Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 213-213)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً } أي : وجدوا أمة واحدة تتحد مقاصدها ومطالبها ووجهتها لتصلح ولا تفسد ، وتحسن ولا تسيء ، وتعدل ولا تظلم ؛ أي : ما وجدوا إلا ليكونوا كذلك ، كما قال في الآية الأخرى : { وَمَا كَانَ ٱلنَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَٱخْتَلَفُواْ } [ يونس : 19 ] أي : انحرفوا عن الاتحاد والاتفاق ، الذي يثمر كلّ خير لهم وسعادة ، إلى الاختلاف والشقاق المستتبع الفساد وهلاك الحرث والنسل ، ولما كانوا لم يخلقوا سدىً مّنّ الله عليهم بما يبصّرهم سبيل الرشاد في الاتحاد على الحق من بعثة الأنبياء ، وما نزل معهم من الكتاب الفصل ، كما أشارت تتمة الآية { وَٰحِدَةً فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّينَ } الذين رفعهم على بقية خلقه فأنبأهم بما يريد من أمره ، وأرسلهم إلى خلقه { مُبَشِّرِينَ } لمن آمن وأطاع { وَمُنذِرِينَ } لمن كفر وعصى { وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَٰبَ } أي : كلامه الجامع لما يحتاجون إليه في باب الدين على الاستقامة والهداية التامة لكونه متلبساً { بِٱلْحَقِّ } من جميع الوجوه { لِيَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ } من الاعتقادات والأعمال التي كانوا عليها قبل ذلك أمة واحدة ، فسلكوا بهم ، بعد جهدٍ ، السبيلَ الأقومَ ، ثم ضلوا على علمٍ بعد موت الرسل ، فاختلفوا في الدين لاختلافهم في الكتاب . { وَمَا ٱخْتَلَفَ فِيهِ } أي : الكتاب الهادي الذي لا لبس فيه ، المنزل لإزالة الاختلاف { إِلاَّ ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ } أي : علموه فبدّلوا نعمة الله بأن أوقعوا الخلاف فيما أنزل لرفع الخلاف . ولم يكن اختلافهم لالتباس عليهم من جهته بل { مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَٰتُ } - أي : الدلائل الواضحة - { بَغْياً بَيْنَهُمْ } أي : حسداً وقع بينهم { فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بالكتاب { لِمَا ٱخْتَلَفُواْ } أي : أهل الضلالة { فِيهِ مِنَ ٱلْحَقِّ } أي : للحق الذي اختلفوا فيه . وفي إبهامه أولاً ، وتفسيره ثانياً ، ما لا يخفى من التفخيم ، { بِإِذْنِهِ } أي : بتيسيره ولطفه ، { وَٱللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } . تقرير لما سبق . وفي صحيح مسلم عن عائشة : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان - إذا قام من الليل يصلي - يقول : " اللهم ربّ جبريل وميكائيل وإسرافيل ! فاطر السماوات والأرض ! عالمَ الغيب والشهادة ! أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهدني لما اختلف فيه من الحقّ بإذنك إنّك تهدي من تشاء إلى صراطٍ مستقيم … ! " " .