Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 88-88)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فَمَا لَكُمْ فِي ٱلْمُنَافِقِينَ } أي : فما لكم تفرقتم في أمر المنافقين { فِئَتَيْنِ } أي : فرقتين ولم تتفقوا على التبرؤ منهم ، والاستفهام للإنكار ، والنفي والخطاب لجميع المؤمنين ، لكن ما فيه من معنى التوبيخ متوجه إلى بعضهم ، وذلك أن فرقة من المؤمنين كانت تميل إليهم وتذب عنهم وتواليهم ، وفرقة منهم تباينهم وتعاديهم ، فنهوا عن ذلك وأمروا بأن يكونوا على نهج واحد في التباين والتبرؤ منهم ، لأن دلائل نفاقهم وكفرهم ظاهرة جلية ، فليس لكم أن تختلفوا في شأنهم ، وقد قيل : إن المراد بهم هنا عبد الله بن أبيّ وأصحابه الذين خذلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أُحُد ، ورجعوا بعسكرهم ، بعد أن خرجوا ، كما تقدم في آل عمران ، كما أوضحه ما رواه الشيخان والإمام أحمد والترمذيّ عن زيد بن ثابت : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى أحد ، فرجع ناس خرجوا معه ، فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين ، فرقة تقول : نقتلهم ، وفرقة تقول : لا هم المؤمنون ، فأنزل الله : فما لكم في المنافقين فئتين . فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : " إنها طيبة وإنها تنفي الخبث كما ينفي الكير خبث الحديد " هذا لفظ أحمد . وقد ذكر الإمام محمد بن إسحاق في وقعة أُحُد : أن عبد الله بن أبي بن سلول رجع يومئذ بثلث الجيش : رجع بثلاثمائة وبقي النبيّ صلى الله عليه وسلم في سبعمائة . وثمة في نزول الآية رواية أخرى أخرجها الإمام أحمد في مسنده عن عبد الرحمن بن عوف : أن قوماً من العرب أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فأسلموا وأصابهم وباء المدينة وحمّاها ، فأركسوا ، فخرجوا من المدينة ، فاستقبلهم نفر من أصحابه . يعني أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا لهم : ما لكم رجعتم ؟ قالوا : أصابنا وباء المدينة . فقالوا : أما لكم في رسول الله أسوة حسنة ؟ فقال بعضهم : نافقوا . وقال بعضهم : لم ينافقوا . فأنزل الله : { فَمَا لَكُمْ فِي ٱلْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ … } الآية . وهذه الرواية هي الأقرب لنظم الآية كما سنبينه في التنبيه الثاني : { وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ } أي : نكّسَهم وردهم إلى الكفر . { بِمَا كَسَبُوۤاْ } أي : بسبب ما كسبوه من لحوقهم بالكفار { أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ } أي : تعدّوهم من جملة المهتدين . قال أبو السعود : تجريد للخطاب وتخصيص له بالقائلين بإيمانهم من الفئتين ، وتوبيخ لهم على زعمهم ذلك ، وإشعار بأنه يؤدي إلى محاولة المحال الذي هو هداية من أضله الله تعالى ، وذلك لأن الحكم بإيمانهم وادعاء اهتدائهم ، وهم بمعزل عن ذلك ، سعى في هدايتهم وإرادة لها ، ووضع الموصول موضع ضمير المنافقين لتشديد الإنكار وتأكيد استحالة الهداية بما ذكر في حيّز الصلة ، وتوجيه الإنكار إلى الإرادة لا إلى متعلقها ، بأن يقال : أتهدون إلخ للمبالغة في إنكاره ببيان أنه مما لا يمكن إرادته ، فضلاً عن إمكان نفسه : { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ } عن دينه { فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً } أي : طريقاً إلى الهدى .