Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 5-5)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قَالَ يٰبُنَيَّ } صغره لصغر سنه ، وللشفقة عليه ، ولعذوبة المصغّر ، { لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً } أي : فيفعلوا لأجلك أو لإهلاكك تحيلا عظيما متلفا لك . { إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } أي : ظاهر العداوة ، فلا يألو جهدا في إغواء إخوتك وحملهم على ما لا خير فيه . قال القاشاني : هذا النهي من الإلهامات المجملة ، فإنه قد يلوح صورة الغيب من المجردات الروحانية في الروح ، ويصل أثره إلى القلب ، ولا يتشخص في النفس مفصلا ، حتى يقع العلم به كما هو ، فيقع في النفس منه خوف واحتراز إن كان مكروهاً ، وفرح وسرور إن كان مرغوبا . ويسمى هذا النوع من الإلهام ، إنذارات وبشارات . فخاف عليه السلام ، من وقوع ما وقع قبل وقوعه ، فنهاه عن إخبارهم برؤيَاه احترازاً ، ويجوز أن يكون احترازه كان من جهة دلالة الرؤيا على شرفه وكرامته ، وزيادة قدره على إخوته ، فخاف من حسدهم عليه عند شعورهم بذلك . انتهى . تنبيه قال السيوطي في ( الإكليل ) : قال الكيا : هذا يدل على جواز ترك إظهار النعمة لمن يخشى منه حسد ومكروه . وقال ابن العربي : فيه حكم بالعادة أن الإخوة والقرابة يحسدون . قال : وفيه أن يعقوب عرف تأويل الرؤيا ولم يبال بذلك ، فإن الرجل يودّ أن يكون ولده خيرا منه ، والأخ لا يود ذلك لأخيه . وقال بعض المفسرين اليمانيين : قال الحاكم : هذا يدل على أنه يجب في بعض الأوقات إخفاء فضيلة ، تحرزا من الحسود . وهذا داخل في قولنا : إن الحسن إذ كان سببا للقبيح قبح . ومنه آية الأنعام : { وَلاَ تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَسُبُّواْ ٱللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ } [ الأنعام : 108 ] . وفي هذا ما ذكر عن زين العابدين : @ إني لأكتمُ من علمي جواهِرَهُ كي لاَ يَرى الحقّ ذُو جهلٍ فيَفْتَتنَا @@ الأبيات المعروفة ، ذكرها عن زين العابدين ، الغزالي في ( منهاج العابدين ) والديلميّ في كتاب ( التصفية ) . وهذا يعقوب صلوات الله عليه أمر يوسف أن لا يقص رؤياه على إخوته ، والمعنى واحد ، فلا معنى لإنكار من ينكر ويزعم أن العلم لا يحل كتمه . انتهى . ومقصوده أن خوف شر الأشرار من الصوراف عن الصدع بالحق . قال السيد ابن المرتضى اليمانيّ في ( إيثار الحق ) : مما زاد الحق غموضاً وخفاءً خوف العارفين ، مع قلتهم ، من علماء السوء ، وسلاطين الجور ، وشياطين الخلق ، مع جواز التقيّة عند ذلك ، بنص القرآن وإجماع أهل الإسلام . وما زال الخوف مانعاً من إظهار الحق وما برح المحق عدوّا لأكثر الخلق . وذكر رحمه الله قبلُ في الاستدلال على التقية ؛ أنه تعالى أثنى على مؤمن آل فرعون ، مع كتم إيمانه ، وسميت به سورة ( المؤمن ) . وصح أمر عمّار به ، وتقريره عليه ، ونزلت فيه : { إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِٱلإِيمَانِ } [ النحل : 106 ] . وقد صح عن أبي هريرة أنه قال في ذلك العصر الأول : حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين ، أما أحدهما فبثثتهُ لكم ، وأما الآخر فلو بَثَثْتُهُ لقطع هذا البلعوم . قال الغزالي في خطبة ( المقصد الأسنى ) : من خالط الخلق جدير بأنه يتحامى ، لكن من أبصر الحق عسير عليه أن يتعامى . انتهى .