Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 153-153)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ذكره : وهذا الذي وصاكم به ربكم أيها الناس في هاتين الآيتين من قوله : { قُلْ تَعَالَوْا أتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } وأمركم بالوفاء به ، هو صراطه ، يعني طريقه ودينه الذي ارتضاه لعباده . { مُسْتَقِيماً } يعني : قويماً لا اعوجاج به عن الحقّ . { فاتَّبِعُوهُ } يقول : فاعملوا به ، واجعلوه لأنفسكم منهاجاً تسلكونه فاتبعوه . { وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ } يقول : ولا تسلكوا طريقاً سواه ، ولا تركبوا منهجاً غيره ، ولا تبغوا ديناً خلافه من اليهودية والنصرانية والمجوسية وعبادة الأوثان وغير ذلك من الملل ، فإنها بدع وضلالات . { فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ } يقول : فيشتت بكم إن اتبعتم السبل المحدثة التي ليست لله بسبل ولا طرق ولا أديان ، اتباعكم عن سبيله ، يعني : عن طريقه ودينه الذي شرعه لكم وارتضاه ، وهو الإسلام الذي وصَّى به الأنبياء وأمر به الأمم قبلكم . { ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ } يقول تعالى ذكره : هذا الذي وصاكم به ربكم من قوله لكم : { إنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ } وصاكم به { لعلكم تتقون } ، يقول : لتتقوا الله في أنفسكم فلا تهلكوها ، وتحذروا ربكم فيها فلا تسخطوه عليها فيحلّ بكم نقمته وعذابه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : { وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ } قال : البدع والشبهات . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبو أسامة ، عن شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ } : البدع والشبهات . حدثني المثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثنا معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : { فاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ } ، وقوله : { وأقِيمُوا الدّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ } ونحو هذا في القرآن ، قال : أمر الله المؤمنين بالجماعة ونهاهم عن الاختلاف والفرقة ، وأخبرهم أنه إنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { ولاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ } يقول : لا تتبعوا الضلالات . حدثني المثنى ، قال : ثنا الحماني ، قال : ثنا حماد ، عن عاصم ، عن أبي وائل ، عن عبد الله ، قال : خطّ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً خطًّا ، فقال : " هَذَا سَبِيلُ اللّهِ " ثم خطّ عن يمين ذلك الخطّ وعن شماله خطوطاً ، فقال : " هَذِهِ سُبُلٌ على كُلّ سَبِيلٍ مِنْها شَيْطَانٌ يَدْعُوا إلَيْها " . ثم قرأ هذه الآية : { وأنَّ هَذَا صِرَاطي مُسْتَقِيماً فاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ } . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { وَأنَّ هَذَا صِرَاطي مُسْتَقِيماً فاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ } : الإسلام ، وصراطه : الإسلام . نهاهم أن يتبعوا السبل سواه ، { فَتَفَرّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ } : عن الإسلام . حدثني محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن أبان : أن رجلاً قال لابن مسعود : ما الصراط المستقيم ؟ قال : تركنا محمد صلى الله عليه وسلم في أدناه ، وطرفه في الجنة ، وعن يمينه جوادّ ، وعن يساره جوادّ ، وثمّ رجال يدعون من مرّ بهم ، فمن أخذ في تلك الجوادّ انتهت به إلى النار ، ومن أخذ على الصراط انتهى به إلى الجنة . ثم قرأ ابن مسعود : { وَأن هَذَا صِرَاطي مُسْتَقِيماً } … الآية . واختلفت القرّاء في قراءة قوله : { وَأنَّ هَذَا صِرَاطي مُسْتَقِيماً } فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين : { وأنَّ } بفتح الألف من « أن » وتشديد النون ، ردًّا على قوله : { أنْ لا تُشْركُوا بِهِ شَيْئاً } بمعنى : قل تعالوا أتل ما حرّم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئاً ، وأن هذا صراطي مستقيماً . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفيين : « وَإنَّ » بكسر الألف من « إن » ، وتشديد النون منها على الابتداء وانقطاعها عن الأول ، إذ كان الكلام قد انتهى بالخبر عن الوصية التي أوصى الله بها عباده دونه عندهم . والصواب من القول في ذلك عندي : أنهما قراءتان مستفيضتان في قرّاء الأمصار وعوامّ المسلمين صحيح معنياهما ، فبأيّ القراءتين قرأ القارىء فهو مصيب الحقّ في قراءته . وذلك أن الله تعالى ذكره قد أمر باتباع سبيله ، كما أمر عباده بالأشياء . وإن أدخل ذلك مدخل فيما أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين : { تَعالَوْا أتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } وما أمركم به ، ففتح على ذلك « أن » فمصيب . وإن كسرها إذ كانت « التلاوة » قولاً وإن كان بغير لفظ القول لبعدها من قوله : « أتل » ، وهو يريد إعمال ذلك فيه فمصيب . وإن كسرها بمعنى ابتداء وانقطاع عن الأوّل والتلاوة ، وأن ما أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم بتلاوته على من أمر بتلاوة ذلك عليهم قد انتهى دون ذلك ، فمصيب . وقد قرأ ذلك عبد الله بن أبي إسحاق البصريّ : « وأنْ » بفتح الألف من « أن » ، وتخفيف النون منها ، بمعنى : قل تعالوا أتل ما حرّم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئاً ، وأن هذا صراطي فخففها إذ كانت « أن » في قوله : { أنْ لا تُشْركُوا بِهِ شَيْئاً } مخففة ، وكانت « أن » في قوله : { وأنَّ هَذَا صِرَاطي } معطوفة عليها ، فجعلها نظيرة ما عطفت عليه . وذلك وإن كان مذهباً ، فلا أحبّ القراءة به لشذوذها عن قراءة قرّاء الأمصار وخلاف ما هم عليه في أمصارهم .