Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 54-54)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِن تُبْدُواْ شَيْئاً } أي : مما لا خير فيه ، كنكاحهن على ألسنتكم ، على ما روي عن بعض الجفاة { أَوْ تُخْفُوهُ } أي : في نفوسكم { فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً } أي : فيجازيكم بما صدر عنكم من المعاصي البادية والخافية لا محالة . , وفي هذا التعميم مع البرهان على المقصود ، مزيد تهويل وتشديد ومبالغة في الوعيد . قال ابن كثير : أجمع العلماء قاطبة على أن من توفى عنها رسول الله صلّى الله عليه وسلم من أزواجه ، أنه يحرم على غيره تزوجها من بعده . لأنهن أزواجه في الدنيا والآخرة ، وأمهات المؤمنين . واختلفوا فيمن دخل بها ثم طلقها في حياته . هل يحل لغيره أن يتزوجها ؟ على قولين . مأخذهما هل دخلت هذه في عموم قوله : { مِن بَعْدِهِ } أم لا ؟ فأما من تزوجها ثم طلقها قبل أن يدخل بها ، فما نعلم في حلها لغيره ، والحالة هذه نزاعا والله أعلم . انتهى . تنبيه في ( الإكليل ) : هذه آية الحجاب التي أمر بها أمهات المؤمنين . بعد أن كان النساء لا يحتجبن . وفيها جواز سماع كلامهن ومخاطبتهن . وفيها تحريم أذى النبي صلّى الله عليه وسلم بسائر وجوه الأذى . انتهى . و قال ابن كثير : هذه آية الحجاب . وفيها أحكام ، وآداب شرعية . وهي مما وافق تنزيلها قول عمر رضي الله عنه ، كما روى البخاريّ عنه أنه قال : " يا رسول الله ! يدخل عليك البر والفاجر . فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب ! " فأنزل الله آية الحجاب . وكان يقول لو أطاع فيكن ، ما رأتكن عين . وكان وقت نزولها في صبيحة عرس رسول الله صلّى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش ، التي تولي الله تزويجها بنفسه تعالى . وكان ذلك في ذي القعدة من السنة الخامسة ( في قول قتادة والواقديّ وغيرهما ) وزعم أبو عبيدة ، معمر بن المثنى ، وخليفة بن خياط ؛ أن ذلك كان في سنة ثلاث . فالله أعلم . وروى البخاري عن أنس قال : لما تزوج رسول الله صلّى الله عليه وسلم زينب بنت جحش ، دعا القوم فطعموا ثم جلسوا يتحدثون . فإذا هو يتهيأ للقيام فلم يقوموا . فلما رأى ذلك قام . فلما قام ، قام من قام وقعد ثلاثة نفر . فجاء النبيّ صلّى الله عليه وسلم ليدخل فإذا القوم جلوس . ثم إنهم قاموا فانطلقوا . فجئت فأخبرت النبي صلّى الله عليه وسلم أنهم قد انطلقوا . فجاء حتى دخل . فذهبت أدخل ، فألقى الحجاب بيني وبينه ، فأنزل الله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ } [ الأحزاب : 53 ] الآية . ورواه مسلم أيضاً والنسائيّ . وعن أنس أيضا قال : " بني على النبيّ صلّى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش ، بخبز ولحم . فأرسلت على الطعام داعيا . فيجيء قوم فيأكلون ويخرجون ، ثم يجيء قوم فيأكلون ويخرجون ، فدعوت حتى ما أجد أحدا أدعو . فقلت : يا رسول الله ! ما أجد أحداً أدعوه . قال : " ارفعوا طعامكم " . وبقي ثلاثة رهط يتحدثون في البيت . فخرج النبيّ صلّى الله عليه وسلم ، فانطلق إلى حجرة عائشة رضي الله عنها فقال : " السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته " . قالت : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته . كيف وجدت أهلك ؟ يا رسول الله ! بارك الله لك . فتقرّى حجر نسائه كلهن . يقول لهن كما يقول لعائشة ، ويقلن له كما قالت عائشة . ثم رجع النبيّ صلّى الله عليه وسلم فإذا ثلاثة رهط في البيت يتحدثون . وكان النبيّ صلّى الله عليه وسلم شديد الحياء . فخرج منطلقا نحو حجرة عائشة . فما أدري آخبرتُهُ أو أُخْبِرَ ، أن القوم خرجوا . فرجع ، حتى إذا وضع رجله في أسكفة الباب داخلة ، والأخرى خارجة ، أرخى الستر بيني وبينه ، وأنزلت آية الحجاب " . انفرد به البخاري . وأخرج نحوه مسلم والترمذيّ . كما بسطه ابن كثير . قال الحافظ ابن حجر في ( الفتح ) : قال عياض : فرض الحجاب مما اختصصن به . فهو فرض عليهن بلا خلاف ، في الوجه والكفين ، فلا يجوز لهن كشف ذلك في شهادة ولا غيرها . ولا إظهار شخوصهن وإن كن مستترات ، إلا ما دعت إليه ضرورة من براز . ثم استدل بما في ( الموطأ ) أن حفصة لما توفي عمر سترها النساء عن أن يرى شخصها . وأن زينب بنت جحش جعلت لها القبة فوق نعشها يُستر شخصها . انتهى . وليس فيما ذكره دليل على ما ادعاه من فرض ذلك عليهن . وقد كن بعد النبيّ صلّى الله عليه وسلم يحججن ويطفن ، وكان الصحابة ومن بعدهم يسمعون منهن الحديث ، وهن مستترات الأبدان لا الأشخاص . وقد تقدم في الحج قول ابن جريج لعطاء ، لما ذكر له طواف عائشة : أقبل الحجاب أو بعده ؟ قال قد أدركت ذلك بعد الحجاب . انتهى . ومما يؤيده ما رواه البخاريّ في التفسير عن عائشة رضي الله عنها . قالت : " خرجت سودة بعد ما ضرب الحجاب لحاجتها . وكانت امرأة جسيمة ، لا تخفى على من يعرفها . فرآها عمر بن الخطاب . فقال : يا سودة ! أما والله ! ما تخفين علينا . فانظري كيف تخرجين . قالت : فانكفأت راجعة ، ورسول الله صلّى الله عليه وسلم في بيتي ، وإنه ليتعشى وفي يده عَرْقٌ ، فدخلتْ فقالتْ : يا رسول الله ! إني خرجت لبعض حاجتي ، فقال لي عمر كذا وكذا . قالت فأوحى الله إليه ثم رفع عنه ، وإن العَرْقَ في يده ما وضعه ، فقال : " إنه قد أذن لكن أن تخرجنّ لحاجتكن " . قال الكرمانيّ : فإن قلت : وقع هنا أنه كان بعد ما ضرب الحجاب وفي الوضوء - أي : من البخاريّ - أنه كان قبل الحجاب . فالجواب : لعله وقع مرتين . قال ابن حجر : قلت بل المراد بالحجاب الأول غير الحجاب الثاني . والحاصل أن عمر رضي الله عنه وقع في قلبه نفرة من اطلاع الأجانب على الحريم النبويّ ، حتى صرح بقوله له عليه الصلاة والسلام : احجب نساءك ، وأكد ذلك إلى أن نزلت آية الحجاب . ثم قصد بعد ذلك أن لا يبدين أشخاصهن أصلا ، ولو كن مستترات ، فبالغ في ذلك فمنع منه ، وأذن لهن في الخروج لحاجتهن ، دفعا للمشقة ، ورفعا للحرج ، انتهى بحروفه . وإنما نقلنا الجمع بين الروايتين ، مع أن الأمسّ به شرح الصحيح ، لما اتفق من نقل كثير من المفسرين إحدى الروايتين ونقل آخرين الثانية ، مما يوقع الواقف في شبهة الاختلاف ، فآثرنا توسيع الكلام لتحقيق المقام . زادنا الله من فضله علما ، إنه هو العليم العلام . ثم يبين تعالى من لا يجب الاحتجاب منهم من الأقارب ، بقوله : { لاَّ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ … } .