Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 143-143)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وهذا تقريع من الله جلّ ثناؤه العادلين به الأوثان من عبدة الأصنام الذي بحّروا البحائر وسيَّبوا السوائب ووصلوا الوصائل ، وتعليم منه نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به ، الحجة عليهم في تحريمهم ما حرّموا من ذلك ، فقال للمؤمنين به وبرسوله : { وَهُوَ الَّذِي أنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وغيرَ مَعْرُوشاتٍ } ومن الأنعام أنشأ حمولة وفرشاً . ثم بين جلّ ثناؤه الحمولة والفرش ، فقال : { ثَمَانِيَةَ أزْوَاجٍ } وإنما نصب الثمانية ، لأنها ترجمة عن الحمولة والفرش وبدل منها كأن معنى الكلام : ومن الأنعام أنشأ ثمانية أزواج فلما قدَّم قبل الثمانية الحمولة والفرش بين ذلك بعد ، فقال : { ثَمانِيَةَ أزْوَاجٍ } على ذلك المعنى { مِن الضَّأْنِ اثْنَينِ وَمِنَ المعَزِ اثْنَيْنِ } فذلك أربعة ، لأن كلّ واحد من الاثنين من الضأن زوج ، فالأنثى منه زوج الذكر ، والذكر منه زوج الأنثى ، وكذلك ذلك من المعز ومن سائر الحيوان فلذلك قال جلّ ثناؤه : { ثَمانِيَةَ أزْوَاجٍ } كما قال : { وَمِنْ كلِّ شيء خلقْنَا زَوْجينِ } لأن الذكر زوج الأنثى والأنثى زوج الذكر ، فهما وإن كانا اثنين فهما زوجان ، كما قال جلّ ثناؤه : { وَجعلَ مِنهَا زَوْجهَا لِيْسكُنَ إليهَا } وكما قال : { أمْسِكْ عليْكَ زَوْجكَ } وكما : حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن جويبر ، عن الضحاك : { مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ } ذكر وأنثى ، { وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ } ذكر وأنثى ، { وَمِنَ الإبِلِ اثْنَيْنِ } ذكر وأنثى . ويقال للاثنين : هما زوج كما قال لبيد : @ مِنْ كُلّ مَحْفُوفٍ يُظِلُّ عِصِيَّهُ زَوْجٌ عَلَيْهِ كِلَّةٌ وَقِرَامُها @@ ثم قال لهم : كلوا مما رزقكم الله من هذه الثمار واللحوم ، واركبوا هذه الحمولة أيها المؤمنون ، فلا تتبعوا خطوات الشيطان في تحريم ما حرّم هؤلاء الجهلة بغير أمري إياهم بذلك . قل يا محمد لهؤلاء الذين حرّموا ما حرّموا من الحرث والأنعام ، اتباعاً للشيطان من عبدة الأوثان والأصنام الذين زعموا أن الله حرّم عليهم ما هم محرّمون من ذلك : { آلذَّكَرَيْنَ حَرَّمَ } ربكم أيها الكذبة على الله من الضأن والمعز ، فإنهم إن ادّعوا ذلك وأقرّوا به ، كذّبوا أنفسهم وأبانوا جهلهم ، لأنهم إذا قالوا : يحرّم الذكرين من ذلك ، أوجبوا تحريم كلّ ذكرين من ولد الضأن والمعز ، وهم يستمتعون بلحوم الذكران منها وظهورها ، وفي ذلك فساد دعواهم وتكذيب قولهم . { أمِ الأُنْثَيَيْنِ } فإنهم إن قالوا : حرّم ربنا الأنثيين ، أوجبوا تحريم لحوم كل أنثى من ولد الضأن والمعز على أنفسهم وظهورها ، وفي ذلك أيضاً تكذيب لهم ، ودحض دعواهم أن ربهم حرّم ذلك عليهم ، إذ كانوا يستمتعون بلحوم بعض ذلك وظهوره . { أمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أرْحامُ الأُنْثَيَيْنِ } يقول : أم حرّم ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين ، يعني أرحام أنثى الضأن وأنثى المعز فلذلك قال : أرحام الأنثيين . وفي ذلك أيضاً لو أقرّوا به فقالوا : حرّم علينا ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين ، بُطُول قولهم وبيان كذبهم ، لأنهم كانوا يقرّون بإقرارهم بذلك أن الله حرّم عليهم ذكور الضأن والمعز وإناثها أن يأكلوا لحومها أو يركبوا ظهورها ، وقد كانوا يستمتعون ببعض ذكورها وإناثها ، و « ما » التي في قوله : { أمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أرْحامُ الأُنْثَيَيْنِ } نصب عطفاً بها على « الأنثيين » . { نَبِّئُونِي بعِلْمٍ } يقول : قل لهم : خبروني بعلم ذلك على صحته ، أيّ ذلك حرّم ربكم عليكم وكيف حرّم ، { إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } فيما تنحلونه ربكم من دعواكم وتضيفونه إليه من تحريمكم . وإنما هذا إعلام من الله جلّ ثناؤه نبيه أن كل ما قاله هؤلاء المشركون في ذلك وأضافوه إلى الله ، فهو كذب على الله ، وأنه لم يحرّم شيئاً من ذلك ، وأنهم إنما اتبعوا في ذلك خطوات الشيطان ، وخالفوا أمره . وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { ثَمانِيَةَ أزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ المَعْزِ اثْنَيْنِ } … الآية ، إن كلّ هذا لم أحرّم منه قليلاً ولا كثيراً ذكراً ولا أنثى . حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ ومِنَ المَعْزِ اثْنَيْنِ } قال : سلهم { آلَّذكَرَيْنِ حَرَّمَ أمِ الأُنْثَيْنِ أمَّا اشْتَمَلْتْ عَلَيْهِ أرْحامُ الأُنْثَيَيْنِ } : أي لم أحرّم من هذا شيئاً . { بِعلْمٍ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } فذكر من الإبل والبقر نحو ذلك . حدثنا محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : { ثَمانِيَةَ أزْوَاجٍ } في شأن ما نهى الله عنه من البحيرة . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قوله : { ثَمانِيَةَ أزْوَاج } قال : هذا في شأن ما نهى الله عنه من البحائر والسيب . قال ابن جريج : يقول : من أين حرّمت هذا من قبل الذكرين أم من قِبَل الأنثيين ، أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين ؟ وإنها لا تشتمل إلا على ذكر أو أنثى ، فمن أين جاء التحريم ؟ فأجابوا هم : وجدنا آباءنا كذلك يفعلون . حدثني محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : { ثَمانِيَةَ أزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَينِ وَمِنَ المَعْز اثْنَيْن وَمِنَ البَقَر اثْنَيْن وَمِنَ الإبِل اثْنَيْن } ، يقول : أنزلت لكم ثمانية أزواج من هذا الذي عددت ذكر وأنثى ، فالذكرين حرّمت عليكم أم الأنثيين أمَّا اشتملت عليه أرحام الأنثيين ؟ يقول : أي ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين ما تشتمل إلا على ذكر أو أنثى ، فما حرّمت عليكم ذكراً ولا أنثى من الثمانية ، إنما ذكر هذا من أجل ما حرّموا من الأنعام . حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن : { أمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أرْحامُ الأُنْثَيَيْن } قال : ما حملت الرحم . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أمِ الأُنْثَيَيْن } قال : هذا لقولهم : { ما فِي بُطُونِ هَذِهِ الأنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورنا ومُحَرَّمٌ على أزْوَاجِنا } . قال : وقال ابن زيد في قوله : { ثَمانِيَةَ أزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْن اثْنِينَ وَمِنَ المَعْزِ اثْنَيْنِ } قال : الأنعام : هي الإبل والضأن والمعز ، هذه الأنعام التي قال الله ثمانية أزواج . قال : وقال في قوله : { هَذِهِ أنْعامٌ وحَرْثٌ حِجْرٌ } نحتجرها على من نريد وعمن نريد ، وقوله : { وأنْعامٌ حُرّمَتْ ظُهُورُها } قال : لا يركبها أحد ، { وأنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ الله عَلَيْها } فقال : { آلذَّكَرَيْن حَرَّم أم الأُنْثَيَيْنِ } أيّ هذين حرّم على هؤلاء ، أي أن تكون لهؤلاء حلاًّ وعلى هؤلاء حراماً . حدثني المثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : { ثَمانِيَةَ أزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ المَعز اثْنَيْن قُلْ الذَّكَريْن حَرَّمَ أم الأُنْثَيَيْن أمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْه أرْحامُ الأُنْثَيَيْن } يعني : هل تشتمل الرحم إلا على ذكر أو أنثى ، فهم يحرّمون بعضاً ويحلون بعضاً ؟ . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { ثمانِيَةَ أزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْن اثْنَيْن وَمِنَ المَعْز اثْنَيْن } فهذه أربعة أزواج ، { وَمِنَ الإبِل اثْنَيْنِ وَمِنَ البَقَر اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَينِ حَرَّمَ أمِ الأُنْثَيَيْنِ } يقول : لم أحرّم شيئاً من ذلك . { نَبِّئُونِي بعِلم إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } يقول : كله حلال . والضأن : جمع لا واحد له من لفظه ، وقد يجمع الضأن : الضَّئين والضِّئين ، مثل الشَّعير والشِّعير ، كما يجمع العبد على عَبِيد وعِبِيد . وأما الواحد من ذكوره فضائن ، والأنثى ضائنة ، وجمع الضائنة : ضوائن ، وكذلك المعز جمع على غير واحد ، وكذلك المعزى وأما الماعز ، فجمعه مواعز .