Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 74, Ayat: 18-25)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى ذكره : إن هذا الذي خلقته وحيداً ، فكَّر فيما أنزل على عبده محمد صلى الله عليه وسلم من القرآن ، وقدّر فيما يقول فيه { فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ } يقول : ثم لعن كيف قدّر النازل فيه { ثُمَّ نَظَرَ } يقول : ثم روّي في ذلك { ثُمَّ عَبَس } يقول : ثم قبض ما بين عينيه { وَبَسَرَ } يقول : كلح وجهه ومنه قول توبة بن الحُمَيِّر : @ وَقَدْ رَابَنِي مِنْها صُدُودٌ رأيتُهُ وإعْراضُها عَنْ حاجَتِي وبُسُورُها @@ وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ، وجاءت الأخبار عن الوحيد أنه فعل . ذكر الرواية بذلك : حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر عن عباد بن منصور ، عن عكرِمة ، أن الوليد بن المُغيرة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقرأ عليه القرآن ، فكأنه رقّ له ، فبلغ ذلك أبا جهل ، فقال : أي عمّ إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالاً ، قال : لِمَ ؟ قال : يعطونكه فإنك أتيت محمداً تتعرّض لما قِبَله قال : قد علمت قريش أني أكثرها مالاً ، قال : فقل فيه قولاً يعلم قومك أنَّك مُنكر لما قال ، وأنك كاره له قال : فما أقول فيه ، فوالله ما منكم رجل أعلم بالأشعار مني ، ولا أعلم برجزه مني ، ولا بقصيده ، ولا بأشعار الجنّ ، والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا ، ووالله إن لقوله لحلاوة ، وإنه ليحطم ما تحته ، وإنه ليعلو ولا يعلى قال : والله لا يرضى قومك حتى تقول فيه ، قال : فدعني حتى أفكر فيه فلما فكَّر قال : هذا سحر يأثره عن غيره ، فنزلت { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً } قال قتادة : خرج من بطن أمه وحيداً ، فنزلت هذه الآية حتى بلغ تسعة عشر . حدثني محمد بن سعيد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { إنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ } … إلى { ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ } قال : دخل الوليد بن المغيرة على أبي بكر بن أبي قُحافة رضي الله عنه يسأله عن القرآن فلما أخبره خرج على قريش فقال : يا عجباً لما يقول ابن أبي كبشة ، فوالله ما هو بشعر ، ولا بسحر ، ولا بهذي من الجنون ، وإن قوله لمن كلام الله فلما سمع بذلك النفر من قريش ائتمروا وقالوا : والله لئن صبأ الوليد لتصبأن قريش ، فلما سمع بذلك أبو جعل قال : أنا والله أكفيكم شأنه فانطلق حتى دخل عليه بيته ، فقال للوليد : ألم تر قومك قد جمعوا لك الصدقة ؟ قال : ألستُ أكثرهم مالاً وولداً ؟ فقال له أبو جهل : يتحدّثون أنك إنما تدخل على ابن أبي قُحافة لتصيب من طعامه قال الوليد : أقد تحدثت به عشيرتي فلا يقصر عن سائر بني قُصيّ لا أقرب أبا بكر ولا عمر ولا ابن أبي كبشة ، وما قوله إلا سحر يؤثر فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم : { ذَرْنِي وَمَن خَلَقْتُ وَحِيداً } … إلى { لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ } حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { إنَّهُ فَكَّرَ وقدّر } زعموا أنه قال : والله لقد نظرت فيما قال هذا الرجل ، فإذا هو ليس له بشعر ، وإن له لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإنه ليعلو وما يعلى ، وما أشكّ أنه سحر ، فأنزل الله فيه : { فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ } … الآية { ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ } : قبض ما بين عينيه وكلح . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { فَكَّرَ وَقَدَّرَ } قال : الوليد بن المغيرة يوم دار الندوة . حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { ذَرْنِي وَمَن خَلَقْتُ وَحِيدًّا } يعني الوليد بن المغيرة دعاه نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام ، فقال : حتى أنظر ، ففكر { ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أدْبَرَ وَاسْتَكْبَر فَقالَ إنْ هَذَا إلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ } فجعل الله له سقر . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً } … إلى قوله : { إنْ هَذَا إلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ } قال : هذا الوليد بن المغيرة قال : سأبتار لكم هذا الرجل الليلة ، فأتى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فوجده قائماً يصلي ويقتريء ، وأتاهم فقالوا : مَهْ ؟ قال : سمعت قولاً حلواً أخضر مثمراً يأخذ بالقلوب ، فقالوا : هو شعر ، فقال : لا والله ما هو بالشعر ، ليس أحد أعلم بالشعر مني ، أليس قد عرَضتْ عليّ الشعراء شعرهم نابغة وفلان وفلان ؟ قالوا : فهو كاهن ، فقال : لا والله ما هو بكاهن ، قد عرضت عليّ الكهانة ، قالوا : فهذا سحر الأوّلين اكتتبه ، قال : لا أدري إن كان شيئاً فعسى هو إذا سحر يؤثر ، فقرأ : { فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ } قال : قتل كيف قدّر حين قال : ليس بشعر ، ثم قتل كيف قدّر حين قال : ليس بكهانة . وقوله : { ثُمَّ أدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ } يقول تعالى ذكره : ثم ولى عن الإيمان والتصديق بما أنزل الله من كتابه ، واستكبر عن الإقرار بالحقّ { فقال إنْ هَذَا إلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ } قال : يأثره عن غيره . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن إسماعيل بن سميع ، عن أبي رزين { إنْ هَذَا إلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ } قال : يأخذه عن غيره . حدثنا أبو كُرَيب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن إسماعيل ، عن أبي رزين { إنْ هَذَا إلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ } قال : يأثره عن غيره . وقوله : { إنْ هَذَا إلاَّ قَوْلُ البَشَرِ } يقول تعالى ذكره مخبراً عن قيل الوحيد في القرآن { إنْ هَذَا إلاَّ قَوْلُ البَشَرِ } ما هذا الذي يتلوه محمد إلا قول البشر ، يقول : ما هو إلا كلام ابن آدم ، وما هو بكلام الله .