Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 76, Ayat: 21-21)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى ذكره : فوقهم ، يعني فوق هؤلاء الأبرار ثياب سُنْدُسٍ . وكان بعض أهل التأويل يتأوّل قوله : { عالِيَهُمْ } فوق حِجَالهم المثبتة عليهم { ثِيابُ سُنْدُسٍ } وليس ذلك بالقول المدفوع ، لأن ذلك إذا كان فوق حجالٍ هم فيها ، فقد علاهم فهو عاليهم . وقد اختلف أهل القراءة في قراءة ذلك فقرأته عامة قرّاء المدينة والكوفة وبعض قرّاء مكة : « عَالِيْهِمْ » بتسكين الياء . وكان عاصم وأبو عمرو وابن كثير يقرءونه بفتح الياء ، فمن فتحها جعل قوله { عالِيَهُمْ } اسما مرافعا للثياب ، مثل قول القائل : ظاهرهم ثياب سندس . والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان متقاربتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب . وقوله : { ثِيابُ سُنْدُسٍ } يعني : ثياب ديباج رقيق حسن ، والسندس : هو ما رقّ من الديباج . وقوله : { خُضْرٌ } اختلف القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأه أبو جعفر القارىء وأبو عمرو برفع { خُضْرٌ } على أنها نعت للثياب ، وخفض « اسْتَبْرَقٍ » عطفاً به على السندس ، بمعنى : وثياب إستبرق . وقرأ ذلك عاصم وابن كثير : « خُضْرٍ » خفضاً { واسْتَبْرَقٌ } رفعاً ، عطفاً بالاستبرق على الثياب ، بمعنى : عاليهم استبرق ، وتصييراً للخضر نعتا للسندس . وقرأ نافع ذلك : { خُضْرٌ } رفعاً على أنها نعت للثياب { واسْتَبْرَقٌ } رفعاً عطفاً به على الثياب . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة : « خُضْرٍ واسْتَبْرَقٍ » خفضاً كلاهما . وقرأ ذلك ابن محيصن بترك إجراء الاستبرق : « واسْتَبْرَقَ » بالفتح بمعنى : وثياب استبرق ، وفَتَحَ ذلك لأنه وجَّهه إلى أنه اسم أعجميّ . ولكلّ هذه القراءات التي ذكرناها وجه ومذهب ، غير الذي سبق ذكرنا عن ابن محيصن ، فإنها بعيدة من معروف كلام العرب ، وذلك أن الاستبرق نكرة ، والعرب تجري الأسماء النكرة وإن كانت أعجمية ، والاستبرق : هو ما غَلُظ من الديباج . وقد ذكرنا أقوال أهل التأويل في ذلك فيما مضى قبل ، فأغنى ذلك عن إعادته ههنا . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : الاستبرق : الديباج الغليظ . وقوله : { وَحُلُّوا أساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ } يقول : وحلاهم ربهم أساور ، وهي جمع أسورة من فضة . وقوله : { وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } يقول تعالى ذكره : وسقى هؤلاء الأبرار ربُّهُم شراباً طهوراً ، ومن طهره أنه لا يصير بولاً نجساً ، ولكنه يصير رشحاً من أبدانهم كرشح المسك ، كالذي : حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا يحيى بن سعيد وعبد الرحمن ، قالا : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم التيمي { وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } قال : عرق يفيض من أعراضهم مثل ريح المسك . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن منصور ، عن إبراهيم التيمي ، مثله . قال : ثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم التيمي ، قال : إن الرجل من أهل الجنة يقسَمُ له شهوة مئة رجل من أهل الدنيا ، وأكلهم وهمتهم ، فإذا أكل سقي شراباً طهوراً ، فيصير رشحاً يخرج من جلده أطيب ريحا من المسك الأذفر ، ثم تعود شهوته . حدثنا محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { شَرَابا طَهُوراً } قال : ما ذكر الله من الأشربة . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن أبان ، عن أبي قِلابة : إن أهل الجنة إذا أكلوا وشربوا ما شاءوا دَعَوا بالشراب الطهور فيشربونه ، فتطهر بذلك بطونهم ويكون ما أكلوا وشربوا رَشْحا وريحَ مسك ، فتضمر لذلك بطونهم . حدثنا عليّ بن سهل ، قال : ثنا حجاج ، قال : ثنا أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية الرياحي ، عن أبي هريرة أو غيره « شكّ أبو جعفر الرازي » قال : صعد جبرائيل بالنبيّ صلى الله عليه وسلم ليلة أُسريَ به إلى السماء السابعة ، فاستفتَح ، فقيل له : من هذا ؟ فقال : جبرائيل قيل : ومن معك ؟ قال : محمد ، قالوا : أَوَ قَدْ أُرسل إليه ؟ قال : نعم ، قالوا : حياه الله من أخ وخليفة ، فنعم الأخ ونعم الخليفة ، ونعم المجيءُ جاء قال : فدخل فإذا هو برجل أشمط جالس على كرسيّ عند باب الجنة ، وعنده قوم جلوس بيض الوجوه أمثال القراطيس ، وقوم في ألوانهم شيء ، فقام الذين في ألوانهم شيء ، فدخلوا نهراً فاغتسلوا فيه ، فخرجوا وقد خَلَص من ألوانهم شيء ثم دخلوا نهراً آخر فاغتسلوا فيه ، فخرجوا وقد خَلَصت ألوانهم ، فصارت مثل ألوان أصحابهم ، فجاءوا فجلسوا إلى أصحابهم ، فقال : يا جبريل من هذا الأشمط ، ومن هؤلاء البيض الوجوه ، ومن هؤلاء الذين في ألوانهم شيء ، وما هذه الأنهار التي اغتسلوا فيها ، فجاءوا وقد صفت ألوانهم ؟ قال : هذا أبوك إبراهيم ، أوّل من شَمِط على الأرض ، وأما هؤلاء البيض الوجوه ، فقوم لم يَلْبِسوا إيمانهم بظلم . وأما هؤلاء الذين في ألوانهم شيء فقوم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً فتابوا ، فتاب الله عليهم . وأما الأنهار ، فأوّلها رحمة الله ، والثاني نعمة الله ، والثالث سقاهم ربهم شراباً طهوراً .