Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 53-53)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ } هذا خطاب لبعض الصحب ، وحظر عليهم أن يدخلوا منازله صلّى الله عليه وسلم بغير إذن . كما كانوا قبل ذلك يصنعون في بيوتهم في الجاهلية وابتداء الإسلام . و { إِلَىٰ } متعلق بـ { يُؤْذَنَ } بتضمين معنى الدعاء ، للإشعار بأنه لا ينبغي أن يدخلوا على الطعام بغير دعوة ، وإن تحقق إذن . كما يشعر به قوله تعالى : { غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ } أي : غير منتظرين وقته ، وإدراكه . قال ابن كثير : أي : لا ترقبوا الطعام إذا طبخ ، حتى إذا قارب الاستواء تعرضتم للدخول . فإن هذا مما يكرهه الله ويذمه . وهذا دليل على تحريم التطفل . وهو الذي تسميه العرب الضيفن . وقد صنف الخطيب البغداديّ في ذلك كتاباً في ذم الطفيليين . وذكر من أخبارهم أشياء يطول إيرادها . انتهى . وأقول : قد يكون معنى قوله : { غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ } نهياً لهم أن يدخلوا - مع كونهم مأذونا لهم ومدعوين - قبل الميعاد المضروب لهم حضورهم فيه ، عجلة وانتظاراً لنضج الطعام فإن ذلك مما يؤذي قلب صاحب الدعوة ، لشغل هذه الحصة معهم بلا فائدة ، إلا ضيق صدر الداعي وأهله ، وشغل وقته وتوليد حديث ، وتكلفاً لكلام لا ضرورة له ، وإطاقة زمن الحجاب على نسائه . وما ذلك إلا من شؤم التعجيل قبل الوقت . ولذلك قال تعالى : { وَلَـكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَٱدْخُلُواْ } أي : إذا دعيتم إلى الدخول في وقته . فادخلوا فيه لا قبله ولا بعده . فـ : { لَـكِنْ } استدراك من النهي عن الدخول ، مع الإذن المطلق الذي هو الدعوة بتعليم أدب آخر ، وإفادة شرط مهم ، وهو الإشارة إلى أن للدعوة حينا ووقتاً يجب أن يراعى زمنه ، وهذا المنهيّ عنه لم يزل يرتكبه ثقلاء القرويين ومن شاكلهم من غلظاء المدنيين الذين لم يتأدبوا بآداب الكتاب الكريم والسنة المطهرة . وهو أنهم إذا دعوا لتناول طعام يتعجلون المجيء قبل وقته بساعات ، مما يغمّ نفس الداعي وأهله . ويذهب لهم جانبا من عزيز وقتهم عبثا إلا في سماع حديثهم البارد . وخدمتهم المستكرهة كما قدمنا . فعلى ما ذكرناه يكون في الآية فائدة جميلة ، وحكم مهم . وهو حظر المجيء قبل الوقت المقدّر . وحينئذ فكلمة { غَيْرَ } حال ثانية من الفاعل مقيدة للدخول المأذون فيه . وهو أن يكون وقت الدعوة ، لا قبله . والتقدير : ( إلا مأذونين في حال كونكم غير ناظرين إناه ) . ولذا قيل : إنها آية الثقلاء . إذا علمت هذا ، فالأجدر استنباط حظر التطفل من صدر الآية ، وهوّ { لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ } ومن قوله : { وَلَـكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَٱدْخُلُواْ } لا من قوله : { غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ } لأنه في معنى خاص . وهو ما ذكرناه , والله أعلم . فائدة ( الإنى ) : مصدر . يقال أنى الشيء يأنى أنياً بالفتح . و ( أنى ) مفتوحاً مقصوراً . و ( إني ) بالكسر مقصوراً . أي : حان وأدرك . قال عمرو بن حسان : @ تَمَخَّضَتِ الْمَنُوْنَ لَهُ بِيَوْمٍ أنَى ولكل حاملة تَمامُ @@ ثم أشار سبحانه إلى أدب آخر بقوله تعالى : { فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَٱنْتَشِرُواْ } أي : تفرقوا ولا تمكثوا { وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ } أي : لحديث بعضكم بعضاً ، أو لحديث أهل البيت بالتسمع له عطف على ( ناظرين ) أو مقدر بفعل . أي : لا تمكثوا مستأنسين { إِنَّ ذَٰلِكُمْ } أي : المنهيّ عنه في الآية { كَانَ يُؤْذِي ٱلنَّبِيَّ } أي : لتضييق المنزل عليه وعلى أهله وإشغاله بما لا يعنيه { فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ } أي : من الإشارة إليكم بالانتشار { وَٱللَّهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ ٱلْحَقِّ } يعني : أن انتشاركم حق . فينبغي أن لا يترك حياء كما لا يتركه الله ترك الحيي فأمركم به ووضع الحق موضع الانتشار لتعظيم جانبه . وقرئ : " لا يستحي " بحذف الياء الأولى وإلقاء حركتها على الحاء { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ } الضمير لنساء النبيّ المدلول عليهن بذكر بيوته عليه السلام { مَتَاعاً } أي : شيئاً يتمتع به { فَٱسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ } أي : ستر { ذٰلِكُمْ } أي : ما ذكر من عدم الدخول بغير إذن ، وعدم الاستئناس للحديث عند الدخول ، وسؤال المتاع من وراء حجاب { أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ } أي : من الخواطر الشيطانية ، في الميل إليهن وإليكم . يعني ويجب التطهر عنه ، لما فيه من إيذاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم . ولذا قال : { وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ ٱللَّهِ } أي : أن تفعلوا فعلا يتأذى به في حياته { وَلاَ أَن تَنكِحُوۤاْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ } أي : من بعد وفاته لا إلى انقضاء العدة بل { أَبَداً إِنَّ ذٰلِكُمْ كَانَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيماً } أي : أمرا عظيماً وخطباً هائلا ، لا يقادر قدره . لما فيه من هتك حرمة حبيبه صلّى الله عليه وسلم . قال أبو السعود : وفيه من تعظيمه تعالى لشأن رسوله صلّى الله عليه وسلم ، وإيجاب حرمته حياً وميتاً ، ما لا يخفى . ولذلك بالغ تعالى في الوعيد حيث قال : { إِن تُبْدُواْ شَيْئاً … } .