Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 90-90)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِلاَّ ٱلَّذِينَ يَصِلُونَ } يلجؤون { إِلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَٰقٌ } أي : عهد بهدنة أو أمان فاجعلوا حكمهم كحكمهم لئلا يفضي إلى قتال من وصلوا إليهم فيفضي إلى نقض الميثاق { أَوْ جَآءُوكُمْ } عطف على الصلة أي : والذين جاءوكم { حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ } حال بإضمار ( قد ) أي : ضاقت وانقبضت نفوسهم { أَن يُقَٰتِلُوكُمْ } لإرادتهم المسالمة { أَوْ يُقَٰتِلُواْ قَوْمَهُمْ } أي : معكم من أجلكم لمكان القرابة منهم ، فهم لا لكم ولا عليكم . قال أبو السعود : استُثْنِي من المأمور بأخذهم وقتلهم فريقان : أحدهما : من ترك المحاربين ولحق بالمعاهدين . والآخر : من أتى المؤمنين وكف عن قتال الفريقين . وقد أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن الحسن . أن سراقَة بن مالك المدلجيّ حدثهم قال : لما ظهر النبيّ صلى الله عليه وسلم على أهل بدر وأُحُد ، وأسلم من حولهم ، قال : بلغني أنه يريد أن يبعث خالد بن الوليد إلى قومي بني مدلج ، فأتيته فقلت : أنشدك النعمة ، بلغني أنك تريد أن تبعث إلى قومي ، وأنا أريد أن توادعهم ، فإن أسلم قومك أسلموا ودخلوا في الإسلام ، وإن لم يسلموا لم يحسن تغليب قومك عليهم ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد خالد فقال : " اذهب فافعل ما يريد " ، فصالحهم خالد على ألا يعينوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن أسلمت قريش أسلموا معهم ، وأنزل الله : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَٰقٌ } فكان من وصل إليهم كان معهم على عهدهم ، وفي قوله تعالى : { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَٰتَلُوكُمْ } إشعار بقوتهم في أنفسهم ، وأن في التعرض لقتلهم إظهاراً لقوتهم الخفية في الجملة جارية مجرى التعليل لاستثنائهم من الأخذ والقتل { فَإِنِ ٱعْتَزَلُوكُمْ } أي : تركوكم { فَلَمْ يُقَٰتِلُوكُمْ } مع ما علمتم من تمكنهم من ذلك بمشيئة الله عز وجل : { وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَمَ } أي : الانقياد والاستسلام { فَمَا جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً } أي : طريقاً بالأسر أو القتل ، إذ لا ضرر منهم في الإسلام ، وقتالهم يظهر كمال قوتهم . لطيفة قال الخفاجيّ : ( السلم ) بفتحتين : الانقياد ، وقرئ بسكون اللام مع فتح السين وكسرها ، وكأن إلقاء السلم استعارة ، لأنّ من سَلَّمَ شيئاً ألقاه وطرحه عند المسلّم له ، وعدم جعل السبيل مبالغة في عدم التعرض لهم ، لأن من لا يمر بشيء كيف يتعرض له ؟ تنبيه ظاهر النظم الكريم أن الفريقين المستثنيين من الكفار ، وحاول أبو مسلم الأصفهانيّ كونهما من المسلمين حيث قال : إنه تعالى لما أوجب الهجرة على كل من أسلم ، استثنى من له عذر ، فقال : إلا الذين يصلون ، وهم قوم من المؤمنين قصدوا الرسول للهجرة والنصرة ، إلا أنهم كان في طريقهم من الكفار ما لم يجدوا طريقاً إليه خوفاً من أولئك الكفار ، فصاروا إلى قوم بين المسلمين وبينهم عهد وأقاموا عندهم إلى أن يمكنهم الخلاص ، واستثنى بعد ذلك من صار إلى الرسول ، ولا يقاتل الرسول ولا أصحابه ، لأنه يخاف الله تعالى فيه ، ولا يقاتل الكفار أيضاً ، لأنهم أقاربه ، أو لأنه أبقى أولاده وأزواجه بينهم ، فيخاف ، لو قاتلهم ، أن يقتلوا أولادهم وأصحابه ، فهذان الفريقان من المسلمين لا يحل قتالهم ، وإن كان لم يوجد منهم الهجرة ولا مقاتلة الكفار . انتهى .