Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 78-78)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أَيْنَمَا تَكُونُواْ } أي : في أي مكان تكونوا عند الأجل { يُدْرِككُّمُ ٱلْمَوْتُ } أي : الذي لأجله تكرهون القتال ، زعماً منكم أنه من مظانه ، وتحبون القعود عنه ، على زعم أنه منجاة منه ، أي : وإذا كان لا بد من الموت ، فبأنْ يقع على وجهٍ يكون مستعقباً للسعادة الأبدية ، كان أولى من ألا يكون كذلك ، ونظير هذه الآية قوله تعالى : { قُل لَّن يَنفَعَكُمُ ٱلْفِرَارُ إِن فَرَرْتُمْ مِّنَ ٱلْمَوْتِ أَوِ ٱلْقَتْلِ وَإِذاً لاَّ تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } [ الأحزاب : 16 ] . { وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ } أي : حصون : { مُّشَيَّدَةٍ } أي : مرفوعة مستحكمة ، لا يصل إليها القاتل الإنسانيّ ، لكنها لا تمنع القاتل الإلهي ، كما قال زهير بن أبي سلمى : @ ومن هاب أسباب المنايا ينَلْنَهُ ولو رام أسباب السماء بسلَّم @@ وقد ذكر ابن جرير وابن أبي حاتم ههنا حكاية مطولة عن مجاهد ، والشاهد منها هنا ؛ أنها كانت أُخبرت بأنها تموت بالعنكبوت ، فاتخذ لها زوجها قصراً منيعاً شاهقاً ليحرزها من ذلك ، فبينما هم يوماً فإذا العنكبوت في السقف ، فأراها إياها فقالت : أهذه التي تحذرها عليّ ؟ والله ! لا يقتلها إلا أنا ، فأنزلوها من السقف ، فعمدت إليها فوطئتها بإبهام رجلها فقتلتها ، فطار من سمّها شيء فوقع بين ظفرها ولحمها ، واسودت رجلها ، فكان في ذلك أجلها ، فماتت . ولما حكى تعالى عن المنافقين كونهم متثاقلين عن الجهاد ، خائفين من الموت ، غير راغبين في سعادة الآخرة ، أتبع ذلك بخلّة لهم أشنع ، بقوله سبحانه : { وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ } كخصب ورزق من ثمار وزروع وأولاد ونحوها { يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } أي : من قِبَلِه ، لما علم فينا الخير { وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ } كقحط وجدب ، وغلاء السعر ، ونقص في الزروع والثمار ، وموت أولاد ونتاج ، ونحو ذلك { يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِكَ } يعنون : من شؤمك ، كما قال تعالى عن قوم فرعون : { فَإِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـٰذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ } [ الأعراف : 131 ] ، وعن قوم صالح : { قَالُواْ ٱطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ } [ النمل : 47 ] . قال أبو السعود : فأمَرَ النبيّ صلى الله عليه وسلم بأن يرد زعمهم الباطل ويرشدهم إلى الحق ويلقمهم الحجر ، ببيان إسناد الكل إليه تعالى على الإجمال ، إذ لا يجترؤون على معارضة أمر الله عز وجل حيث قيل : { قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ } أي : كل واحدة من النعمة والبلية من جهة الله تعالى ، خلقاً وإيجاداً ، من غير أن يكون لي مدخل في وقوع شيء منها بوجه من الوجوه كما تزعمون ، بل وقوع الأولى منه تعالى بالذات تفضلاً ، ووقوع الثانية بواسطة ذنوب من ابتلى بها عقوبة ، كما سيأتي بيانه ، فهذا الجواب المجمل في معنى ما قيل ، رداً على أسلافهم من قوله تعالى : { أَلاۤ إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ ٱللَّهِ } [ الأعراف : 131 ] أي : إنما سبب خيرهم وشرهم ، أو سبب إصابة السيئة التي هي ذنوبهم ، عند الله تعالى لا عند غيره ، حتى يسندوها إليه ويطيّروا به { فَمَالِ هَـٰؤُلاۤءِ ٱلْقَوْمِ } يعني المنافقين { لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً } أي : قولاً ، والجملة اعتراضية مسوقة لتعييرهم بالجهل وتقبيح حالهم والتعجب من كمال غباوتهم ، إذ لو فقهوا شيئاً لعلموا مما يوعظون به ، أن الله هو القابض الباسط ، وأن النعمة منه تعالى بطريق التفضل الإحسان ، والبلية بطريق العقوبة على ذنوب العباد .