Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 89-89)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ } كلام مستأنف مسوق لبيان غلوهم وتماديهم في الكفر وتصديهم لإضلال غيرهم ، إثر بيان كفرهم وضلالهم في أنفسهم أي : تمنوا أن تكفروا ككفرهم بعد الإيمان { فَتَكُونُونَ سَوَآءً } أي : في الكفر والضلال { فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ } في العون والنصرة لئلا يفضي إلى كفركم ، وإن أظهروا لكم الإيمان طلباً لموالاتكم { حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ } من دار الكفر { فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } فتتحققوا إيمانهم { فَإِنْ تَوَلَّوْاْ } أي : عن الهجرة ، فهم ، وإن أظهروا لكم الإسلام مع قدرتهم على الهجرة ، فافعلوا بهم ما تفعلون بالكفار ، لأنه زال عنهم حكم النفاق بلحوق دار الكفر . { فَخُذُوهُمْ } أي : اتسروهم { وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } في الحل والحرم { وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } أي : لا توالوهم ولا تستنصروا بهم على أعداء الله ما داموا كذلك . تنبيهان الأول : قال الرازيّ : دلت الآية على أنه لا يجوز موالاة المشركين والمنافقين والمشتهرين بالزندقة والإلحاد وهذا متأكد بعموم قوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ } [ الممتحنة : 1 ] ، والسبب فيه أن أعز الأشياء وأعظمها عند جميع الخلق هو الدين ، لأن ذلك هو الأمر الذي يتقرب به إلى الله تعالى ويتوسل به إلى طلب السعادة في الآخرة ، وإذا كان كذلك ، كانت العداوة الحاصلة بسببه أعظم أنواع العداوة ، وإذا كان كذلك ، امتنع طلب المحبة والولاية في الموضع الذي يكون أعظم موجبات العداوة حاصلاً فيه ، والله أعلم . الثاني : يظهر لي أن الأقرب في سبب نزول هذه الآيات أعني قوله تعالى : { فَمَا لَكُمْ فِي ٱلْمُنَافِقِينَ … } [ النساء : 88 ] الخ ، رواية عبد الرحمن بن عوف ، كما يدل عليه سير هذه الآيات وتدبرها بصادق النظر والإمعان ، وقد اهتدى إلى ذلك الفاضل المهايميّ في تفسيره ، فاقتصر على هذا الوجه فقال : وهم الذين استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الْخروج إِلَى البدو لاجتواء المدينة ، فلم يزالوا يرتحلون مرحلة بعد أخرى حتى لحقوا المشركين . انتهى . وقول السيوطيّ : في إسناد رواية عبد الرحمن بن عوف عند أحمد تدليس وانقطاع - لا يقدح في إصابتها كبد الحقيقة ، لأنها وجدت فيها قرينة تلحقها بالمقبول وهو موافقتها لألفاظ الآية بلا تكلف ، وحينئذٍ فقول زيد بن ثابت : فنزلت فيما تقدم بمعنى أنها تشمل ما وقع من المنخزلين عن أُحُد وما جرى من اختلاف المؤمنين في شأنهم ، لا أنَّ ما وقع كان سبباً لنزولها ، واستعمال النزول بذلك معروف كما بيناه في المقدمة ، وإلا لأشكل قوله تعالى : ( إلا أن يهاجروا ) إذ لم تطلب المهاجرة إلا من النائين عن المدينة ، وأولئك ، أعني الذين انخزلوا عن المسلمين في أحد ، كانوا بها ، فيحتاج إلى جعل المهاجرة بمعنى خروجهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ، صابرين محتسبين مخلصين ، كما قاله بعض المفسرين ، وهذا المعنى لم يشع في المهاجرة ، ولأشكل أيضاً قوله تعالى : { فَخُذُوهُمْ وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } فإنه يفيد بأنهم ليسوا من منافقي أهل المدينة ، وإنه يتوقع الظفر بهم ، وإلا فمنافقوها بين ظهرانيهم ليلاً ونهاراً ، فالظاهر في هذا المقام رواية ابن عوف ، وفي آخر رواية زيد ما يشعر بها حيث قال : " إنها طيبة وإنها تنفي الخبث " ، إشارة إلى أن المدينة نفت هؤلاء الذين نزحوا عنها بعد إسلامهم ، والله أعلم ، ثم استثنى عن أسر المرتدين وقتلهم بقوله : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَٰقٌ أَوْ جَآءُوكُمْ … } .