Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 5-5)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ٱدْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ } أي : انسبوهم إليهم . وهو إفراد للمقصود من أقواله تعالى الحقة { هُوَ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ } أي : أعدل وأحكم . قال ابن كثير : هذا الأمر ناسخ لما كان في ابتداء الإسلام ، من جواز ادعاء الأبناء الأجانب وهم الأدعياء . فأمر تبارك وتعالى بردّ نسبهم إلى آبائهم في الحقيقة . وأن هذا هو العدل والقسط والبر . روى البخاري عن ابن عمر قال : إن زيد بن حارثة رضي الله عنه ، مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلم ، ما كنا ندعوه إلا ( زيد بن محمد ) حتى نزل القرآن { ٱدْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ } وأخرجه مسلم وغيره . وقد كانوا يعاملونهم معاملة الأبناء من كل وجه ، في الخلوة بالمحارم وغير ذلك . ولهذا " قالت سهلة بنت سهيل ، امرأة أبي حذيفة رضي الله عنها : يا رسول الله ! إنا ندعوا سالما ابنا . وإن الله قد أنزل ما أنزل . وإنه كان يدخل عليّ . وإني أجد في نفس أبي حذيفة من ذلك شيئاً . فقال صلى الله عليه وسلم : " أرضعيه تحرمي عليه … " الحديث . ولهذا لما نسخ هذا الحكم ، أباح تبارك وتعالى زوجة الدعيّ . وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش ، مطلقة زيد بن حارثة رضي الله عنه . وقال عز وجل : { لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِيۤ أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمْ إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً } [ الأحزاب : 37 ] وقال تبارك وتعالى : في آية التحريم { وَحَلَٰئِلُ أَبْنَائِكُمُ ٱلَّذِينَ مِنْ أَصْلَٰبِكُمْ } [ النساء : 23 ] احترازاً عن زوجة الدعيّ ، فإنه ليس من الصلب . فأما الابن من الرضاعة ، فمنزل منزلة ابن الصلب شرعاً ، بقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين : " حرموا من الرضاعة ما يحرم من النسب " . فأما دعوة الغير ابنا ، على سبيل التكريم والتحبيب ، فليس مما نهى عنه في هذه الآية ، بدليل ما رواه الامام أحمد وأهل السنن ، إلا - الترمذي - عن ابن عباس رضي الله عنهما : قال : " قدّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أغليمةَ بني عبد المطلب على جمرات لنا من ( جَمْع ) فجعل يلطح أفخاذنا ويقول : " أُبيْنِيَّ ! لاترموا الجمرة حتى تطلع الشمس " " . قال أبو عبيدة وغيره : ( أُبَيْنيَّ ) ، تصغير ( ابني ) . وهذا ظاهرالدلالة . فإن هذا في حجة الوداع سنة عشر . وفي مسلم عن أنس قال : قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلم : " يابنيّ " رواه أبو داود والترمذيّ . انتهى كلام ابن كثير . وفي ذهابه إلى أن الأمر في الآية ناسخ - نظر ، لأن الناسخ لابد أن يرفع خطابا متقدما . وأما ما لاخطاب فيه سابقاً ، بل ورد حكما مبتدأ رفع البراءة الأصلية ، فلا يسمّى نسخاً اصطلاحاً . فاحفظه . فإنه مهم ومفيد في عدة مواضع . ولما أمر تعالى بردّ أنساب الأدعياء إلى آبائهم ، إن عرفوا ، أشار إلى دعوتهم بالإخوّة والمولوية إن لم يعرفوا ، بقوله سبحانه { فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوۤاْ آبَاءَهُمْ } أي : فتنسبوهم إليهم { فَإِخوَانُكُمْ } أي : فهم إخوانكم { فِي ٱلدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ } أي : أولياؤكم فيه . أي : فقولوا : هذا أخي ، وهذا مولاي . ويا أخي ويا مولاي { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ } أي : إثم { فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ } أي : فيما فعلتموه من نسبة بعضهم إلى غير أبيه في الحقيقة ، مخطئين بالسهو أو النسيان ، أو سبق اللسان ، لأن الله تعالى قد وضع الحرج في الخطأ ورفع إثمه { وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ } أي : ففيه الجناح ، لأن من تعمد الباطل كان آثماً { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } أي : لعفوه عن المخطىء .