Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 188-188)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَاطِلِ } قال ابن جرير : يعني تعالى ذكره بذلك : ولا يأكل بعضكم مال بعض بالباطل . فجعل بذلك أكل مال أخيه بالباطل كالآكل مال نفسه بالباطل ، ونظير ذلك قوله تعالى : { وَلاَ تَلْمِزُوۤاْ أَنفُسَكُمْ } [ الحجرات : 11 ] { وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ } [ النساء : 29 ] بمعنى : لا يلمز بعضكم بعضاً ولا يقتل بعضكم بعضاً ؛ لأنه تعالى جعل المؤمنين إخوة . وكذلك تفعل العرب . تكني عن أنفسها بأخواتها ، وعن أخواتها بأنفسها ؛ لأن أخا الرجل عندها كنفسه ؛ فتأويل الكلام : ولا يأكل بعضكم أموال بعض فيما بينكم بالباطل ، وأكله بالباطل أكله من غير الوجه الذي أباحه الله لآكليه . ا . هـ . و { بَيْنَكُمْ } إما طرف لـ { تَأْكُلُوۤاْ } بمعنى : لا تتناولوها فيما بينكم بالأكل ، أو حال من الأموال أي : لا تأكلوها كائنة بينكم ودائرة بينكم . و { بِٱلْبَاطِلِ } في موضع نصب بـ { تَأْكُلُوۤاْ } أي : لا تأخذوها بالسبب الباطل - أي الوجه الذي لم يبحه الله تعالى - ويجوز أن يكون حالاً من الأموال أي : لا تأكلوها متلبسة بالباطل . أو من الفاعل في { تَأْكُلُوۤاْ } أي : لا تأكلوها مبطلين أي متلبسين بالباطل { وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى ٱلْحُكَّامِ } أي : تخاصموا بها - أي : بأموالهم - إلى الحكام ؛ مجزوم عطفاً على النهي ، ويؤيده قراءة أُبيّ : " ولا وَتُدْلُواْ " بإعادة لا الناهية والإدلاء : مأخوذ من إدلاء الدلو وهو : إرسالها في البئر للاستقاء ثم استعير لكلّ إلقاء قول أو فعل توصّلاً إلى شيء ؛ ومنه يقال للمحتجّ : أدلى بحجّته ، كأنه يرسلها ليصير إلى مراده . كإدلاء المستقي الدلو ليصل إلى مطلوبه من الماء ، وفلان يدلي إلى الميت بقرابة أو رحم ، إذا كان منتسباً إليه ، فيطلب الميراث بتلك النسبة ، فالباء صفة الإدلاء تجوزاً به عن الإلقاء كما ذكرنا ، والمعنى : لا تلقوا أمرها - والحكومة فيها - إلى الحكام . أو لا تلقوا بعضها إلى حكام السوء على وجه الرشوة ليعينوكم على اقتطاع أموال الناس . وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي والرائش - وهو الواسطة الذي يمشي بينهما - رواه أهل السنن ، وذلك لأن وليّ الأمر إذا أكل هذا السحت - أعني الرشوة المسماة بالبرطيل ، وتسمى أحياناً بالهدية وغيرها - احتاج أن يسمع الكذب من الشهادة الزور وغيرها مما فيه إعانة على الإثم والعدوان ؛ ووليّ الأمر إنما نصب ليأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ، هذا مقصود الولاية . وإذا كان الوالي يمكّن من المنكر بمال يأخذه كان قد أتى بضدّ المقصود ، مثل من نصبته ليعينك على عدوّك فأعان عدوّك عليك . وبمنزلة من أخذ مالاً ليجاهد به في سبيل الله فقاتل المسلمين . و { ٱلْحُكَّامِ } : جمع حاكم وهو منفذ الحكم بين الناس كالحَكَم ، محرّكة . { لِتَأْكُلُواْ } أي : بواسطة حكمهم الفاسد ، والتحاكم إليهم - { فَرِيقاً } أي : طائفة وقطعة - { مِّنْ أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ بِٱلإِثْمِ } بما يوجب إثماً - كشهادة الزور واليمين الفاجرة وحكمهم الفاسد - فإنه لا يفيد الحلّ والظلم . فالباء للسببية . متعلقها { لِتَأْكُلُواْ } . وجوز كونها للمصاحبة . فالمجرور حال من فاعل { لِتَأْكُلُواْ } أي : متلبسين بالإثم { وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } أي : أنكم على الباطل . وارتكابُ المعصية - مع العلم بقبحها - أقبح ، وصاحبه أحقّ بالتوبيخ ، فالتقييد لكمال تقبيح حالهم . قال الراغب : أي : إن خفي ظلمكم على الناس فإنه لا يخفي عليكم ، تنبيهاً على أنّ الاعتبار بما عليه الأمر في نفسه ، وما علمتم منه لا بما يظهر . وقال ابن كثير في تفسيره : قال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس : هذه الآية في الرجل يكون عليه مال وليس عليه فيه بيّنة ، فيجحد المال ، ويخاصم إلى الحكام . وهو يعرف أنّ الحقّ عليه . وهو يعلم أنّه آثم آكل الحرام . وكذا روي عن مجاهد ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة ، ومجاهد ، والحسن ، وقتادة ، والسدّيّ ، ومقاتل بن حيان ، وعبد الرحمن بن زيد أنهم قالوا : لا تخاصم وأنت تعلم أنك ظالم . وقد ورد في الصحيحين عن أم سلمة : أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ألا إنما أنا بشر ، وإنما يأتيني الخصم ، فلعلّ بعضكم أن يكون ألحن بحجّته من بعض فأقضي له ، فمن قضيت له بحقّ مسلم فإنما هي قطعة من نار فليحملها أو ليذرها " فدلْت هذه الآية الكريمة وهذا الحديث على أنّ حكم الحاكم لا يغير الشيء في نفس الأمر ، فلا يُحل في نفس الأمر حراماً هو حلال ، ولا يحرم باطلاً هو حلال . وإنما هو ملزم في الظاهر . فإن طابق في نفس الأمر فذاك . وإلا فللحاكم أجره . وعلى المحتال وزره . ولهذا قال تعالى في آخر الآية : { وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } أي : تعلمون بطلان ما تدعونه وترجونه في كلامكم . قال قتادة : اعلم يا بني آدم ، أن قضاء القاضي لا يحل حراماً ولا يحق لك باطلاً . وإنما يقضي القاضي بنحو ما يرى وتشهد به الشهود ، والقاضي بشرٌ يخطئ ويصيب . واعلموا أنّ من قضى له بباطلٍ أنّ خصومته لم تنقض حتى يجمع الله بينهما يوم القيامة . فيقضي على المبطل للمحقّ بأجود مما قُضى به للمبطل على المحق في الدنيا .