Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 84, Ayat: 10-15)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ذكره : وأما من أعطي كتابه منكم أيها الناس يومئذٍ وراء ظهره ، وذلك أن جعل يده اليمنى إلى عنقه ، وجعل الشمال من يديه وراء ظهره ، فيتناول كتابه بشماله من وراء ظهره ، ولذلك وصفهم جلّ ثناؤه أحياناً ، أنهم يُؤْتَوْن كتُبَهُم بشمائلهم ، وأحياناً أنهم يُؤتَوْنَها من وراء ظهورهم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمر ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ } قال : يجعل يده من وراء ظهره . وقوله : { فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً } يقول : فسوف ينادي بالهلاك ، وهو أن يقول : واثبوراه ، واويلاه ، وهو من قولهم : دعا فلان لهفه : إذا قال : والهفاه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . وقد ذكرنا معنى الثبور فيما مضى بشواهده ، وما فيه من الرواية . حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { يَدْعُو ثُبُوراً } قال : يدعو بالهلاك . وقوله : { وَيَصْلَى سَعِيراً } اختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء مكة والمدينة والشام : « وَيُصَلَّى » بضم الياء وتشديد اللام ، بمعنى : أن الله يصليهم تصلية بعد تصلية ، وإنضاجة بعد إنضاجة ، كما قال تعالى : { كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيرَها } ، واستشهدوا لتصحيح قراءتهم ذلك كذلك ، بقوله : { ثُمَّ الجَحِيمَ صَلُّوهُ } وقرأ ذلك بعض المدنيين وعامة قرّاء الكوفة والبصرة : { وَيَصْلَى } بفتح الياء وتخفيف اللام ، بمعنى : أنهم يَصْلونها ويَرِدونها ، فيحترقون فيها ، واستشهدوا لتصحيح قراءتهم ذلك كذلك ، بقول الله : { يَصْلَوْنها } و { إلاَّ مَنْ هُوَ صِالِ الجَحِيمِ } والصواب من القول في ذلك عندي : أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب . وقوله : { إنَّهُ كانَ فِي أهْلِهِ مَسْرُوراً } يقول تعالى ذكره : إنه كان في أهله في الدنيا مسروراً ، لما فيه من خلافه أمرَ الله ، وركوبه معاصيَه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { إنَّهُ كانَ فِي أهْلِهِ مَسْرُوراً } : أي في الدنيا . وقوله : { إنَّهُ ظَنَّ أنْ لَنْ يَحُورَ بَلى } يقول تعالى ذكره : إن هذا الذي أُوتي كتابه وراء ظهره يوم القيامة ، ظنّ في الدنيا أن لن يرجع إلينا ، ولن يُبعث بعد مماته ، فلم يكن يبالي ما ركب من المآثم ، لأنه لم يكن يرجو ثواباً ، ولم يكن يخشى عقاباً يقال منه : حار فلان عن هذا الأمر : إذا رجع عنه ، ومنه الخبر الذي رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في دعائه : " اللَّهُمَّ إنّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الْحَوَرِ بَعْدَ الكَورِ " يعني بذلك : من الرجوع إلى الكفر ، بعد الإيمان . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { إنَّهُ ظَنَّ أنْ لَنْ يَحُورَ } يقول : يُبعث . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : { إنَّهُ ظَنَّ أنْ لَنْ يَحُورَ بَلى } قال : أن لا يرجع إلينا . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { إنَّهُ ظَنَّ أنْ لَنْ يَحُورَ } : أن لا مَعادَ له ولا رجعة . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { أنْ لَنْ يَحُورَ } قال : أن لن ينقلب : يقول : أن لن يبعث . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، { ظَنَّ أنْ لَنْ يَحُورَ } قال : يرجع . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { أنْ لَنْ يَحُورَ } قال : أن لن ينقلب . وقوله : { بَلى } يقول تعالى ذكره : بلى لَيَحُورَنّ ولَيَرْجِعَنّ إلى ربه حياً ، كما كان قبل مماته . وقوله : { إنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً } يقول جلّ ثناؤه : إن ربّ هذا الذي ظنّ أن لن يحور ، كان به بصيراً ، إذ هو في الدنيا ، بما كان يعمل فيها من المعاصي ، وما إليه يصير أمره في الآخرة ، عالم بذلك كلَّه .