بقوله : { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا محمد بن بكر ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني أبو بكر بن عبد الله ، عن عمرو بن سليم وغيره ، عن سعيد بن المسيب ، في قوله : { وَلا تُسْرِفُوا } قال : لا تمنعوا الصدقة فتعصوا . حدثنا عمرو بن عليّ ، قال : ثنا محمد بن الزبرقان ، قال : ثنا محمد بن عبيدة ، عن محمد بن كعب : { وَلا تُسْرِفُوا إنَّهُ لا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ } والسرف : أن لا يعطي في حقّ . وقال آخرون : إنما خوطب بهذا السلطان : نهي أن يأخذ من ربّ المال فوق الذي ألزم الله ماله . ذكر من قال ذلك : حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال ابن زيد ، في قوله : { وَلا تُسْرِفُوا } قال : قال للسلطان : لا تسرفوا ، لا تأخذوا بغير حقّ فكانت هذه الآية بين السلطان وبين الناس ، يعني قوله : { كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إذَا أثْمَرَ } … الآية . والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : إن الله تعالى ذكره نهى بقوله : { ولاَ تُسْرِفُوا } عن جميع معاني الإسراف ، ولم يخصص منها معنى دون معنى . وإذ كان ذلك كذلك ، وكان الإسرف في كلام العرب : الإخطاء بإصابة الحقّ في العطية ، إما بتجاوز حدّه في الزيادة وإما بتقصير عن حدّه الواجب كان معلوماً أن المفرق ماله مباراة والباذله للناس حتى أجحفت به عطيته ، مسرف بتجاوزه حدّ الله إلى ما كيفته له ، وكذلك المقصر في بذله فيما ألزمه الله بذله فيه ، وذلك كمنعه ما ألزمه إيتاءه منه أهل سهمان الصدقة إذا وجبت فيه ، أو منعه من ألزمه الله نفقته من أهله وعياله ما ألزمه منها ، وكذلك السلطان في أخذه من رعيته ما لم يأذن الله بأخذه . كل هؤلاء فيما فعلوا من ذلك مسرفون ، داخلون في معنى من أتى ما نهى الله عنه من الإسراف بقوله : { وَلا تُسْرِفُوا } في عطيتكم من أموالكم ما يجحف بكم ، إذ كان ما قبله من الكلام أمراً من الله بإيتاء الواجب فيه أهله يوم حصاده ، فإن الآية قد كانت تنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب خاص من الأمور والحكم بها على العامّ ، بل عامة آي القرآن كذلك ، فكذلك قوله : { وَلا تُسْرِفُوا إنَّهُ لا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ } . ومن الدليل على صحة ما قلنا من معنى الإسراف أنه على ما قلنا قول الشاعر : @ أعْطَوْا هُنَيْدَةَ يَحْدوها ثَمانِيَةٌ ما في عَطائِهِمُ مَنّ وَلا سَرَفُ @@ يعني بالسرف : الخطأ في العطية .