Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 2-4)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَٱتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَـيْكَ مِن رَبِّكَ } أي : في ترك طاعة الكافرين والمنافقين وغير ذلك { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً * وَتَوَكَّلْ عَلَىٰ ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً } أي : أسند أمرك إليه ، وكله إلى تدبيره . فكفى به حافظاً موكولا إليه كل أمر { مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ ٱللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ } قال الزمخشري : أي : ما جمع الله قلبين في جوف ، ولا زوجية وأمومة في امرأة ، ولا بنوّة ودعوة في رجل . والمعنى : إن الله سبحانه ، كما لم ير في حكمته أن يجعل للإنسان قلبين ، لأنه لا يخلو إما أن يفعل بأحدهما مثل ما يفعل بالآخر من أفعال القلوب ، فأحدهما فضلة غير محتاج إليها - وإما أن يفعل بهذا غير ما يفعل بذاك ، فذلك يؤدي إلى اتصاف الجملة بكونه مريدا كارها ، عالماً ظاناً ، موقناً شاكاً ، في حالة واحدة - لم ير أيضاً أن تكون المرأة الواحدة أماً لِرَجل زوجا له . لأن الأم مخدومة ، مخفوض لها جناح الذل ، والزوجة مستخدمة متصرف فيها بالاستفراش وغيره ، كالمملوكة . وهما حالتان متنافيتان . وأن يكون الرجل الواحد دعياً لرجل ، وابناً له ، لأن البنوة أصالة النسب ، وعراقة فيه . والدعوة إلصاق عارض بالتسمية لا غير . ولا يجتمع في الشيء الواحد أن يكون أصيلا غير أصيل . وهذا مثل ضربه الله في ( زيد بن حارثة ) وهو رجل من كَلْبٍ سُبِيَ صغيراً . وكانت العرب في جاهليتها يتغاورون ويتسابَون . فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة . فلما تزوجها رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهبته له . وطلبه أبوه وعمه فَخُيِّرَ ، فاختار رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه . وكانوا يقولون : ( زيد بن محمد ) فأنزل الله هذه الآية . وقوله : { مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ } [ الأحزاب : 40 ] . والتنكير في ( رجل ) وإدخال ( من ) الاستغراقية على ( قلبين ) تأكيدان لما قصد من المعنى . كأنه قال : ما جعل الله لأمة الرجال ، ولا لواحد منهم ، قلبين البتة في جوفه . وفائدة ذكر ( الجوف ) كالفائدة في قوله : { ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ } [ الحج : 46 ] وذلك ما يحصل للسامع من زيادة التصوّر والتجلّي للمدلول عليه . لأنه إذا سمع به ، صوّر لنفسه جوفاً يشتمل على قلبين فكان أسرع إلى الإنكار . ومعنى ( ظاهر من امرأته ) قال لها : أنت عليّ كظهر أمي . وكان الظهار طلاقاً عند أهل الجاهلية . فكانوا يتجنبون المرأة المظاهر منها ، كما يتجنبون المطلقة . وهو في الإسلام يقتضي الطلاق والحرمة إلى أداء الكفارة . قال الأزهري : وخصوا ( الظَّهر ) ، لأنه محل الركوب . والمرأة تركب إذا غشيت . فهو كناية تلويحية ، انتقل من الظهر إلى المركوب ، ومنه إلى المغشيّ . والمعنى : أنت محرمة عليَّ لا تركبين كما لا تركب الأم . كذا في ( الكشف ) . وقوله تعالى : { ذَٰلِكُمْ } إشارة إلى كل ما ذكر . أي : من كونه ليس لأحد قلبان ، وليست الأزواج أمهات ، ولا الأدعياء أبناء . أو إلى الأخير فقط وهو الدعوة { قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ } أي : لا حقيقة له فلا يقتضي دعواكم ذلك ، أن يكون ابناً حقيقياً . فإنه مخلوق من صلب رجل آخر فلا يمكن أن يكون له أبوان ، كما لا يمكن أن يكون لبشر واحد قلبان { وَٱللَّهُ يَقُولُ ٱلْحَقَّ } أي : الثابت المحقق في نفس الأمر { وَهُوَ يَهْدِي ٱلسَّبِيلَ } أي : سبيل الحق .