Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 89, Ayat: 16-19)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله : { وَأمَّا إذَا ما ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ } يقول : وأما إذا ما امتحنه ربه بالفقر { فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ } يقول : فضيَّق عليه رزقه وقَتَّره ، فلم يكثر ماله ، ولم يوسع عليه { فَيَقُولُ رَبّي أهانَنِ } يقول : فيقول ذلك الإنسان : ربي أهانني ، يقول : أذلني بالفقر ، ولم يشكر الله على ما وهب له من سلامة جوارحه ، ورزقه من العافية في جسمه . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { وَأمَّا إذَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أهانَنِي } ما أسرع كفرَ ابن آدم . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، قوله : { فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ } قال : ضَيَّقه . واختلفت القرّاء في قراءة قوله { فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ } فقرأت عامة قرّاء الأمصار ذلك بالتخفيف ، فقَدَر : بمعنى فقتر ، خلا أبي جعفر القارىء ، فإنه قرأ ذلك بالتشديد : « فَقَدَّر » . وذُكر عن أبي عمرو بن العلاء أنه كان يقول : قدّر ، بمعنى يعطيه ما يكفيه ، ويقول : لو فعل ذلك به ما قال ربي أهانني . والصواب من قراءة ذلك عندنا بالتخفيف ، لإجماع الحجة من القرّاء عليه . وقوله : { كَلاَّ بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ } اختلف أهل التأويل في المعنيّ بقوله : { كَلاَّ } في هذا الموضع ، وما الذي أنكر بذلك ، فقال بعضهم : أنكر جلّ ثناؤه أن يكون سبب كرامته من أكرم كثرة ماله ، وسبب إهانته من أهان قلة ماله . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وأمَّا إذَا ما ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيقُولُ رَبِّي أهانني } ما أسرع ما كفر ابن آدم يقول الله جلّ ثناؤه : كلا إني لا أكرم من أكرمت بكثرة الدنيا ، ولا أهين من أهنت بقلتها ، ولكن إنما أُكرم من أكرمت بطاعتي ، وأُهين من أهنت بمعصيتي . وقال آخرون : بل أنكر جلّ ثناؤه حمد الإنسان ربه على نِعمه دون فقره ، وشكواه الفاقة . وقالوا : معنى الكلام : كلاّ ، أي لم يكن ينبغي أن يكون هكذا ، ولكن كان ينبغي أن يحمده على الأمرين جميعاً ، على الغنى والفقر . وأولى القولين في ذلك بالصواب : القول الذي ذكرناه عن قتادة ، لدلالة قوله { بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ } والآيات التي بعدها ، على أنه إنما أهان من أهان بأنه لا يكرم اليتيم ، ولا يَحُضّ على طعام المسكين ، وسائر المعاني التي عدّد ، وفي إبانته عن السبب الذي من أجله أهان من أهان ، الدلالة الواضحة على سبب تكريمه من أكرم ، وفي تبيينه ذلك عَقيب قوله : { فَأمَّا الإنْسانُ إذَا ما ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أكْرَمَنِ وَأمَّا إذَا ما ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أهانَنِ } بيان واضح عن الذي أنكر من قوله ما وصفنا . وقوله : { بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ } يقول تعالى ذكره : بل إنما أهنت من أَهَنت من أجل أنه لا يكرم اليتيم ، فأخرج الكلام على الخطاب ، فقال : بل لستم تكرمون اليتيم ، فلذلك أهنتكم { وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ المِسْكِينِ } . واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأه من أهل المدينة أبو جعفر وعامة قرّاء الكوفة { بَلْ لا تُكْرِمونَ الْيَتِيمَ وَلا تَحَاضُّونَ } بالتاء أيضاً وفتحها ، وإثبات الألف فيها ، بمعنى : ولا يحضّ بعضكم بعضاً على طعام المسكين . وقرأ ذلك بعض قرّاء مكة وعامة قرّاء المدينة ، بالتاء وفتحها وحذف الألف : « وَلا تَحُضُّونَ » بمعنى : ولا تأمرون بإطعام المسكين . وقرأ ذلك عامة قرّاء البصرة : « يَحُضُّونَ » بالياء وحذف الألف ، بمعنى : ولا يكرم القائلون إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه ربي أكرمني ، وإذا قدر عليه رزقه ربي أهانني اليتيم ، « وَلا يَحُضُّونَ عَلى طَعامِ المِسْكِينِ » وكذلك يقرأ الذين ذكرنا من أهل البصرة « يُكْرِمُونَ » وسائر الحروف معها بالياء ، على وجه الخبر عن الذين ذكرت . وقد ذُكر عن بعضهم أنه قرأ : « تُحاضُّونَ » بالتاء وضمها وإثبات الألف ، بمعنى : ولا تحافظون . والصواب من القول في ذلك عندي : أن هذه قراءات معروفات في قراءة الأمصار ، أعني القراءات الثلاث صحيحات المعاني ، فبأيّ ذلك قرأ القارىء فمصيب . وقوله : { وتَأكُلُونَ التُّرَاثَ أكْلاً لَمًّا } يقول تعالى ذكره : وتأكلون أيها الناس الميراث أكلاً لمَّا ، يعني : أكلاً شديداً ، لا تتركون منه شيئاً ، وهو من قولهم : لممت ما على الخِوان أجمع ، فأنا ألمه لمًّا : إذا أكلت ما عليه ، فأتيت على جميعه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني عمرو بن سعيد بن يسار القرشيّ ، قال : ثنا الأنصاريّ ، عن أشعث ، عن الحسن { وَتأكُلُونَ التُّرَاثَ أكْلاً لَمًّا } قال : الميراث . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { وَتأكُلُونَ التُّرَاثَ } أي الميراث . وكذلك في قوله : { أكْلاً لَمًّا } . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، { وَتأكُلُونَ التُّرَاثَ أكْلاً لَمًّا } يقول : تأكلون أكلاً شديداً . حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن عُلَية ، عن يونس ، عن الحسن ، في قوله : { وَتأكُلُونَ التُّرَاثَ أكْلاً لَمًّا } قال : نصيبه ونصيب صاحبه . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : { أكْلاً لَمًّا } قال : اللمّ : السفّ ، لفّ كل شيء . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { أكْلاً لَمًّا } : أي شديداً . حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { أكْلاً لَمًّا } يقول : أكلاً شديداً . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله : { وتَأكُلُونَ التُّرَاثَ أكْلاً لَمًّا } قال : الأكل اللمّ : الذي يأكل كلّ شيء يجده ولا يسأل ، فأكل الذي له ، والذي لصاحبه . كانوا لا يُوَرّثون النساء ، ولا يورّثون الصغار ، وقرأ : { يَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الكِتابِ في يَتامَى النِّساءِ اللاَّتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وتَرْغَبُونَ أنْ تَنْكِحُوهُنَّ والمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ } أي لا تورِّثونهنّ أيضاً { أكْلاً لَمًّا } يأكل ميراثه ، وكلّ شيء لا يسأل عنه ، ولا يدري أحلال أو حرام . حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس { تَأكُلُونَ التُّرَاثَ أكْلاً لَمًّا } . يقول : سَفًّا . حدثني ابن عبد الرحيم البرقيّ ، قال : ثنا عمرو بن أبي سلمة البستيّ ، عن زُهير ، عن سالم ، قال : قد سمعت بكر بن عبد الله يقول في هذه الآية : { وَتأكُلُونَ التُّرَاثَ أكْلاً لَمًّا } قال : اللمّ : الاعتداء في المِيراث ، يأكل ميراثه وميراث غيره .