Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 78, Ayat: 36-38)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يعني بقوله جلّ ثناؤه : { جَزَاءً مِنْ رَبكَ عَطاءً } أعطى الله هؤلاء المتقين ما وصف في هذه الآيات ثواباً من ربك بأعمالهم ، على طاعتهم إياه في الدنيا . وقوله : { عَطاءً } يقول : تفضلاً من الله عليهم بذلك الجزاء ، وذلك أنه جزاهم بالواحد عشراً في بعض ، وفي بعض بالواحد سبع مِئَة ، فهذه الزيادة وإن كانت جزاء فعطاء من الله . وقوله : { حِساباً } يقول : محاسبة لهم بأعمالهم لله في الدنيا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حسِاباً } قال : عطاء منه حساباً لما عملوا . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً } : أي عطاء كثيراً ، فجزاهم بالعمل اليسير ، الخير الجسيم ، الذي لا انقطاع له . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن مَعْمر ، عن قتادة ، في قوله : { عَطاءً حِساباً } قال : عطاء كثيراً وقال مجاهد : عطاء من الله حساباً بأعمالهم . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : سمعت ابن زيد يقول في قول الله : { جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حساباً } فقرأ : { إنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً حَدَائِقَ وأعْناباً وكَوَاعِبَ أتْرَاباً } … إلى { عَطاءً حساباً } قال : فهذه جزاء بأعمالهم عطاء الذي أعطاهم ، عملوا له واحدة ، فجزاهم عشراً ، وقرأ قول الله : { مَنْ جاءَ بالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أمْثالِهَا } ، وقرأ قول الله : { مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ } قال : يزيد من يشاء ، كان هذا كله عطاء ، ولم يكن أعمالاً يحسبه لهم ، فجزاهم به حتى كأنهم عملوا له ، قال : ولم يعملوا إنما عملوا عشراً ، فأعطاهم مئة ، وعملوا مئة ، فأعطاهم ألفاً ، هذا كله عطاء ، والعمل الأوّل ، ثم حَسَب ذلك حتى كأنهم عملوا ، فجزاهم كما جزاهم بالذي عملوا . وقوله : { رَبِّ السَّمَواتِ والأرْضِ وَما بَيْنَهُما الرَّحْمَنِ } يقول جلّ ثناؤه : جزاء من ربك ربّ السموات السبع والأرض وما بينهما من الخلق . واختلف القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء المدينة : « رَبُّ السَّمَوَاتِ والأرْضِ وَما بَيْنَهُما الرَّحْمَنُ » بالرفع في كليهما . وقرأ ذلك بعضُ أهل البصرة وبعضُ الكوفيين : { رَبِّ } خفضاً « والرَّحْمَنُ » رفعاً ولكلّ ذلك عندنا وجه صحيح ، فبأيّ ذلك قرأ القارىء فمصيب ، غير أن الخفض في الربّ ، لقربه من قوله { جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ } : أعجب إليّ ، وأما { الرَّحْمَنُ } بالرفع ، فإنه أحسن ، لبعده من ذلك . وقوله : { الرَّحْمَنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً } يقول تعالى ذكره : الرحمن لا يقدر أحد من خلقه خطابه يوم القيامة ، إلا من أذن له منهم ، وقال صواباً . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خطاباً } قال : كلاماً . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { لا يَمْلِكُونَ مِنْه خِطاباً } : أي كلاماً . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً } قال : لا يملكون أن يخاطبوا الله ، والمخاطِب : المخاصم الذي يخاصم صاحبه . وقوله : { يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ } اختلف أهل العلم في معنى الروح في هذا الموضع ، فقال بعضهم : هو مَلك من أعظم الملائكة خَلْقاً . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن خلف العَسْقَلانيّ ، قال : ثنا روّاد بن الجرّاح ، عن أبي حمزة ، عن الشعبيّ ، عن علقمة ، عن ابن مسعود ، قال : الرُّوح ملك في السماء الرابعة ، هو أعظم من السموات ومن الجبال ومن الملائكة ، يسبح الله كلّ يوم اثني عشر ألف تسبيحة ، يخلق الله من كلّ تسبيحة مَلَكاً من الملائكة ، يجيء يوم القيامة صفًّا وحده . حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ والمَلائِكَةُ } قال : هو ملك أعظم الملائكة خَلْقاً . وقال آخرون : هو جبريل عليه السلام . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن أبي سنان ، عن ثابت ، عن الضحاك { يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ } قال جبريل عليه السلام . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن الضحاك { يَوْمَ يَقُومُ الرُّوح } قال : الروح : جبريل عليه السلام . حدثنا محمد بن خَلَف العَسْقَلانيّ ، قال : ثنا روّاد بن الجرّاح ، عن أبي حمزة عن الشعبيّ { يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ } قال : الروح جبريل عليه السلام . وقال آخرون : خَلْق من خلق الله في صورة بني آدم . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا أبو عامر ، قال : ثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال { الرُّوحُ } خَلْقٌ على صورة بني آدم ، يأكلون ويشربون . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن مسلم ، عن مجاهد ، قال { الرُّوح } : خلق لهم أيد وأرجل وأراه قال : ورؤوس يأكلون الطعام ، ليسوا ملائكة . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا أبو عامر ، قال : ثنا سفيان ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح ، قال : يشبهون الناس ، وليسوا بالناس . حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا ابن أبي عديّ ، عن شعبة ، عن سليمان ، عن مجاهد ، قال { الرُّوحُ } : خَلْق كخلق آدم . حدثني يحيى بن إبراهيم المسعوديّ ، قال : ثنا أبي ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن الأعمش ، في قوله : { يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالمَلائِكَةُ صَفًّا } قال : الروح خلق من خلق الله يُضْعِفون على الملائكة أضعافاً ، لهم أيد وأرجل . حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا معتمر بن سليمان ، عن إسماعيل ، عن أبي صالح مولى أم هانىء { يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالمَلائِكَةُ } قال : الروح : خلق كالناس ، وليسوا بالناس . وقال آخرون : هم بنو آدم . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { يَوْمَ يَقُومُ الرُّوح } قال : هم بنو آدم ، وهو قول الحسن . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الحسن ، في قوله : { يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ } : قال : الروح بنو آدم . وقال قتادة : هذا مما كان يكتمه ابن عباس . وقال آخرون : قيل : ذلك أرواح بني آدم . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ } قال : يعني حين تقوم أرواح الناس مع الملائكة ، فيما بين النفختين ، قبل أن تردّ الأرواح إلى الأجساد . وقال آخرون : هو القرآن . ذكر من قال ذلك : حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، كان أبي يقول : الروح : القرآن ، وقرأ { وكَذَلِكَ أَوْحَيْنا إلَيْكَ رُوحاً مِنْ أمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي ما الْكِتابُ وَلا الإيمَانُ } والصواب من القول أن يقال : إن الله تعالى ذكره أخبر أنَّ خَلْقه لا يملكون منه خطاباً ، يوم يقوم الرُّوح ، والرُّوح : خَلْق من خلقه . وجائز أن يكون بعض هذه الأشياء التي ذكرت ، والله أعلم أيّ ذلك هو ؟ ولا خبر بشيء من ذلك أنه المعنيّ به دون غيره ، يجب التسليم له ، ولا حجة تدلّ عليه ، وغير ضائر الجهل به . وقيل : إنه يقول : سِمَاطان . ذكر من قال ذلك : حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن عُلَية ، قال : أخبرنا منصور بن عبد الرحمن ، عن الشعبيّ ، في قوله : { يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إلاَّ مَنْ أذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ } قال : هما سِماطان لربّ العالمين ، يوم القيامة : سِماط من الروح ، وسِماط من الملائكة . وقوله : { لا يَتَكَلَّمُونَ إلاَّ مَنْ أذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ } قيل : إنهم يُؤْذَن لهم في الكلام ، حين يُؤْمَر بأهل النار إلى النار ، وبأهل الجنة إلى الجنة . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، قال : ثنا أبو عمرو ، الذي يقصّ في طيء عن عكرمة ، وقرأ هذه الآية : { إلا مَنْ أذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقالَ صَوَاباً } قال : يمرّ بأناس من أهل النار على ملائكة ، فيقولون : أين تذهبون بهؤلاء ؟ فيقال : إلى النار ، فيقولون : بما كَسَبت أيديهم ، وما ظلمهم الله ، ويمرّ بأناس من أهل الجنة على ملائكة ، فيقال : أين تذهبون بهؤلاء ؟ فيقولون : إلى الجنة ، فيقولون : برحمة الله دخلتم الجنة ، قال : فيُؤذَن لهم في الكلام ، أو نحو ذلك . وقال آخرون : { إلاَّ مَنْ أذِنَ لَهُ الرَّحمنُ } بالتوحيد { وَقالَ صَوَاباً } في الدنيا ، فوحَّد الله . ذكر من قال ذلك : حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : { إلاَّ مَنْ أذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقالَ صَوَاباً } يقول : إلا من أذن له الربّ بشهادة أن لا إله إلا الله ، وهي منتهى الصواب . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد { وَقالَ صَوَاباً } قال حقاً في الدنيا ، وعمل به . حدثنا عمرو بن عليّ ، قال : ثنا أبو معاوية ، قال : ثنا إسماعيل ، عن أبي صالح في قوله : { إلاَّ مَنْ أذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ ، وَقالَ صَوَاباً } قال : لا إله إلا الله . قال أبو حفص : فحدثت به يحيى بن سعيد ، فقال : أنا كتبته عن عبد الرحمن بن مهديّ ، عن أبي معاوية . حدثني سعد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : ثنا حفص بن عمر العَدَنيّ ، قال : ثنا الحكم بن أبان ، عن عكرِمة في قوله : { إلاَّ مَنْ أذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقالَ صَوَاباً } قال : لا إله إلا الله . والصواب من القول في ذلك : أن يقال : إن الله تعالى ذكره أخبر عن خلقه أنهم لا يتكلمون يوم يقوم الروح والملائكة صفاً ، إلا من أذن له منهم في الكلام الرحمن ، وقال صواباً ، فالواجب أن يقال كما أخبر إذ لم يخبرنا في كتابه ، ولا على لسان رسوله ، أنه عَنَى بذلك نوعاً من أنواع الصواب ، والظاهر محتمل جميعه .