Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 56-56)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } قال الرازيّ : لما أمر الله المؤمنين بالاستئذان وعدم النظر إلى وجوه نسائه احتراماً ، كمّل بيان حرمته . وذلك لأن حالته منحصرة في اثنتين : حالة خلوته وذكر ما يدل على احترامه في تلك الحالة بقوله : { لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ } [ الأحزاب : 53 ] ، وحالة يكون في ملأ . والملأ إما الملأ الأعلى وإما الملأ الأدنى ، أما في الملأ الأعلى فهو محترم . فإن الله وملائكته يصلون عليه . وأما في الملأ الأدنى فذلك واجب الاحترام بقوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } . انتهى . وقد روى البخاريّ عن أبي العالية قال : صلاة الله : ثناؤه عليه عند الملائكة . وصلاة الملائكة الدعاء . وقال ابن عباس : يصلون يُبَرِّكون . اهـ . أي : يدعون له بالبركة . فيوافق قول أبي العالية ، لكنه أخص منه . وبالجملة ، فالصلاة تكون بمعنى التمجيد والدعاء والرحمة ، على حسب ما أضيفت إليه في التنزيل أو الأثر . وقد أطنب الإمام ابن القِّيم في ( جلاء الأفهام ) في مبحث معنى الصلاة ، وأطال فأطاب . فلينظر . وفي البخاريّ عن كعب بن عجرة رضي الله عنه ، أنه قيل : " يا رسول الله ! أما السلام عليك فقد عرفناه . فكيف الصلاة عليك ؟ قال : " قولوا : اللهم ! صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد . اللهم ! بارك على آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد " . وروى الإمام أحمد وأبو داود والنسائيّ وابن خزيمة وابن حبان والحاكم في مستدركه ، عن أبي مسعود البدريّ ؛ " أنهم قالوا : يا رسول الله ! أما السلام فقد عرفناه . فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا في صلاتنا ؟ فقال : " قولوا : اللهم صل على محمد , وعلى آل محمد " وذكره . ورواه الشافعيّ في مسنده عن أبي هريرة بمثله . ومن ههنا ذهب الشافعيّ رحمه الله ، إلى أنه يجب على المصلي أن يصلي على رسول الله صلّى الله عليه وسلم في التشهد الأخير . فإن تركه لم تصح صلاته . ووافقه الإمام أحمد في رواية . وقال به إسحاق بن راهويه والإمام ابن المواز المالكيّ وغيرهم . كما بسطه ابن القيم في ( جلاء الأفهام ) وابن كثير في ( التفسير ) وقد تقصَّيَا ، عليهما الرحمة ، أيضاً الروايات في الأمر بالصلاة وكيفيتها . فأوسعا . فليرجع إليهما . تنبيهات الأول : تدل الآية على وجوب الصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلم مطلقا . لأن الأصل في الأمر للوجوب . فذهب قوم إلى وجوبها في المجلس مرة . ثم لا تجب في بقية ذلك المجلس . وآخرون إلى وجوبها في العمر مرة واحدة . ثم هي مستحبة في كل حال . وآخرون إلى وجوبها كلما ذكر . وبعضهم إلى أن محل الآية على الندب . قال ابن كثير : وهذا قول غريب . فإنه قد ورد الأمر بالصلاة عليه في أوقات كثيرة . فمنها واجب ومنها مستحب على ما نبينه . فمنه بعد النداء للصلاة ، لحديث " إذا سمعتم مؤذناً فقولوا مثل ما يقول ، ثم صلوا عليّ " الحديث ومنه عند دخول المسجد لحديث : " كان صلّى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم ، ثم قال : " اللهم ! اغفر لي ذنوبي ، وافتح لي أبواب رحمتك " . وإذا خرج صلى على محمد وسلم . ثم قال : " اللهم ! اغفر لي ذنوبي ، وافتح لي أبواب فضلك " ومنه الصلاة ، فتستحب على قول الشافعيّ في التشهد الأول منها ، وتجب في الثاني . ومنه في صلاة الجنازة بعد التكبيرة الثانية ، لقول أبي أمامة : من السنة ذلك . وهذا من الصحابيّ في حكم المرفوع ، على الصحيح . ومنه ختم الدعاء . فيستحب الصلاة فيه على النبيّ صلّى الله عليه وسلم ، ومن آكد ذلك دعاء القنوت . ومنه يوم الجمعة وليلتها . فيستحب الإكثار منها فيهما ، ومنه في خطبة يوم الجمعة . يجب على الخطيب في الخطبتين الإتيان بها . وهو مذهب الشافعيّ وأحمد . ومنه عند زيارة قبره صلّى الله عليه وسلم لحديث : " ما من أحد يسلم عليّ إلا رد الله عليّ روحي حتى أرد عليه السلام " تفرد به أبو داود وصححه النوويّ في ( الأذكار ) . وعن الحسن بن الحسن بن عليّ ؛ أنه رأى قوما عند القبر فنهاهم وقال : إن النبيّ صلّى الله عليه وسلم قال : " لا تتخذوا قبري عيدا ، ولا تتخذوا بيوتكم قبورا ، وصلوا عليّ حيثما كنتم . فإن صلاتكم تبلغني " . قال ابن كثير : فلعله رآهم يسيئون الأدب برفع أصواتهم فوق الحاجة ، فنهاهم . وقد روي أنه رأى رجلاً ينتاب القبر . فقال : يا هذا ! ما أنت ورجل بالأندلس ، ومنه إلا سواء . أي : الجميع يبلغه صلوات الله وسلامه عليه دائماً إلى يوم الدين . وقد استحب أهل الكتاب أن يكرر الكاتب الصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلم كلما كتبه . وقد روي في حديث " من صلى عليّ في كتاب لم تزل الصلاة جارية له ، ما دام اسمي في ذلك الكتاب " . قال الحافظ ابن كثير : وليس هذا الحديث بصحيح . بل عدّه الحافظ الذهبي موضوعا . وقد ذكر الخطيب البغداديّ أنه رأى بخط الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله كثيراً اسم النبيّ صلّى الله عليه وسلم من غير ذكر الصلاة عليه كتابة . قال : وبلغني أنه كان يصلي عليه لفظاً . الثاني : الصلاة على غير الأنبياء ، إن كانت على سبيل التبعية ، كنحو : اللهم صل على محمد وآله وأزواجه ، فهذا جائز إجماعاً ، وأما استقلالا فجوّزه قوم لآية : { هُوَ ٱلَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ } [ الأحزاب : 43 ] وآية { أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ } [ البقرة : 157 ] وآية { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ } [ التوبة : 103 ] ولحديث " كان النبي صلّى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال : " اللهم ! صل عليهم " . فأتاه أبو أوفى بصدقته فقال : " اللهم ! صل على آل أبي أوفى " وكرهه قوم ، لكون صيغة الصلاة صارت شعاراً للأنبياء إذا ذكروا . فلا يلحق بهم غيرهم . فلا يقال : قال عمر صلى الله عليه . كما لا يقال : قال محمد عز وجل . وإن كان عزيزاً جليلا . لكون هذا من شعار ذكر الله عز وجل . وحملوا ما ورد من ذلك في الكتاب والسنة على الدعاء لهم . وقال ابن حجر : إن ذلك وقع من الشارع . ولصاحب الحق أن يتفضل من حقه بما شاء وليس لغيره أن يتصرف إلا بإذنه . ولم يثبت عنه إذن في ذلك . انتهى . وقد يقال : كفى في المرويّ المأثور المتقدم إذناً . والاستدلال بأن ذلك من حقه فيه مصادرة على المطلوب . على أن المرجح أن الأصل الإباحة حتى يرد الحظر . ولا حظر هنا . فتدبر . وأما السلام ، فقال الجوينيّ : هو في معنى الصلاة . فلا يستعمل في الغائب . ولا يفرد به غير الأنبياء . فلا يقال : عليّ عليه السلام . وسواء في هذا الأحياء والأموات . وأما الحاضر فيخاطب به . فيقال : سلام عليك ، وسلام عليكم . أو السلام عليك أو عليكم . وقد غلب - كما قال ابن كثير - على كثير من النساخ للكتب ، أن يفرد عليّ رضي الله عنه بأن يقال : ( عليه السلام ) من دون سائر الصحابة . قال : والتسوية بينهم في ذلك أولى . انتهى . والخطب سهل . ومن رأى المرويّ في هذا الباب ، علم أن الأمر أوسع من أن يحرّج فيه . على أن هذه المسألة من فروع تخصيص العرف ، وفيه بحث في الأصول . الثالث : قال النوويّ : إذا صلى على النبيّ صلّى الله عليه وسلم ، فليجمع بين الصلاة والتسليم . فلا يقتصر على أحدهما . فلا يقول : ( صلى الله عليه ) فقط ، ولا ( عليه السلام ) فقط . قال ابن كثير : وهذا الذي قاله منتزع من هذه الآية الكريمة وهي قوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } فالأولى أن يقال صلّى الله عليه وسلم تسليماً . انتهى . الرابع : قال الرازي : إذا صلى الله وملائكته عليه ، فأي حاجة إلى صلاتنا ؟ نقول : الصلاة عليه ليس لحاجته إليها ، وإلا فلا حاجة إلى صلاة الملائكة مع صلاة الله عليه . وإنما هو لإظهار تعظيمه . كما أن الله تعالى أوجب علينا ذكر نفسه ، ولا حاجة له إليه ، وإنما هو لإظهار تعظيمه منا ، رحمة بنا ، ليثيبنا عليه . ولهذا جاء في الحديث " من صلى عليّ مرة ، صلى الله عليه بها عشراً " انتهى . وكان سبق لي ، من أيام معدودات أن كتبت في مقدمة مجموعة الخطب في سر الصلاة عليه ، ما مثله : ويُسَنُّ يوم الجمعة إكثار الصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلم . ليذكر الرحمة ببعثته ، والفضل بهدايته والمنة باقتفاء هديه وسنته ، والصلاح الأعظم برسالته ، والجهاد للحق بسيرته ، ومكارم الأخلاق بحكمته ، وسعادة الدارين بدعوته ، صلّى الله عليه وسلم وعلى آله . ما ذاق عارفٌ سرَّ شريعته . وأشرق ضياء الحق على بصيرته ، فسعد في دنياه وآخرته . الخامس : قال الرازي : ذكر { تَسْلِيماً } للتأكيد ليكمل السلام عليه . ولم يؤكد الصلاة بهذا التأكيد ، لأنها كانت مؤكدة بقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ } انتهى . وقيل : إنه من الاحتباك . فحذف ( عليه ) من أحدهما . و ( المصدر ) ، من الآخر . قال القاضي : قيل معنى : { وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } أي : انقادوا لأوامره . فالسلام من التسليم والانقياد . السادس : قال الحافظ ابن حجر في ( الفتح ) : سئلتُ عن إضافة الصلاة إلى الله دون السلام ، وأمر المؤمنين بها وبالسلام ، فقلت : يحتمل أن يكون السلام له معنيان : التحية والانقياد . فأمر به المؤمنون لصحتهما منهم ، والله وملائكته لا يجوز منهم الانقياد ، فلم يضف إليهم ، دفعا للإيهام . والعلم عند الله . انتهى . وقال الشهاب : قد لاح لي في تخصيص السلام بالمؤمنين دون الله وملائكته ، نكتة سرية . وهي أن السلام تسليمه عما يؤذيه . فلما جاءت هذه الآية عقيب ذكر ما يؤذي النبيّ صلى الله عليه وسلم ، والأذية إنما هي من البشر وقد صدرت منهم ، فناسب التخصيص بهم والتأكيد . انتهى . ولما أمر تعالى بالصلاة على نبيّه صلّى الله عليه وسلم التي هي الثناء عليه وتمجيده وتعظيمه ، بيّن وعيد مّن لا يرعاها ، بأن يجرؤ على ضدها بقوله سبحانه : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ … } .