Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 94-94)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ } أي : ذهبتم { فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } إلى أرض العدوّ للغزو { فَتَبَيَّنُواْ } أي : اطلبوا بيان كل ما تأتون وما تذرون ، ولا تعجلوا فيه بغير تدبر وروية { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَىۤ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً } نهي عما هو نتيجة لترك المأمورية ، وتعيين لمادة مهمة من المواد التي يجب فيها التبيين ، أي : لا تقولوا ( لمن أظهر الانقياد لدعوتكم فقال : لا إله إلا الله ، أو سلّم عليكم فحياكم بتحية الإسلام ) : لست مؤمناً في الباطن ، وإنما قلته باللسان لطلب الأمان ، بل اقبلوا منه ما أظهره وعاملوه بموجبه { تَبْتَغُونَ } أي : تطلبون بقتله { عَرَضَ ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا } أي : ماله الذي هو سريع النفاد ، والجملة حال من فاعلٍ { لاَ تَقُولُواْ } منبئة عما يحملهم على العجلة وترك التأنيّ . وقوله تعالى : { فَعِنْدَ ٱللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ } تعليل للنهي عن ابتغاء ماله بما فيه من الوعد الضمنيّ ، كأنه قيل : لا تبتغوا ماله ، فعند الله مغانم كثيرة يغنمكموها ، فيغنيكم عن ارتكاب ما ارتكبتموه ، أفاده أبو السعود . ثم قال : وقوله تعالى : { كَذٰلِكَ كُنْتُمْ مِّن قَبْلُ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ } : تعليل للنهي عن القول المذكور ، أي : مثل ذلك الذي ألقى إليكم السلام ، كنتم أنتم أيضاً ، في مبادئ إسلامكم ، لا يظهر منكم للناس غير ما ظهر منه لكم ، من تحية الإسلام ونحوها ، فمنّ الله عليكم ، بأن قبل منكم تلك المرتبة ، وعصم بها دماءكم وأموالكم ، ولم يأمر بالتفحص عن سرائركم . والفاء في قوله تعالى : { فَتَبَيَّنُواْ } فصيحة ، أي : إذا كان الأمر كذلك ، فاطلبوا بيان هذا الأمر البيّن وقيسوا حاله بحالكم ، وافعلوا به ما فعل بكم ، في أوائل أموركم ، من قبول ظاهر الحال ، من غير تواطؤ الظاهر والباطن { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } فلا تتهافتوا في القتل وكونوا محترزين محتاطين في ذلك . قال ابن كثير ( في سبب نزولها ) : أخرج الإمام أحمد عن عكرمة عن ابن عباس قال : مرّ رجل من بني سليم بنفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يرعى غنماً له ، فسلم عليهم ، فقالوا : ما يسلم علينا إلا ليتعوذ منا ، فعمدوا إليه فقتلوه ، وأتوا بغنمه النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية : { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ … } إلى آخرها ، ورواه الترمذيّ ثم قال : هذا حديث حسن صحيح ، وفي الباب عن أسامة بن زيد . رواه الحاكم وصححه ، وروى البخاري عن عطاء عن ابن عباس في هذه الآية قال : كان رجل في غنيمة له ، فلحقه المسلمون فقال : السلام عليكم ، فقتلوه ، وأخذوا غنيمته ، فأنزل الله في ذلك … إلى قوله : { عَرَضَ ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا } : ( تلك الغنيمة ) . وقال البخاري : قال حبيب بن أبي عمرة عن سعيد عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمقداد : " إذا كان رجل مؤمن يخفي إيمانه مع قوم كفار ، فأظهر إيمانه فقتلته ، فكذلك كنت أنت تخفي إيمانك بمكة من قبل " ، هكذا رواه البخاريّ معلقاً مختصراً . ورواه الحافظ أبو بكر البزار مطولاً موصولاً عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فيها المقداد بن الأسود ، فلما أتوا القوم وجدوهم قد تفرقوا ، وبقي رجل له مال كثير لم يبرح ، فقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأهوى إليه المقداد فقتله ، فقال له رجل من أصحابه : أقتلت رجلاً شهد أن لا إله الله الله ؟ والله ! لأذكرنّ ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : يا رسول الله ! إن رجلاً شهد أن لا إله إلا الله ، فقتله المقداد ، فقال : " ادعوا لي المقداد ، يا مقداد ! أقتلت رجلاً يقول : لا إله إلا الله ! فكيف لك بـ ( لا إله إلا الله ) غداً ؟ " قال : فأنزل الله : { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } - إلى قوله - { كَذٰلِكَ كُنْتُمْ مِّن قَبْلُ } … الآية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمقداد : " كان رجل مؤمن يخفي إيمانه مع قوم كفار ، فأظهر إيمانه فقتلته ، وكذلك كنت تخفي إيمانك بمكة قبل " " . قال ابن كثير : فقوله تعالى : { كَذٰلِكَ كُنْتُمْ مِّن قَبْلُ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ } أي : قد كنتم من قبل هذه الحال كهذا الذي يُسِرّ إيمانه ويخفيه من قومه ، كما تقدم في الحديث المرفوع ، وكما قال تعالى : { وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي ٱلأَرْضِ … } [ الأنفال : 26 ] الآية ، وهذا وجه آخر في مرجع الإشارة ، غير ما سلف ، وهو الأدق ، وبالقبول أحق . قال الحافظ ابن حجر في ( الفتح ) : يُستفاد من هذه الرواية ( أي : رواية البزار ) تسمية القاتل ، وأما المقتول ، فروي الثعلبيّ من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ، وأخرجه عبد بن حميد من طريق قتادة نحوه ، واللفظ للكلبيّ : أن اسم المقتول مرداس بن نهيك ، من أهل فدك ، وأن اسم القاتل أسامة بن زيد ، وأن اسم أمير السرية غالب بن فضالة الليثيّ ، وأن قوم مرداس لما انهزموا بقي هو وحده ، وكان ألجأ غنمه بجبل ، فلما لحقوه قال : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، السلام عليكم ، فقتله أسامة بن زيد ، فلما رجعوا نزلت الآية . وكذا أخرج الطبري من طريق السُّديّ نحوه ، وفي آخر رواية قتادة : لأن تحية المسلمين السلام ، بها يتعارفون . وأخرج ابن أبي حاتم من طريق ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر قال : أنزلت هذه الآية في مرداس ، وهذا شاهد حسن ، وأسند ابن أبي حاتم أن أسامة حلف لا يقتل رجلاً يقول : لا إله إلا الله ، بعد ذلك الرجل ، وما لقي من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه . قال بعض المفسرين من أئمة الزيدية : وبهذا اعتذر إلى عليّ عليه السلام حتى تخلف عنه ، وإن كان عذراً غير مقبول ، لأن القتال مع الإمام واجب عند خروج البغاة ويكفر يمينه . قال الحاكم : إلا أن أمير المؤمنين أذن له . انتهى . وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن أبي حدرد رضي الله عنه قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إضم ، فخرجت في نفر من المسلمين فيهم أبو قتادة الحارث بن ربعيّ ، ومحلِّم بن جثَّامة بن قيس ، فخرجنا حتى إذا كنا ببطن إضم مرّ بنا عامر بن الأضبط الأشجعيّ على قعود له ، معه مُتَيِّع له ( تصغير متاع ، وهو السلعة ) ورطب من لبن ، فلما مر بنا سلم علينا ، فأمسكنا عنه ، وحمل عليه محلم بن جثامة فقتله ، لشيء كان بينه وبينه ، وأخذ بعيره ومُتيَّعه ، فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرناه الخبر ، نزل فينا القرآن : { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } - إلى قوله - { خَبِيراً } . ورواه ابن جرير عن ابن عمر وزاد : " فجاء محلم في بردين ، فجلس بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ليستغفر له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا غفر الله لك " ، فقام وهو يتلقى دموعه ببرديه ، فما مضت له سابعة حتى مات ودفنوه في الأرض ، فلفظته الأرض ، فجاؤوا إلى النبيّ فذكروا ذلك له ، فقال : " إن الأرض تقبل من هو شرٌّ من صاحبكم ، ولكن الله أراد أن يعظكم " ، ثم طرحوه بين صَدَفَيْ جبل ، وألقوا عليه الحجارة ونزلت . وروى أئمة السير ؛ أنه لما كان عام خيبر ، جاء عيينة بن بدر يطلب بدم عامر وهو سيد قيس ، وكان الأقرع بن حابس يردّ عن محلِّم وهو سيد خندف ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوم عامر : " هل لكم أن تأخذوا منا الآن خمسين بعيراً ، وخمسين إذا رجعنا إلى المدينة ؟ " فقال عيينة بن بدر : والله ! لا أَدَعُهُ حتى أذيق نساءه من الحرّ مثل ما أذاق نسائي ، فلم يزل به حتى رضي بالدية . قال ابن إسحاق : وحدثني سالم بن النضر قال : لم يقبلوا الدية حتى قام الأقرع بن حابس فخلا بهم : فقال : يا معشر قيس ! سألكم رسول الله صلى الله عليه وسلم قتيلاً تتركونه ليصلح به بين الناس فمنعتموه إياه ، أفأمنتم أن يغضب عليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيغضب عليكم الله لغضبه ؟ أو يلعنكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيلعنكم الله بلعنته ؟ والله ! لتسلمنّه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لآتين بخمسين من بني تميم كلهم يشهدون أن القتيل ما صلى قط ، فلأبطلن دمه ، فلما قال ذلك أخذوا الدية . وأخرج ابن منده عن جزء بن الحدرجان قال : وَفَدَ أخي ، قدادٌ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم من اليمن فلقيته سرية النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال لهم : أنا مؤمن ، فلم يقبلوا منه وقتلوه ، فبلغني ذلك ، فخرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت : { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ … } الآية ، فأعطاني النبيّ صلى الله عليه وسلم دية أخي . قال القفال : ولا منافاة بين هذه الروايات ، فلعلها نزلت عند وقوعها بأسرها ، فكان كل فريق يظن أنها نزلت في واقعته . انتهى . وتقدم لنا في مقدمة التفسير في سبب النزول ما يدفع التنافي في نحو هذا ، فارجع إليه . تنبيه قال الرازيّ : اعلم أن المقصود من هذه الآية : المبالغة في تحريم قتل المؤمنين ، وأمر المجاهدين بالتثبت فيه ، لئلا يسفكوا دماً حراماً بتأويل ضعيف . وفي ( الإكليل ) : استدل بظاهرها على قبول توبة الزنديق إذا أظهر الاستسلام ، وعلى أن الكافر يحكم له بالإسلام إذا أظهر ما ينافي اعتقاده ، على قراءة ( السلام ) وفي الآية وجوب التثبت في الأمور ، خصوصاً القتل ووجوب الدعوة قبل القتال . انتهى . وقال الحافظ ابن حجر في ( الفتح ) : في الآية دليل على أن من أظهر شيئاً من علامات الإسلام لم يحلّ دمه حتى يختبر أمره ؛ لأن الإسلام تحية المسلمين ، وكان تحيتهم في الجاهلية بخلاف ذلك ، فكانت هذه علامة ، وأما على قراءة ( السلم ) بفتحتين ، أو بكسر فسكون ، فالمراد به الانقياد ، وهو علامة الإسلام . انتهى . وقال بعض مفسري الزيدية : ثمرة الآية الكريمة وجوب الثبت والتأني فيما يحتمل الحظر والإباحة ، لقوله : { فَتَبَيَّنُواْ } ( بالنون ) وهذه قراءة الأكثر ، وحمزةُ والكسائي قراءتهما : ( فتثبتوا ) من ( الثبات ) ، ويدخل في هذا أحكام كثيرة من الاعتقادات والأخبار والأفعال من الأحكام وسائر الأعمال ، فهذا حكم ، والحكم الثاني : أنه يجب الأخذ بالظاهر ، فمن أظهر الإسلام أو شيئاً من شعائر الإسلام ، لا يكذّب بل يقبل منه ، ويدخل في هذا ، الملحدُ والمنافقُ ، وهذا هو مذهبنا والأكثر ، ويدخل في هذا قبول توبة المرتدّ ، خلافاً لأحمد ، وقبول توبة الزنديق ، وهذا قول عامة الأئمة . وقال مالك : لا تقبل ، لأن هذا عين مذهبهم أنهم يظهرون خلاف ما يبطنون . قال الراضي بالله والإمام يحيى : إن أظهروا ما يعتادون إخفاءه قبلت توبتهم ، وإلا فلا . قال عليّ خليل : تقبل توبتهم ، ولو عرفنا من باطنهم خلاف ما أظهروا ، كما قبل النبيّ صلى الله عليه وسلم من المنافقين ، وقد أخبر الله تعالى بكفرهم . وقال أبو مضر : تقبل ما لم يعرف كذبهم ، وهذا الخلاف في الظاهر ، وأما عند الله ، إذا صدق ، فهي مقبولة وفاقا . قال الحاكم : وتدل على أن التوصل بالسبب المحرم إلى المال لا يجوز و وقد ذكر العلماء صوراً في التوصل إلى المباح بالمحظور مختلفة ، ذكرت في غير هذا الموضع ، والحجة هنا من قوله تعالى : { تَبْتَغُونَ عَرَضَ ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا } . لأن الذي قصد هنا أخذه ، محظور ، لأن إظهار الإسلام يحقن النفس والمال ، فذلك توصل بمحظور إلى محظور . وقوله تعالى : { لِمَنْ أَلْقَىۤ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً } قرئ " السلم " وهذه قراءة نافع وحمزة وابن عامر بغير ألف وهو الاستسلام ، وقيل : إظهار الإسلام ، وقرأ الباقون : { ٱلسَّلاَمَ } بألف وهو التحية . انتهى . وقال أبو منصور في ( التأويلات ) : فيه الأمر بالتثبت عند الشبهة ، والنهي عن الإقدام عندها ، وهكذا الواجب على المؤمن الوقف عند اعتراض الشبهة في كل فعل وكل خَبَر ؛ لأن الله تعالى أمر بالتثبت في الأعمال بقوله : { فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَىۤ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً } وقال في الخبر : { إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوۤاْ } [ الحجرات : 6 ] ، أمر بالتثبت في الأخبار عند الشبهة ، كما أمر في الأفعال لنبيه صلى الله عليه وسلم : { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } [ الإسراء : 36 ] ، وفي الآية دليل فساد قول المعتزلة ، لأنه نهاهم أن يقولوا ( لمن قال : إني مسلم ) لست مؤمناً ، وهم يقولون صاحب الكبيرة ليس بمؤمن ، وهو يقول ألف مرة ( على المثل ) أني مسلم ، فإذا نهى أن يقولوا : ليس بمؤمن ، أمرهم أن يقولوا : هو مؤمن ، فيقال لهم : أنتم أعلم أم الله ؟ على ما قيل لأولئك . انتهى . وقال الرازي : قال أكثر الفقهاء : لو قال اليهوديّ والنصرانيّ : أنا مؤمن ، أو قال : أنا مسلم ، لا يحكم بهذا القدر بإسلامه ، لأن مذهبه أن الذي هو عليه هو الإسلام ، وهو الإيمان ، ولو قال : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فعند قوم لا يحكم بإسلامه ، لأن فيهم من يقول : إنه رسول الله إلى العرب ، لا إلى الكل ، ومنهم من يقول : إن محمداً الذي هو الرسول الحق ، بعدُ ما جاء ، وسيجيء بعد ذلك ، بل لا بد وأن يعترف بأن الدين الذي كان عليه باطل ، وأن الدين الموجود فيما بين المسلمين هو الحق والله أعلم . انتهى . أقول : كل من قال : أنا مؤمن أو أنا مسلم من المحاربين ، مظهراً الانقياد لنا ، وأنه من ملتنا ، فإنه يحكم بإسلامه ، ويكف عن قتله وأخذ ماله ، كتابيّاً كان أو مشركاً ، وهذا هو المقصود من الآية ، وأما مسالة من أراد الدخول في الإسلام وهو على عقيدة فاسدة ، وأنه لا بد في صحة إسلامه من تبرئه عنها ، ونبذها ظهرياً ، وأنه لا يكتفي بقوله : أنا مسلم - فذاك بحث آخر مسلَّم ، لكن ليس مما تشمله الآية ، كما أن من أظهر الإسلام وأتى بالشهادتين ولم يَدِنْ بشرائع الإسلام وإقامة شعائره ، كبعض القبائل البادية الجافية ، فإنه يجب على الإمام قتالهم ، ولا يقال : إن الآية تشملهم لما ذكرنا ، وظاهر أن مدار النهي في الآية إنما هو على سفك الدماء ابتغاء عرض الدنيا ، لقوله { تَبْتَغُونَ } ، وهو حال كما أسلفنا ، والحال قيد لعاملها ، فما ذكره الرازي عن الفقهاء ليس مما تشمله الآية ، لأن البحث ليس في القدر الذي يصير به الكافر مسلماً ، بل في الكف عن قتل المنقاد لنا ، فافهم ، وقوله تعالى : { لاَّ يَسْتَوِي ٱلْقَٰعِدُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ وَٱلْمُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ … } .