Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 49-55)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قُلْ } أي : لهؤلاء الجاحدين : قد مضى دور الخوارق التي تقترحونها ، ونسخ تعالى من تلك الآيات بما أتى بخير منها ، وهو آية الهداية التي تصلح بها قلوب العالمين . والذكرى التي تزع النفوس عن الشر ، وتحملها على الخير . بحيث يظهر أثرها الحسن في المؤمنين ، ويحق الشقاء على الجاحدين المعاندين . فإن يك هذا سحراً ، ولديكم ما هو أهدى { فَأْتُواْ بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ هُوَ أَهْدَىٰ مِنْهُمَآ } أي : من التوراة والقرآن { أَتَّبِعْهُ } أي : ولا أعاندكم مثل ما تعاندونني { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } أي : في أنهما سحران مختلقان . أو في أنه يمكن الإتيان بما هو أهدى منهما . قال أبو السعود : ومثل هذا الشرط مما يأتي به من يدل بوضوح حجته وسنوح محجته . لأن الإتيان بما هو أهدى من الكتابين ، أمر بيّن الاستحالة . فيوسع دائرة الكلام للتبكيت والإفحام . انتهى . أي : لا للشك والتردد . قال الشهاب : وهذا جواب عما يقال أن عدم إتيانهم به معلوم . وهذا كما يقول المدّل : إن كنت صديقك القديم ، فعاملني بالجهل . وكذا في إيراد كلمة ( إن ) مع امتناع صدقهم ، نوع تهكم بهم { فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ } أي : فلم يأتوا بذلك الكتاب ، ولم يتابعوا الكتابين { فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ } أي : الزائغة من غير برهان { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ ٱتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ ٱللَّهِ } الاستفهام إنكاريّ للنفي . أي : لا أحد أضل منه . كيف لا ؟ وهو أظلم الظلمة ، بتقديم هواه على هدى الله . كما قال تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } أي : الذين ظلموا أنفسهم بالانهماك في اتباع الهوى ، والإعراض عن الآيات الهادية إلى الحق المبين . قال الرازيّ : وهذا من أعظم الدلائل على فساد التقليد ، وأنه لا بد من الحجة والاستدلال . انتهى . { وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ ٱلْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } أي : أنزلنا عليهم القرآن متواصلا ، بعضه إثر بعض ، وعداً ووعيداً ، وقصصاً وعبراً ، ومواعظ ، حسبما تقتضيه الحكمة والمصلحة إرادة أن يتذكروا فيفلحوا . وقرئ ( وصلنا ) بالتشديد والتخفيف { ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ } أي : القرآن { هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ } وهم مؤمنو أهل الكتاب وأولياؤهم { وَإِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ } أي : القرآن { قَالُوۤاْ آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّنَآ إنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ } أي : من قبل نزوله { مُسْلِمِينَ } أي : منقادين له ، لما عندنا من المبشرات به . أو على دين الإسلام ، وهو إخلاص الوجه له تعالى بدون شرك . { أُوْلَـٰئِكَ } أي : الموصوفون بما ذكر من النعوت { يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ } يعني : مرة على إيمانهم بكتابهم ، ومرة على إيمانهم بالقرآن { بِمَا صَبَرُواْ } أي : بصبرهم وثباتهم على الإيمانين . أو على الإيمان بالقرآن قبل النزول وبعده . أو على أذى من نابذهم { وَيَدْرَؤُنَ } أي : يدفعون { بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ } أي : بالحكمة الطيبة ، ما يسوؤهم { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } أي : للبؤساء والفقراء ، وفي سبيل البرّ والخير ، فراراً عن وصمة الشحّ ، وتنبهاً لآفاته . { وَإِذَا سَمِعُواْ ٱللَّغْوَ } أي : من الجهال . وهو كل ما حقه أن يلغى ويترك ، من العبث وغيره { أَعْرَضُواْ عَنْهُ } أي : تكريماً للنفس عن ملابسة الأدنياء ، وتشريفاً للسمع عن سقط باطلهم { وَقَالُواْ } أي : لهم { لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ } أي : بطريق التوديع والمتاركة ؛ وعن الحسن رضي الله عنه : كلمة حلم المؤمنين { لاَ نَبْتَغِي ٱلْجَاهِلِينَ } أي : لا نريد مخالطتهم وصحبتهم ، ولا نريد مجازاتهم بالباطل على باطلهم . فال الرازيّ : قال قوم : نسخ ذلك بالأمر بالقتال . وهو بعيد . لأن ترك المسافهة مندوب . وإن كان القتال واجباً . تنبيه قال ابن كثير : عن سعيد بن جبير : إنها نزلت في سبعين من القسيسين . بعثهم النجاشيّ . فلما قدموا النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ عليهم : { يسۤ * وَٱلْقُرْآنِ ٱلْحَكِيمِ } [ يس : 1 - 2 ] حتى ختمها . فجعلوا يبكون وأسلموا . وقال محمد بن إسحاق في ( السيرة ) : ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة ، عشرون رجلا أو قريب من ذلك من النصارى ، حين بلغهم خبره من الحبشة . فوجدوه في المسجد . فجلسوا إليه وكلّموه وسألوه . ورجال من قريش في أنديتهم . حول الكعبة . فلما فرغوا من مساءلة رسول الله صلى الله عليه وسلم عما أرادوا ، دعاهم إلى الله تعالى وتلا عليهم القرآن . فلما سمعوا القرآن فاضت أعينهم من الدمع . ثم استجابوا لله وآمنوا به ، وصدقوه وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره . فلما قاموا عنه اعترضهم أبو جهل بن هشام في نفر من قريش . فقالوا لهم : خيّبكم الله من ركب . بعثكم مَن وراءكم من أهل دينكم ترتادون لهم ، لتأتوهم بخير الرجل . فلم تطمئن مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم وصدقتموه فيما قال . ما نعلم ركباً أحمق منكم . أو كما قالوا لهم . فقالوا لهم : سلام عليكم . لا نجاهلكم . لنا ما نحن عليه ، ولكم ما أنتم عليه ، لم نأل أنفسنا خيراً . قال : ويقال إن النفر النصارى من أهل نجران . فالله أعلم أيّ ذلك كان . قال : ويقال ، والله أعلم ، إن فيهم نزلت هذه الآيات { ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ } إلى قوله : { لاَ نَبْتَغِي ٱلْجَاهِلِينَ } . قال : وسألت الزهريّ عن الآيات فيمن نزلت ؟ قال : ما زلت أسمع من علمائنا أنهن نزلن في النجاشيّ وأصحابه رضي الله عنهم . والآيات اللاتي في سورة المائدة { ذٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً } [ المائدة : 82 ] إلى قوله : { فَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّاهِدِينَ } [ المائدة : 83 ] .