Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 10-10)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلْيَتَٰمَىٰ ظُلْماً } أي : على وجه الظلم من الورثة ، أو أولياء السوء وقضاته ، بخلاف أكل الفقير الناظر في أموالهم بقدر أجرته ، كما تقدم { إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً } أي : ما يجر إلى النار ويؤدّي إليها { وَسَيَصْلَوْنَ } أي : في القيامة { سَعِيراً } أي : ناراً مستعرة . روى ابن حبان في : ( صحيحه ) وابن مردويه وابن أبي حاتم عن أبي برزة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يبعث يوم القيامة قوم من قبورهم تأجج أفواههم ناراً " ، قيل : يا رسول الله ! من هم ؟ قال : " ألم تر أن الله قال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلْيَتَٰمَىٰ ظُلْماً } " الآية . لطيفة قال الزمخشري : في بطونهم ، أي ملء بطونهم ، يقال : أكل فلان في بطنه وفي بعض بطنه ، قال الشاعر : @ كلوا في بعض بطنكموا تعفوا فإن زمانكم زمن خميص @@ قال الناصر : ومثله : { قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ } [ آل عمران : 118 ] أي شرقوا بها وقالوها بملء أفواههم ، ويكون المراد بذكر البطون تصوير الأكل للسامع حتى يتأكد عنده بشاعة هذا الجرم بمزيد تصوير ، ولأجل تأكيد التشنيع على الظالم لليتيم في ماله ، خص الأكل ، لأنه أبشع الأحوال التي يتناول مال اليتيم فيها ، والله أعلم . تنبيه روى أبو داود والنسائيّ والحاكم وغيرهم أنه لما نزلت هذه الآية انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه ، فجعل يفضل له الشيء من طعامه ، فيحبس له حتى أكله أو يفسد ، فاشتد عليهم ذلك ، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ } [ البقرة : 220 ] ، الآية ، فخلطوا طعامهم بطعامه وشرابهم بشرابه ، وقد مضى ذلك في سورة البقرة . قال الرازيّ رحمه الله : ومن الجهال من قال : صارت هذه الآية منسوخة بتلك ، وهو بعيد ، لأن هذه الآية في المنع من الظلم ، وهذا لا يصير منسوخاً بتلك ، بل المقصود أن مخالطة أموال اليتامى ، إن كان على سبيل الظلم ، فهو من أعظم أبواب الإثم ، كما في هذه الآية ، وإن كان على سبيل التربية والإحسان ، فهو من أعظم أبواب البر ، كما في قوله : { وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ } [ البقرة : 220 ] . وقال رحمه الله قبل ذلك : ما أشد دلالة هذا الوعيد على سعة رحمته تعالى وكثرة عفوه وفضله ، لأن اليتامى لما بلغوا في الضعف إلى الغاية القصوى ، بلغت عناية الله بهم إلى الغاية القصوى .