Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 83, Ayat: 18-22)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ذكره : { كَلاَّ إنَّ كتابَ الأبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ } والأبرار : جمع برّ ، وهم الذين برّوا الله بأداء فرائضه ، واجتناب محارمه . وقد كان الحسن يقول : هم الذين لايؤذون شيئاً حتى الذَّرّ . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا هشام ، عن شيخ ، عن الحسن ، قال : سُئل عن الأبرار ، قال : الذين لا يؤذون الذرّ . حدثنا إسحاق بن زيد الخطابيّ ، قال : ثنا الفِريابيّ ، عن السريّ بن يحيى ، عن الحسن ، قال : الأبرار : هم الذين لا يؤذون الذرّ . وقوله : { لَفِي عِلِّيِّينَ } اختلف أهل التأويل في معنى عليين ، فقال بعضهم : هي السماء السابعة . ذكر من قال ذلك : حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني جرير بن حازم ، عن الأعمش ، عن شمر بن عطية ، عن هلال بن يِساف ، قال : سأل ابن عباس كعباً وأنا حاضر عن العِليين ، فقال كعب : هي السماء السابعة ، وفيها أرواح المؤمنين . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا عبيد الله ، يعني العَتَكِي ، عن قتادة ، في قوله { إنَّ كِتابَ الأبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ } قال : في السماء العليا . حدثني عليّ بن الحسين الأزديّ ، قال : ثنا يحيى بن يمان ، عن أُسامة بن زيد ، عن أبيه ، في قوله : { إنَّ كِتابَ الأبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ } قال : في السماء السابعة . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { عِلِّيُّونَ } قال : السماء السابعة . حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { لَفِي عِلِّيِّينَ } : في السماء عند الله . وقال آخرون : بل العِلِّيون : قائمة العرش اليمنى . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { كَلاَّ إنَّ كِتابَ الأبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ } ذُكر لنا أن كعباً كان يقول : هي قائمة العرش اليمنى . حدثني عمر بن إسماعيل بن مجالد ، قال : ثنا مُطَرِّف بن مازن ، قاضي اليمن ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : { إنَّ كِتابَ الأبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ } قال : عِلّيون : قائمة العرش اليمنى . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { فِي عِلِّيِّينَ } قال : فوق السماء السابعة ، عند قائمة العرش اليمنى . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يعقوب القُمِّي ، عن حفص ، عن شمر ، عن عطية ، قال : جاء ابن عباس إلى كعب الأحبار ، فسأله ، فقال : حدثني عن قول الله { إنَّ كِتابَ الأبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ … } . الآية ، فقال كعب : إن الروح المؤمنة إذا قُبِضت ، صُعد بها ، ففُتحت لها أبواب السماء ، وتلقَّتها الملائكة بالبُشرَى ، ثم عَرَجوا معها حتى ينتهوا إلى العرش ، فيخرج لها من عند العرش فيُرقَم رَقّ ، ثم يختم بمعرفتها النجاة بحساب يوم القيامة ، وتشهد الملائكة المقرّبون . وقال آخرون : بل عُنِيَ بالعليين : الجَنَّة . ذكر من قال ذلك : حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثنا معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله { إنَّ كِتابَ الأبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ } قال : الجنة . وقال آخرون : عند سِدْرة المنتهى . ذكر من قال ذلك : حدثني جعفر بن محمد البزوريّ من أهل الكوفة ، قال : ثنا يعلى بن عبيد ، عن الأجلح ، عن الضحاك قال : إذا قبض رُوح العبد المؤمن عُرج به إلى السماء ، فتنطلق معه المقرّبون إلى السماء الثانية ، قال الأجلح : قلت : وما المقرّبون ؟ قال : أقربهم إلى السماء الثانية ، فتنطلق معه المقرّبون إلى السماء الثالثة ، ثم الرابعة ، ثم الخامسة ، ثم السادسة ، ثم السابعة ، حتى تنتهي به إلى سِدْرة المنتهى . قال الأجلح : قلت للضحاك : لِمَ تسمى سِدْرة المنتهى ؟ قال : لأنه يَنْتهي إليها كلّ شيء من أمر الله لا يعدوها ، فتقول : ربّ عبدك فلان ، وهو أعلم به منهم ، فيبعث الله إليهم بصَكّ مختوم يؤمِّنه من العذاب ، فذلك قول الله : { كَلاَّ إنَّ كِتاب الأبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَما أدْرَاكَ ما عِلِّيُّونَ كِتابٌ مَرْقُومٌ يَشْهَدُهُ المُقَرَّبُونَ } . وقال آخرون : بل عُنِي بالعِلّيين : في السماء عند الله . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { إنَّ كِتابَ الأبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ } يقول : أعمالُهم في كتاب عند الله في السماء . والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله تعالى ذكره أخبر أن كتاب الأبرار في عِليين والعليون : جمع ، معناه : شيء فوق شيء ، وعلوّ فوق علوّ ، وارتفاع بعد ارتفاع ، فلذلك جُمعت بالياء والنون ، كجمع الرجال ، إذا لم يكن له بناء من واحده واثنيه ، كما حُكِي عن بعض العرب سماعاً : أطْعَمَنا مَرَقَة مَرَقَينِ : يعن اللحم المطبوخ كما قال الشاعر : @ قَدْ رَوِيَتْ إلاَّ الدُّهَيْدِ هِينا قُلَيِّصَاتٍ وأُبَيْكِرِينَا @@ فقال : وأبيكرينا ، فجمعها بالنون إذ لم يقصد عدداً معلوماً من البكارة ، بل أراد عدداً لا يحدّ آخره ، وكما قال الآخر : @ فأصْبَحَتِ المَذَاهِبُ قَد أذَاعَتْ بِها الإعْصَارُ بَعْدُ الْوَابِلِينا @@ يعني : مطراً بعد مطر غير محدود العدد ، وكذلك تفعل العرب في كلّ جمع لم يكن بناء له من واحده واثنيه ، فجمعه في جميع الإناث ، والذكران بالنون على ما قد بيَّنا ، ومن ذلك قولهم للرجال والنساء : عشرون وثلاثون . فإذا كان ذلك كالذي ذكرنا ، فبَّينٌ أن قوله : { لَفِي عِلِّيِّينَ } معناه : في علوّ وارتفاع ، في سماء فوق سماء ، وعلوّ فوق علوّ ، وجائز أن يكون ذلك إلى السماء السابعة ، وإلى سدرة المنتَهى ، وإلى قائمة العرش ، ولا خبر يقطع العذر بأنه معنيّ به بعضُ ذلك دون بعض . والصواب أن يقال في ذلك ، كما قال جلّ ثناؤه : إن كتاب أعمال الأبرار لفي ارتفاع إلى حدّ قد علم الله جلّ وعزّ منتهاه ، ولا علم عندنا بغايته ، غير أن ذلك لا يَقْصُر عن السماء السابعة ، لإجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك . وقوله : { وَما أْدَرَاكَ ما عِلِّيُونَ } يقول تعالى ذكره لنبيه محمد الله ، مُعَجِّبه من علِّيين : وأيّ شيء أشعرك يا محمد ما عليون ؟ . وقوله : { كِتابٌ مَرْقُومٌ } يقول جلّ ثناؤه : إن كتاب الأبرار لفي عِلِّيين ، كتاب مرقوم : أي مكتوب بأمان من الله إياه من النار يوم القيامة ، والفوز بالجنة ، كما قد ذكرناه قبل عن كعب الأحبار والضحاك بن مُزَاحم ، وكما : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { كِتاب مَرْقُومٌ } رُقِمَ . وقوله : { يَشْهَدُهُ المُقَرَّبُونَ } يقول : يشهد ذلك الكتاب المكتوب بأمان الله للبَرّ من عباده من النار ، وفوزه بالجنة ، المقرّبون من ملائكته من كلّ سماء من السموات السبع . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس { يَشْهَدُهُ المُقَرَّبُونَ } قال : كلّ أهل السماء . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { يَشْهَدُهُ المُقَرَّبُونَ } من ملائكة الله . حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { يَشْهَدُهُ المُقَرَّبُونَ } قال : يشهده مقربّو أهل كلّ سماء . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { يَشْهَدهُ المُقَرَّبُونَ } قال : الملائكة . وقوله : { إنَّ الأبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ } يقول تعالى ذكره : إن الأبرار الذين بَرّوا باتقاء الله ، وأداء فرائضه ، لفي نعيم دائم ، لا يزول يوم القيامة ، وذلك نعيمهم في الجنان .