Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 16-16)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول جلّ ثناؤه : قال إبليس لربه : { فَبِما أغْوَيْتَنِي } يقول : فبما أضللتني . كما : حدثني المثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : { فَبِما أغْوَيْتَنِي } يقول : أضللتني . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { فَبِما أغْوَيْتَنِي } قال : فبما أضللتني . وكان بعضهم يتأوّل قوله : { فَبِما أغْوَيْتَنِي } : بما أهلكتني ، من قولهم : غَوِيَ الفصيل يَغْوَى غَوًى ، وذلك إذا فقد اللبن فمات ، من قول الشاعر : @ مُعَطَّفَةُ الأثْناءِ ليسَ فَصِيلُها برازِئها دَرّا ولا مَيِّتٍ غَوًى @@ وأصل الإغواء في كلام العرب : تزيين الرجل للرجل الشيء حتى يحسنه عنده غارًّا له . وقد حُكي عن بعض قبائل طيء أنها تقول : أصبح فلان غاوياً : أي أصبح مريضاً . وكان بعضهم يتأوّل ذلك أنه بمعنى القسم ، كأن معناه عنده : فبإغوائك إياي لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم ، كما يقال : بالله لأفعلن كذا . وكان بعضهم يتأوّل ذلك بمعنى المجازاة ، كأن معناه عنده : فلأنك أغويتني ، أو فبأنك أغويتني لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم . وفي هذا بيان واضح على فساد ما يقول القدرية من أن كلّ من كفر أو آمن فبتفويض الله أسباب ذلك إليه ، وأن السبب الذي به يصل المؤمن إلى الإيمان هو السبب الذي به يصل الكافر إلى الكفر وذلك أن ذلك لو كان كما قالوا لكان الخبيث قد قال بقوله : { فَبِما أغْوَيْتَنِي } : فبما أصلحتني ، إذ كان سبب الإغواء ، هو سبب الإصلاح ، وكان في إخباره عن الإغواء إخبار عن الإصلاح ، ولكن لما كان سبباهما مختلفين وكان السبب الذي به غوى وهلك من عند الله أضاف ذلك إليه فقال : { فَبما أغْوَيْتَنِي } . وكذلك قال محمد بن كعب القُرَظي ، فيما : حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، قال : ثنا زيد بن الحباب ، قال : ثنا أبو مودود ، سمعت محمد بن كعب القرظي يقول : قاتل الله القدرية ، لإبليسُ أعلم بالله منهم . وأما قوله : { لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صرَاطَكَ المُسْتَقِيمَ } فإنه يقول : لأجلسنّ لبني آدم صراطك المستقيم ، يعني : طريقك القويم ، وذلك دين الله الحقّ ، وهو الإسلام وشرائعه . وإنما معنى الكلام : لأصدنّ بني آدم عن عبادتك وطاعتك ، ولأغوينهم كما أغويتني ، ولأُضِلَّنهم كما أضَللْتَني . وذلك كما رُوي عن سَبْرة بن الفاكه أنه سمع النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الشَّيْطانَ قَعَد لاِبْنِ آدَمَ بأطْرَقَةٍ ، فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الإسْلام ، فَقالَ : أتُسْلَمُ وَتَذَرُ دِينَكَ وَدينَ آبائِك ؟ فَعَصَاهُ فَأسْلَم . ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيق الهجْرَةِ ، فَقالَ : أتهاجِرُ وَتَذَرُ أرْضَكَ وَسَماءَكَ ، وإنمَا مَثَلُ المُهاجرِ كالفَرَسِ فِي الطِّوَلِ ؟ فَعَصَاه وَهاجَرَ . ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الجِهادِ ، وَهُوَ جَهْدُ النَّفْسِ والمَالِ ، فقالَ : أتُقاتلُ فتُقْتَلَ فَتُنْكَحُ المَرأةُ ويُقَسَّمُ المَالُ ؟ قالَ : فَعَصَاهُ فَجاهَدَ " ورُوي عن عون بن عبد الله في ذلك ، ما : حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا حيوة أبو يزيد ، عن عبد الله بن بكير ، عن محمد بن سوقة ، عن عون بن عبد الله : { لأَقْعُدَنَّ لهُمْ صرَاطَكَ المُسْتَقِيمَ } قال : طريق مكة . والذي قاله عون وإن كان من صراط الله المستقيم فليس هو الصراط كله ، وإنما أخبر عدوّ الله أنه يقعد لهم صراط الله المستقيم ولم يخصص منه شيئاً دون شيء ، فالذي رُوي في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبه بظاهر التنزيل وأولى بالتأويل ، لأن الخبيث لا يألو عباد الله الصدّ عن كلّ ما كان لهم قربة إلى الله . وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل في معنى المستقيم في هذا الموضع . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { صِرَاطَكَ المُسْتَقِيمَ } قال : الحقّ . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله . حدثني الحرث ، قال : ثنا عبد العزيز ، قال : ثنا أبو سعد المدنيّ ، قال : سمعت مجاهداً يقول : { لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صَرَاطَكَ المُسْتَقِيمَ } قال : سبيل الحقّ ، فلأضلنهم إلا قليلاً . واختلف أهل العربية في ذلك ، فقال بعض نحويي البصرة : معناه : لأقعدنّ لهم على صراطك المستقيم ، كما يقال : توجه مكة : أي إلى مكة ، وكما قال الشاعر : @ كأني إذْ أسْعَى لأظْفَرَ طائِراً مَعَ النَّجْمِ مِنْ جَوّ السَّماءِ يَصُوبُ @@ بمعنى : لأظفر بطائر ، فألقى الباء وكما قال : { أعَجِلْتُم أَمْرَ رَبِّكُمْ } بمعنى : أعجلتم عن أمر ربكم . وقال بعض نحويي الكوفة : المعنى والله أعلم : لأقعدنّ لهم على طريقهم ، وفي طريقهم قال : وإلقاء الصفة من هذا جائز ، كما تقول : قعدت لك وجه الطريق ، وعلى وجه الطريق لأن الطريق صفة في المعنى يحتمل ما يحتمله اليوم والليلة والعام ، إذ قيل : آتيك غداً ، وآتيك في غد . وهذا القول هو أولى القولين في ذلك عندي بالصواب ، لأن القعود مقتض مكاناً يقعد فيه ، فكما يقال : قعدت في مكانك ، يقال : قعدت على صراطك ، وفي صراطك ، كما قال الشاعر : @ لَدْنٍ بَهِزّ الكَفّ يَعْسِلُ مَتْنُهُ فِيهِ كمَا عَسَلَ الطَّرِيقَ الثَّعْلَبُ @@ فلا تكاد العرب تقول ذلك في أسماء البلدان ، ولا يكادون يقولون : جلست مكة وقمت بغداد .