Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 145-145)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول جلّ ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد لهؤلاء الذين جعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيباً ولشركائهم من الآلهة والأنداد مثله والقائلين { هَذهِ أنعامٌ وحرْثٌ حِجْرٌ لا يطْعمُها إلاَّ مَنْ نشاءُ بِزَعمِهمْ } والمحرّمين من أنعام أُخَر ظهورها ، والتاركين ذكر اسم الله على أُخَر منها ، والمحرّمين بعض ما في بطون بعض أنعامهم على إناثهم وأزواجهم ومحلِّية لذكورهم ، المحرّمين ما رزقهم الله افتراء على الله ، وإضافة منهم ما يحرّمون من ذلك إلى أن الله هو الذي حرّمه عليهم : أجاءكم من الله رسول بتحريمه ذلك عليكم ، فأنبئونا به ، أم وصاكم الله بتحريمه مشاهدة منكم له فسمعتم منه تحريمه ذلك عليكم فحرّمتموه ؟ فإنكم كذبة إن ادّعيتم ذلك ولا يمكنكم دعواه ، لأنكم إذا ادّعيتموه علم الناس كذبكم ، فإني لا أجد فيما أوحي إليّ من كتابه وآي تنزيله شيئاً محرّماً على آكل يأكله مما تذكرون أنه حرّمه من هذه الأنعام التي تصفون تحريم ما حرّم عليكم منها بزعمكم ، إلا أن يكون ميتة قد ماتت بغير تذكية أو دماً مسفوحاً وهو المنصبّ أو إلا أن يكون لحم خنزير . { فإنّه رِجْسٌ أو فِسْقاً } يقول : أو إلا أن يكون فسقاً ، يعني بذلك : أو إلا أن يكون مذبوحاً ذبحه ذابح من المشركين من عبدة الأوثان لصنمه وآلهته فذكر عليه اسم وثنه ، فإن ذلك الذبح فسق نهى الله عنه وحرّمه ، ونهى من آمن به عن أكل ما ذبح كذلك ، لأنه ميتة . وهذا إعلام من الله جلّ ثناؤه للمشركين الذين جادلوا نبيّ الله وأصحابه في تحريم الميتة بما جادلوهم به أن الذي جادلوهم فيه من ذلك هو الحرام الذي حرّمه الله ، وأن الذي زعموا أن الله حرّمه حلال قد أحله الله ، وأنهم كذبة في إضافتهم تحريمه إلى الله . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، في قوله : { قُلْ لا أجِدُ فِيما أُوحِيَ إليَّ مُحَرَّماً } قال : كان أهل الجاهلية يحرّمون أشياء ويحلون أشياء ، فقال : قل لا أجد مما كنتم تحرّمون وتستحلون إلا هذا { إلاَّ أنْ يكونَ مَيْتَةً أوْ دَماً مَسْفُوحاً أوْ لحمَ خِنزِيرٍ فإنَّهُ رِجْسٌ أوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغيرِ اللّهِ بِهِ } . حدثني المثنى ، قال : ثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، في قوله : { قُلْ لا أجِدُ فِيما أُوحِيَ إليَّ مُحَرَّماً } … الآية ، قال : كان أهل الجاهلية يستحلون أشياء ويحرّمون أشياء ، فقال الله لنبيه : { قُلْ لا أجِدُ فِيما أُوحِيَ إليَّ مُحَرَّماً } مما كنتم تستحلون إلا هذا وكانت أشياء يحرّمونها فهي حرام الآن . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن ابن طاوس ، عن أبيه : { قُلْ لا أجِدُ فِيما أُوحِيَ إليَّ مْحَرَّماً على طاعِمٍ يَطْعَمُهُ } قال : ما يؤكل . قلت : في الجاهلية ؟ قال : نعم وكذلك كان يقول : { إلاَّ أنْ يَكُونَ مَيْتَةً أوْ دَماً مَسْفُوحاً } . قال ابن جريج : وأخبرني إبراهيم بن أبي بكر ، عن مجاهد : { قُلْ لا أجدُ فيما أُوحِيَ إليَّ مُحَرَّماً } قال : مما كان في الجاهلية يأكلون ، لا أجد محرّماً من ذلك على طاعم يطعمه ، إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً . وأما قوله : { أوْ دَماً مَسْفُوحاً } فإن معناه : أو دماً مسالاً مُهَراقاً ، يقال منه : سفحت دمه : إذا أرقته ، أسفحه سَفْحاً ، فهو دم مسفوح ، كما قال طرفة بن العبد : @ إنّي وَجَدِّكَ ما هَجَوْتُكَ والْـ أنْصَابِ يُسْفَحُ فَوْقَهُنَّ دَمُ @@ وكما قال عبيد بن الأبرص : @ إذَا ما عادَهُ مِنَّا نِساءٌ سَفَحْنَ الدَّمْعَ مِنَ بعدِ الرَّنِينِ @@ يعني : صببن ، وأسلن الدمع . وفي اشتراطه جلّ ثناؤه في الدم عند إعلامه عباده تحريمه إياه المسفوح منه دون غيره ، الدليل الواضح أن ما لم يكن منه مسفوحاً فحلال غير نجس . وذلك كالذي : حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا ابن عيينة ، عن عمرو ، عن عكرمة : { أوْ دَماً مَسْفُوحاً } قال : لولا هذه الآية لتتبع المسلمون من العروق ما تتبعت اليهود . حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة بنحوه ، إلا أنه قال : لاتَّبع المسلمون . حدثني المثنى ، قال : ثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة بنحوه . حدثنا أبو كريب ، قال : أخبرنا وكيع ، عن عمران بن حدير ، عن أبي مجلز ، في القِدر يعلوها الحمرة من الدم ، قال : إنما حرّم الله الدم المسفوح . حدثني المثنى ، قال : ثنا الحجاج بن المنهال ، قال : ثنا حماد ، عن عمران بن حدير ، عن أبي مجلز ، قال : سألته عن الدم ، وما يتلطخ بالمذبح من الرأس ، وعن القدر يرى فيها الحمرة ، قال : إنما نهى الله عن الدم المسفوح . حدثنا محمدبن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { أوْ دَماً مَسْفُوحاً } قال : حرّم الدم ما كان مسفوحاً وأما لحم خالطه دم فلا بأس به . حدثني المثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس ، قوله : { قُلْ لا أجِدُ فِيما أُوحِيَ إليَّ مُحَرَّماً على طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلاَّ أنْ يَكُونَ مَيْتَةً أوْ دَماً مَسْفُوحاً } يعني مُهَراقاً . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، أخبرني ابن دينار ، عن عكرمة : { أوْ دَماً مَسْفُوحاً } قال : لولا هذه الآية لتتبع المسلمون عروق اللحم ما تتبعها اليهود . حدثني المثنى ، قال : ثنا الحجاج بن المنهال ، قال : ثنا حماد ، عن يحيى بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة : أنها كانت لا ترى بلحوم السباع بأساً ، والحمرة والدم يكونان على القدر بأساً . وقرأت هذه الآية : { قُلْ لا أجِدُ فِيما أُوحِيَ إليَّ مُحَرَّماً على طاعِمٍ يَطْعَمُهُ } … الآية . حدثني المثنى ، قال : ثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن يحيى بن سعيد ، ثني القاسم بن محمد ، عن عائشة قالت ، وذكرت هذه الآية { أوْ دَماً مَسْفُوحاً } قلت : وإن البُرْمة ليرى في مائها الصفرة . وقد بينا معنى الرجس فيما مضى من كتابنا هذا ، وأنه النجس والنتن ، وما يعصى الله به ، بشواهده ، فأغنى عن إعادته في هذا الموضع . وكذلك القول في معنى الفسق ، وفي قوله : { أُهِلَّ لغيرِ اللّهِ بِهِ } قد مضى ذلك كله بشواهده الكافية من وفق لفهمه عن تكراره وإعادته . واختلفت القرّاء في قراءة قوله : { إلاَّ أنْ يَكُونَ مَيْتَةً } فقرأ ذلك بعض قرّاء أهل المدينة والكوفة والبصرة : { إلاَّ أنْ يَكُونَ } بالياء { مَيْتَةً } مخففة الياء منصوبة على أن في يكون مجهولاً ، والميتة فعل له فنصبت على أنها فعل يكون ، وذكروا يكون لتذكير المضمر في « يكون » . وقرأ ذلك بعض قرّاء أهل مكة والكوفة : « إلاَّ أنْ تَكُونَ » بالتاء « مَيْتَةً » بتخفيف الياء من الميتة ونصبها . وكأن معنى نصبهم الميتة معنى الأوّلين ، وأنثوا « تكون » لتأنيث الميتة ، كما يقال : إنها قائمة جاريتك ، وإنه قائم جاريتك ، فيذكر المجهول مرّة ويؤنث أخرى لتأنيث الاسم الذي بعده . وقرأ ذلك بعض المدنيين : « إلاَّ أنْ تَكُونَ مَيِّتَةٌ » بالتاء في « تكون » ، وتشديد الياء من « ميتة » ورفعها ، فجعل « الميتة » اسم « تكون » ، وأنث « تكون » لتأنيث « الميتة » ، وجعل « تكون » مكتفية بالاسم دون الفعل ، لأنه قوله : « إلاَّ أنْ تَكُونَ مَيْتَةً » استثناء ، والعرب تكتفي في الاستثناء بالأسماء عن الأفعال ، فيقولون : قام الناس إلا أن يكون أخاك ، وإلا أن يكون أخوك ، فلا تأتي ليكون بفعل ، وتجعلها مستغنية بالاسم ، كما يقال : قام القوم إلا أخاك وإلا أخوك ، فلا يعتد الاسم الذي بعد حرف الاستثناء نفلاً . والصواب من القراءة في ذلك عندي : { إلاَّ أنْ يَكُونَ } بالياء { مَيْتَةً } بتخفيف الياء ونصب الميتة ، لأن الذي في « يكون » من المكنىّ من ذكر المذكر ، وإنما هو : قُلْ لا أجد فيما أوحي إليّ محرّماً على طاعم يطعمه ، إلا أن يكون ذلك ميتة أو دماً مسفوحاً . فأما قراءة « ميتةٌ » بالرفع ، فإنه وإن كان في العربية غير خطأ فإنه في القراءة في هذا الموضع غير صواب ، لأن الله يقول : { أوْ دَماً مَسْفُوحاً } فلا خلاف بين الجميع في قراءة الدم بالنصب ، وكذلك هو في مصاحف المسلمين ، وهو عطف على « الميتة » . فإذ كان ذلك كذلك ، فمعلوم أن الميتة لو كانت مرفوعة لكان الدم وقوله « أو فسقاً » مرفوعين ، ولكنها منصوبة فيعطف بهما عليها بالنصب . القول في تأويل قوله تعالى : { فَمَنِ اضْطُرَّ غيرَ باغٍ ولا عادٍ فإنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } . وقد ذكرنا اختلاف أهل التأويل في تأويل قوله : { فَمَنِ اضْطُرَّ غيرَ باعٍ وَلا عادٍ } . والصواب من القول فيه عندنا فيما مضى من كتابنا هذا في سورة البقرة بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع ، وأن معناه : فمن اضطّر إلى أكل ما حرّم الله من أكل الميتة والدم المسفوح أو لحم الخنزير ، أو ما أهلّ لغير الله به ، غير باغ في أكله إياه تلذّذاً ، لا لضرورة حالة من الجوع ، ولا عاد في أكله بتجاوزه ما حدّه الله وأباحه له من أكله ، وذلك أن يأكل منه ما يدفع عنه الخوف على نفسه بترك أكله من الهلاك لم يتجاوز ذلك إلى أكثر منه ، فلا حرج عليه في أكله ما أكل من ذلك . { فإنَّ اللّهَ غَفُورٌ } فيما فعل من ذلك ، فساتر عليه بتركه عقوبته عليه ، ولو شاء عاقبه عليه . { رَحِيمٌ } بإباحته إياه أكل ذلك عند حاجته إليه ، ولوشاء حرمه عليه ومنعه منه .